عنيف وخالٍ من التشويق

«هالوين».. مواجهة روتينية تتخبط في أزمة النوستالجيا

صورة

من أكثر القرارات مخاطرة في صناعة السينما كتابة نص جزء ثانٍ من فيلم كبير ومعروف حقق نجاحاً عالمياً، وخلق حالة من الهوس بشخصياته لدى المعجبين. حدثت منذ سنوات قليلة عندما جاء رايان كوغلر في فيلم Creed برؤية جديدة لأفلام روكي وأعطى سلفستر ستالون مدخلاً جديداً إلى سلسلة عانت أجزاؤها إخفاقات في ثمانينات القرن الماضي.

حوارات لا تقدم شيئاً مفيداً، مع غياب التشويق بشكل كامل، ولو شاهدت هذا الفيلم دون صوت ستفهمه كاملاً.


40

عاماً تفصل بين الجزأين، فيما يتجاهل الجزء الجديد كل الأجزاء السابقة بل ويصحح ما يعتبره هو أخطاء وقعت فيها الأفلام الماضية.

واليوم لدينا Halloween الجديد وهو الفيلم رقم 11 في السلسلة، الذي يأتي بعد 40 عاماً من الجزء الأصلي في قرار جريء، خصوصاً عندما يتجاهل الجزء الجديد كل الأجزاء السابقة بل ويصحح ما يعتبره هو أخطاء وقعت فيها الأفلام الماضية.

القرار من ديفيد غوردن غرين، مخرج The Pineapple Express وOur Brand is Crisis، وجيسن بلم منتج أفلام الرعب منخفضة الميزانية الشهير الذي صنع لنفسه اسماً في نهضة سينما الرعب الحديثة.

وبالطبع عاد صانع الفيلم الأصلي جون كاربنتر كاتباً لموسيقى الفيلم مع ابنه كودي، ومعروف أن كاربنتر يكتب نصوص أفلامه وموسيقاها ويخرجها. أيضاً عاد مالك العقاد كمنتج، وهو ابن مصطفى العقاد الذي قضى في تفجيرات الأردن الإرهابية عام 2005، وهذا الفيلم مهدى إلى روحه.

يبدأ الفيلم بصحافيين -شاب وفتاة- بريطانيين يرغبان في تسجيل عمل بصيغة بودكاست عن قصة القاتل الشهير مايكل مايرز (يؤدي الشخصية نيك كاسل من الفيلم الأول وجيمس جود كورتني حديثاً)، الذي ذبح خمسة أشخاص في مدينة هادونفيلد الخيالية بولاية إلينوي منذ 40 عاماً أي أحداث الجزء الأول.

عندما يلتقيان به في سجن شديد الحراسة، نراه دون قناعه الشهير لكن اللقطة من الخلف. بعد سلسلة أحداث غير مقنعة يهرب مايرز من حافلة خلال عملية نقله، ويتوجه لقتل من أخفق في قتلها منذ 40 عاماً.

المستهدفة لوري سترود (جيمي لي كيرتيس) -تعود إلى الدور الذي أطلق نجوميتها بعد 40 عاماً. لوري أصبحت مهووسة بمواجهة عدوها اللدود مايرز وتتعطش لقتله شخصياً ونراها تتحضر ليوم المواجهة. لوري مسلحة ببنادق ومدربة ومنزلها مجهز بكل أنواع الأفخاخ، كأنه منزل قاتل الأحجيات جيغسو من أفلام Saw الشهيرة.

نعلم أن الـ40 سنة الماضية لم تكن هينة على لوري، فقد عانت زواجاً فاشلاً وتعاني توتراً شديداً في العلاقة مع ابنتها كيرين (جودي غرير)، أما حفيدتها أليسون (أندي ماتيشاك) فتتعاطف مع جدتها. «هالوين» من أكثر السلسلات السينمائية التي أسيء استخدامها، كانت هناك محاولات إعادة إطلاق، الأولى عام 1998، جاءت في أعقاب النجاح الكبير لأفلام الصرخة أو Scream الشهيرة و«أعلم ما فعلته الصيف الماضي».

واليوم نشهد ثاني محاولة لإعادة الإطلاق. الظريف أن «هالوين» هو الذي أطلق موجة أفلام Slasher أو الذباح (مجرم يقتل ضحاياه طعناً)، التي هيمنت على سينما الرعب من آخر السبعينات إلى بداية الألفية، وأفلام Scream هي التي تأثرت به، ولو تتبعنا تاريخ أفلام الذباح لوجدنا أن الملهم الكبير هو فيلم «سايكو» للأسطورة ألفريد هيتشكوك عام 1960.

«هالوين» قد يعيد أفلام الذباح إلى الواجهة، والذي سيقرر ذلك إيراداته في شباك التذاكر والأرقام حتى اللحظة تبدو مبشرة جداً، إذ تجاوزت 100 مليون دولار مقابل ميزانية لم تتعدَ 20 مليوناً.

فنياً، الفيلم يعاني! رغم اقترابه من الساعتين فإنه لا يستكشف الحالة النفسية للوري ويبقى على السطح، رغم أنها أكثر شخصية مثيرة للفضول، صحيح أن شخصيتها لم تكن بالعمق المطلوب حتى في فيلم كاربنتر الأصلي 1978، لكن الشخصية هنا تستحق الاهتمام أكثر من أي فيلم سابق من السلسلة، لأنها مرت بزواج فاشل وتعاني قطيعة مع أسرتها وتستعد لمواجهة عدو من الماضي إلا أن ذلك لا يحدث لأن غرين حذر ويفضل شخصية مقاتلة على غرار إلين ريبلي من أفلام Alien.

فكرة الفيلم انقلاب على الفيلم الأصلي، أي كأنك تشاهد الأصلي مقلوباً، فهو عن مجرم هرب من حافلة وضحية تتعطش للمواجهة، أي أن الضحية أصبحت الصياد. غرين ليس متمرساً في الرعب وخبرته في الكوميديا، وكذلك الكاتب دانيال مكبرايد، ويتضح ذلك من كثرة الحوارات وغياب التشويق بشكل كامل.

أول 45 دقيقة من الفيلم مملوءة بحوارات لا تعني شيئاً إلا تصحيح مفاهيم ظهرت في الأجزاء السابقة وأراد هذا الفيلم نفيها. والساعة التالية حواراتها لا تقدم شيئاً مفيداً لأن مايرز يسرح ويمرح مستمتعاً بقتل ضحاياه الذين ليس لديهم شيء يفعلوه سوى محاولات الهرب والزعيق. بكلمات أخرى، لو شاهدت هذا الفيلم دون صوت ستفهمه كاملاً!

بقدر ما يملأ غرين الفيلم من حوارات، فإنه لا يملؤه بالتشويق، وغالباً لانعدام خبرته في الرعب واعتماده بشكل كامل على تحويل شخصية مايرز أو كما يسمى في الفيلم البعبع إلى أسطورة شعبية، فالشخصيات تتحدث عنه وكأنه من عالم آخر، وأما غرين يتعمد تضخيمه بالكاميرا وتصويره إما من الأسفل إلى الأعلى وهي إشارة إلى عظمة الشخصية، أو يجعله يمشي مثل الروبوت لتجريده من صفات البشر أو التركيز على وجهه من الأسفل.

غرين يعتمد كذلك على لقطات اشتهرت من الفيلم الأول مثل أليسون تنظر من نافذة الصف إلى الشارع الخارجي، فتجد جدتها واقفة تنظر إليها (في الفيلم الأصلي كانت لوري أي الجدة تنظر خارج النافذة فتجد مايرز ينظر إليها)، أو جثة تختفي من مكانها، أو جثة معلقة على حائط. وهذا ما يضعه في أزمة نوستالجيا تقيده عن تقديم أفكار جديدة أو تطوير فكرة الفيلم والبناء عليها.

من الجوانب التي لم يستكشفها غرين شخصية الطبيب النفسي د. سارتين (التركي هالوك بلغينر) المهووس بدراسة القاتل الذي يكشف عن مفاجأة قبل المشهد الأخير. لو كنت مشاهداً جديداً ستتفاجأ، ولو كنت متمرساً فستتمنى لو لم تحدث.

يركز الفيلم على العلاقة الثلاثية بين الجدة لوري وابنتها كيرين وحفيدتها أليسون في مواجهة مايرز، العلاقة الثلاثية تشير بوضوح إلى دعم الفيلم لأيديولوجيا التيار النسوي بتصوير البعبع في صراع مع عائلة واحدة من ثلاث نساء من أجيال مختلفة.

يعتمد غرين على العنف أكثر من صنع جو من التشويق، وهذا بخلاف الفيلم الأصلي الذي اعتمد على ترهيب المشاهد نفسياً، لكن كما ذكرنا سابقاً فإن غرين حذر ويلعب على ما يظنه مضموناً أكثر لافتقاده الخبرة، هذا تجسد أكثر في المشهد الأخير، عندما هاجم مايرز منزل لوري، في لقطة طويلة مملة خالية من أي تشويق ولا تليق حتى باسم «هالوين» المرادف للرعب.

تويتر