ماكينون تسرق اللقطات من كونيس

«الجاسوس الذي تخلّى عني» يعاني انفصاماً في النبرة بين التهريج والعنف

صورة

شاهدنا أفلاماً كثيرة برعت في مزج الأكشن والكوميديا معاً مزجاً متوازناً، فتتقبل الأكشن مهما كان هراء أو تهريجاً، مثل فيلم «سنترال إنتلجنس» عام 2016، (مشهد المعركة بين رجل يمسك بموزة وآخر بسكين)، وتضحك على الكوميديا التي تخدم الأكشن أكثر مما هي مضحكة، أو فيلم Rush Hour أو Men in Black.

وشاهدنا أفلاماً جاءت منفصمة النبرة لا تعرف هل هي كوميدية أم أكشن عنيف، كان أشهرها Bad Boys و Beverly Hills Cop الجزء الثاني، و Collision Course، وغيرها الكثير. فيلم The Spy Who Dumped Me أو «الجاسوس الذي تخلى عني»، هو ضمن الفئة منفصمة النبرة من الأفلام. الفيلم غير مستقر النبرة، لا نعلم ما يريد أن يكون، حواراته تهريج مطلق، وأحداثه معارك عنيفة دموية على شاكلة أفلام جيمس بوند وجيسون بورن. أودري (الأميركية من أصل أوكراني ميلا كونيس) تعمل أمينة صندوق في محل بقالة لبيع المواد العضوية، تتلقى رسالة نصية على الهاتف من صديقها درو (جستن ثيرو)، الذي ظنت أنه يقدم برامج صوتية في صيغة بودكاست يخبرها أنه تخلى عنها، لتكتشف في ما بعد أنه جاسوس لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.

رفيقة أودري المقربة تدعى مورغان (كيت ماكينون) المؤدلجة بعقيدة التيار النسوي، والتي تثرثر وتهرج كثيراً، وتتدخل في حياة أودري بشكل لا يطاق بالنسبة للمشاهد، ولبعض الشخصيات الأخرى في الفيلم، التي تشكو بامتعاض من أطباع مورغان الطفيلية. تتورط الصديقتان في معركة جواسيس تأخذهما في رحلة إلى دول أوروبية عدة.

قبل أن تبدأ القصة أصلاً، هناك مشهد رهيب لدرو يتعارك مع خصومه، مُصوَّر بكاميرا محمولة، ويقفز من نافذة قفزة خطيرة في لقطة واحدة، من دون أي قطع ويحل على شاحنة، مشهد مستلهم بشكل جميل من أفلام جيسون بورن الشهيرة الممهورة بتوقيع الإنجليزي، بول غرينغراس، لو رآه توم كروز لندم أنه لم يؤدّه في مهمة مستحيلة ! المشهد كان خياراً مثالياً لمهمة مستحيلة أو جيسون بورن أو جيمس بوند، وهو رغم روعته وقوته يبقى مشهداً في الفيلم الخطأ.

بعد مقتل درو أمام صديقته، تقرر الأخيرة ومورغان إتمام مهمته بإيصال تمثال كان بحوزته إلى العاصمة النمساوية فيينا، وتسليمه إلى شخص هناك ينتظرهما في مقهى. قاعدة التمثال تحتوي على وحدة تخزين «يو إس بي»، بالمناسبة نتساءل: هل هناك فيلم جاسوسية لا يحتوي هذه الوحدة التخزينية؟ بكلمات أخرى: هوليوود لا تريد تجاوز هذا الكليشيه.

مشهد المقهى هو الآخر حابس للأنفاس، تتخلله نكات تهريجية تائهة، كأنها من فيلم آخر، لأن «الجاسوس الذي تخلى عني» يُصرّ إصراراً شديداً - وهو ليس مخطئا بالضرورة - على استعراض الأكشن، والدمار الذي يحل بالمكان بعد المعارك والمطاردات الرهيبة.

مشهد المقهى متنوع جداً من ناحية الأسلحة (رشاشات وخناجر)، وكذلك أداء المتقاتلين، وينتهي بلقطة رجل يضع رأس آخر في وعاء حساء ساخن. هذا المشهد تحديداً ليس مزحة، هذا مشهد غاية في الجدية، وجدير أن يكون فيه نجم الأكشن الإنجليزي جيسن ستاثم.

لا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الفيلم يحتوي على قتال بالسكاكين ومطاردات سيارات وقاتلة مأجورة روسية (إيفانا ساكنو)، مرعبة جداً، وأداؤها أقرب إلى أداء روبوتي، ومشهد أكروباتي في السيرك يعيد إلى الأذهان مشهد أوبرا فيينا الشهير في «مهمة مستحيلة: أمة مارقة»، وحتى مشهد السيرك ينتهي بلقطة دموية.

كل هذه المشاهد المتنوعة لا تخدم سوى قصة أكشن مثل داي هارد أو جون ويك أو جيسون بورن، وليس فيلماً تهريجياً بالدرجة الأولى. الفيلم مشتت بين نبرتين كطرفي نقيض، الأولى تقول للمشاهد لا تأخذني بجدية من شدة التهريج، والأخرى تتعمد إبهاره بجرأة الأكشن وإثارة الخوف لديه بالتفنن في إبراز العنف. إن مستوى العنف في الفيلم يتجاوز ما شاهدناه في «مهمة مستحيلة»، وكأن المخرجة، سوزانا فوغل، تريد إثبات أن النساء لسن أقل عنفاً من الرجال من ناحية صناعة أفلام من هذا النوع، أو وجود امرأتين في البطولة.

كونيس وماكينون غير منسجمتين بالدرجة الكافية، الأولى تصلح للأدوار العاطفية الكوميدية كما ظهرت في «أمهات سيئات» منذ عامين، والثانية تصلح للتهريج المطلق مثل ماليسا مكارثي. كونيس تتمتع بجمال وعينين كبيرتين ما يؤهلها أكثر لأدوار الدراما العاطفية، ويعطيها حضوراً جيداً على الشاشة، وليس دور مرافقة لمهرجة لا تغلق فمها، وتكاد تخرج من الشاشة لكثرة حركتها.

ماكينون تسرق كل المَشاهد التي تظهر بها في كل أفلامها لكثرة حركتها، وتعتمد في أدائها على عملها في برنامج «ساترداي نايت لايف»، وهو برنامج للضحك والتهريج، لذلك قد لا تكون الشخصية جديدة على ماكينون، وإنما هي امتداد لفكرة جربتها في ذلك البرنامج. قد يكون «الجاسوس الذي تخلى عني» عند البعض أفضل فيلم لماكينون، وهو كذلك إلى حد ضئيل، على اعتبار أن ما شاهدناه كان فيلم أكشن جيداً جداً، به مشاهد تهريجية من فيلم آخر، أقحمتها فوغل بقرار غير حكيم، لكن لحظة ماكينون الحقيقية لم تأتِ بعد، ربما في فيلم آخر نأمل ألا يكون منفصماً. لا يمكن فصل هذا العمل عن فيلم Spy الذي شاهدناه عام 2015، حيث يبدو التشابه كبيراً من جهة البطولة النسائية، وكذلك تحوُّل بطلة الفيلم هناك وبطلتيه هنا إلى جواسيس بالمصادفة. «الجاسوس الذي تخلى عني» يحاول بكل صدق وقوة أن يكون فيلماً عن مغامرة كوميدية لرفيقتين Buddy comedy ودراما جاسوسية وفيلماً للكبار وفيلم أكشن، لكنه بسبب التشتت لا يحسن أن يكون أياً من الأنواع المذكورة. مشاهدة هذا الفيلم كالتحدث مع شخص يهذي نتيجة فقدان عقله، لا تعرف هل تصدقه أم تكذبه، هل تأخذه بجدية أم تتجاهل كلامه، يقول لك نكتة غير مضحكة ثم يريك مشهداً مخيفاً لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية واحدة: العنف.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


حاول أن يكون فيلماً عن مغامرة كوميدية ودراما جاسوسية وفيلماً للكبار وفيلم أكشن، لكنه بسبب التشتت لم يحسن أن يكون أي شيء.

مشاهدة هذا الفيلم كالتحدث مع شخص يهذي، لا تعرف هل تصدقه أم تكذبه، هل تأخذه بجدية أم تتجاهل كلامه.

تويتر