توني كوليت تتألق بأداء استثنائي

«هريديتيري» يضخ زخماً في نهضة الرعب الحديثة

صورة

نتساءل: لماذا تُستبعد أفلام الرعب من موسم الجوائز، ويتحيّز النقاد والمحكّمون لأفلام الدراما، وتلك ذات اللمسات الفنية أو الأبعاد الفلسفية؟ ما الذي ينقص أفلام الرعب؟ هي لا تخلو من الدراما والأداء الجيد؛ وهذان أكثر عاملين تمنح لأجلهما الجوائز، وفوق هذا تحقق أفلام الرعب أرباحاً أعلى من الدراما.

النجمة الأسترالية و«الأوسكار»

منذ 20 عاماً ترشحت النجمة الأسترالية توني كوليت لجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن أدائها في فيلم «الحاسة السادسة» الذي تجاوزت إيراداته 600 مليون دولار؛ ما يعني أنه دخل خانة أفلام «بلوكباستر»، إضافة إلى ترشح الفيلم نفسه في خانة أفضل عمل لعام 1999.

واليوم نرى كوليت في هذا الفيلم بأداء أفضل، فهل سيتم ترشيحها أم ستتجاهلها الأكاديمية كما عوّدتنا، علماً بأن فيلم Get Out ترشح في خانات عدة في الموسم الأخير، لكن الحقيقة أنه فيلم رعب كوميدي مبالغ جداً في تقديره، لأن ترشيحاته كانت مسيّسة أكثر من فنية.


- فيلم من النوع الذي ستعيش أجواءه أكثر كلما قلّت معرفتك المسبقة به وبتفاصيل قصته.

فيلم Hereditary أو (وراثي) من كتابة وإخراج آري أستر، الذي عرض في وقت سابق من هذا العام في مهرجان سندانس السينمائي، ويعرض بشكل موسع في الصالات العالمية هذا الشهر، غريب جداً في تكوينه، وهيكله يبدأ بداية عادية، ثم يأخذ في التصاعد التدريجي في صنع التوتر، وعندما تتحدد هوية الفيلم في ذهن المشاهد، ويظن أنه شاهد ما يحدث أمامه في أفلام سابقة؛ فإن الفيلم ينحرف فجأة عن مساره ليأخذ صيغة سيريالية ونهاية أغرب من الخيال.

قراءة بحذر

نكتب هذه القراءة بحذر شديد حتى لا نكشف أي تفاصيل، فهذا فيلم من النوع الذي ستعيش أجواءه أكثر كلما قلّت معرفتك المسبقة به وبتفاصيل قصته. أمّ تدعى آني (الأسترالية توني كوليت)، تمتهن الفن بصناعة مجسمات صغيرة تحاكي منزلها وحياتها، تتعايش مع وفاة والدتها، بينما تحاول الانتهاء من التحضير للمشاركة في معرض.

ابنها الأكبر بيتر (أليكس وولف) يخفي حزناً وكآبة ويغطيهما بتدخينه مواد مؤثرة على العقل. الابنة الصغرى تشارلي (ميلي شابيرو) ذات الـ13 عاماً غريبة الأطوار جداً، لا مشاعر على وجهها. زوج آني اسمه ستيف (غابريل بيرن) لطيف وصبور، وكل غايته إسعاد عائلته الصغيرة.

يعاني الأربعة وفاة الجدة التي يبدو أنها لم تكن ودودة معهم. يتحفظ الأربعة في الإفصاح عن مشاعرهم تجاه بعضهم بعضاً، أو أي شيء قد يكشف شعورهم الداخلي. آني تخبر زوجها أنها تذهب إلى السينما، بينما في الحقيقة تتردد على جماعات تساعدها في التخفيف من حزنها. بيتر يخفف عن نفسه بتعاطي الماريغوانا، بينما ترسم تشارلي رسومات غريبة في دفتر صغير. يحدث شيء يعمق من أحزان العائلة، وكفانا سرداً.

انحراف عن المتوقع

النقطة الصعبة في هذه القراءة هي توضيح كيف يختلف هذا الفيلم عن غيره. للمشاهد العادي والمتمرس يبدو الفيلم عادياً جداً في أول 90 دقيقة، لكن يتغيّر كل شيء بسرعة عند انحراف القصة عن مسارها المتوقع.

هل الشخصيات ترى أشباحاً أم هي هلوسات وأوهام؟ الإجابة قد تكون من هذا وذاك! الفيلم نفسه يحافظ على غموضه لفترة طويلة قبل توضيح بعض الأمور، وحتى عندما يوضحها تبقى الكثير من المسائل عالقة.

يستلهم الفيلم من كلاسيكيات سينما الرعب، خصوصاً «روزميريز بيبي» لرومان بولاسنكي عام 1968، والأشهر منه والأكثر شعبية The Exorcist «طارد الأرواح» لويليام فريدكن عام 1973، وDon’t Look Now العام نفسه، وأفلام أخرى غير أميركية، مثل الياباني Ju-On أو «الضغينة» عام 2002 الذي أعيد أميركياً بعد ذلك بعامين.

تاريخياً؛ امتازت أفلام الرعب بميزتين: الأولى أنها ليست بحاجة إلى نجوم في بطولتها، والثانية أنها محصّنة ضد الإخفاق في شباك التذاكر بصفة عامة، لأن الجمهور يحب أن يخاف. من ناحية أخرى؛ أفلام الرعب من النوع المعتمد على عنصر الكيان الشيطاني في قصته، ترتكز غالباً على نوعين من الصراع: الأول بشر يجلبون شيطاناً من عالم الجن دون قصد، ثم يتصارعون معه لقتله أو إرغامه على العودة من حيث جاء. الثاني: بشر يحاولون التواصل مع روح بشرية (شبح حسب الموروث الشعبي في الغرب) في العالم الآخر، فيحضر شيطان ويتصارع معهم.

فاجأ ويليام فريدكن العالم في «طارد الأرواح» بجرأة طرحه الذي اعتبره مؤرخو السينما هجوماً كاسحاً على حواس المشاهد بلقطات مازالت تصنف الأكثر رعباً في تاريخ الصنف. وتسيّد هذا الفيلم طول حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات.

انطلقت نهضة الرعب الحديثة في نهاية العقد الماضي بأفلام Paranormal Activity وفيلم Insidious للأستراليين جيمس وان ولي وانيل اللافتة، ولن نقول كلاسيكية، حيث إن الأخير قلب الفكرة وقدّمها بحلة جديدة برسم عالمين متوازيين للإنس والشياطين، يدخله البشر للبحث عن أرواح أحبائهم، وعليهم العودة قبل أن يجد أحد الشياطين منفذاً للدخول عليهم.

ثم جاءت أفلام The Conjuring الناجحة جداً، والمستوحاة من قصص حقيقية، وأسهمت في نهضة الرعب بمؤثراتها الخاصة المبتكرة، لكنها كلها تدور في فلك «طارد الأرواح».

إعادة بارعة

اليوم عندما نشاهد هذا الفيلم، وهو لا يأتي بفكرة جديدة، لكنه يعيد تقديمها بشكل بارع معتمداً على ثلاثة عناصر: الأول، أداء كوليت الاستثنائي، الثاني، تصوير باويل بوغورزيلسكي الرهيب يجعل المشاهد ملتصقاً بمقعده، رغم علمه أن العمل بأكمله غير معتمد على قفزات الفزع الرخيصة. الثالث، مؤثرات صوتية من تأليف كولين ستيتسون تسبب توتراً في المعدة وقشعريرة قد تجعل المشاهد ذا الإحساس المرهف يخرج من الصالة.

يعكس الفيلم ثقة أستر الشديدة في قصته وإخراجه وطاقمه الفني بأن استغنى عن كل كليشيهات الرعب وعرض الفكرة المشتركة في كل أفلام الرعب قبل انتصاف الفيلم وهو يعلم أننا شاهدنا كل ذلك في أفلام سابقة، لكن بطء السرد وحالة الغموض المصاحب وأداء الشخصيات كانت هي القوة الدافعة لهذا العمل.

هل هو أقوى فيلم رعب هذا العام؟ لا نعلم حتى اللحظة، لكنه سيحتل مرتبة متقدمة جداً عند صدور القائمة آخر العام إلى جانب فيلم A Quiet Place.

ربما بإمكاننا القول إنه النسخة الجديدة من «طارد الأرواح» للجيل الجديد، لكن حتى هذا الوصف غير دقيق لأن أستر..... من الأفضل التوقف هنا. هذا الفيلم حتماً مخيف ويستحق المشاهدة.

تويتر