فاز بجائزتي أفضل نص وممثل

«لم تكن هنا أبداً».. معالجة جميلة تتعثر بقصة مكررة

صورة

فيلم You Were Never Really Here أو «لم تكن هنا أبداً» عُرض لأول مرة في مثل هذا الوقت بمهرجان كان السينمائي العام الماضي، لكن دون ظهور أسماء طاقم الفيلم في النهاية. في تلك الدورة فازت المخرجة الأسكتلندية لين رامزي بجائزة أفضل نص، بينما فاز بطلها واكين فينيكس بجائزة أفضل ممثل.

الفيلم يأتي بعد سبعة أعوام من فيلمها السابق We Need To Talk About Kevin عن دراما ظلامية عائلية عام 2011. رامزي كادت تخرج فيلم الويسترن Jane Got a Gun عام 2015، إلا أنها انسحبت منه قبل أول يوم تصوير، وحسناً فعلت.

«لم تكن هنا أبداً» عن جو (فينيكس)، عملاق - أو هكذا تصوره رامزي - مثقل بذكريات أليمة، وتغطي اللحية الكثة وجهه إلى درجة إخفاء مشاعره. بطيء جداً في الحركة، ويجرجر قدميه حين يمشي، أو ينام في وسط مهمة عمل، كأنه يعلم بالضبط متى يتحرك.

جو قاتل مأجور ينقذ الفتيات اللاتي يزج بهن في شبكات الدعارة، باستخدام أساليب عنيفة جداً. جو يعتني بوالدته المسنة (جوديث روبرتس) في منزلهما بمدينة نيويورك. نعلم في ما بعد أن جو جندي سابق، ومصاب بمرض اضطراب ما بعد الصدمة، وهو الذي يصيب الجنود في أرض المعركة.

يذهب جو إلى الوسيط الذي يتعامل معه فيبلغه بمهمته التالية: ألبرت فوتو سيناتور من نيويورك عرض مبلغاً ضخماً لقاء العثور على ابنته نينا (إيكاترينا سامسونوف) المختطفة وإنقاذها.

قطع متناثرة

قائمة شبيهة

لو عددنا الأفلام التي تحوي شخصية فتاة مخدرة محتجزة لدى عصابة، فستكون لدينا قائمة: أولاً فيلم The Big Sleep عام 1946، وThe Searchers عام 1956، بالإضافة إلى Taken عام 2008. أما لو عددنا الأفلام التي تتناول علاقة رجل ينقذ فتاة أو طفلة ويكون بمثابة والد لها، فلدينا: The Professional عام 1994 وTaxi Driver المذكور سابقاً، وصولاً إلى «لوغان» العام الماضي الذي تناول أيضاً علاقة بطل متألم، وفتاة صغيرة ينقذها من مطاردة السلطات لحماية نوعها.


للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.



• ملصق الفيلم عليه عبارة تقول إن الفيلم مزيج من فيلمي «تيكن» و«درايف»، وهي وإن كانت عبارة تسويقية إلا أنها تعطي إيحاء بأن الفيلم بلا فكرة.

الفيلم، المقتبس من رواية لجوناثان إيميس بالعنوان نفسه، توظّف فيه رامزي أسلوب معالجة من منظور نفسي عميق، يساعدها على ذلك فينيكس بأداء ربما هو الأفضل في مسيرته الفنية. الفيلم أشبه بقطع متناثرة تعمل رامزي على تجميعها حتى تتضح الصورة الكاملة.

مثلاً، لقطات البداية مثل اللغز، نرى مشاهد تقترب فيها الكاميرا من صورة محترقة، قلادة مصممة على شكل اسم فتاة، ثم نرى أن هذه الأشياء موجودة في غرفة فندقية. توظّف رامزي هذا الأسلوب في كل الفيلم، وهو أسلوب لو صحت له تسمية فستكون: التوهان الاستراتيجي.

الغرض من الأسلوب غمس المشاهد بشكل كامل في رأس الشخصية لعيش تجربة التشتت التي يعيشها جو. هذا الأخير لا يرى الأمور كما يراها أي إنسان عادي، فهو يرى أجزاء من أفكار مبعثرة ممزوجة بمشاهد استرجاعية مزعجة من طفولته والمواقف الصعبة التي مر بها وشكلت شخصيته بعد إصابته بالمرض وخروجه من الجيش.

الغرض الثاني من توظيف رامزي لذلك الأسلوب المعتمد على إخفاء المعلومة ثم كشفها بشكل مفاجئ في وجه المشاهد عن طريق مشاهد خاطفة مدتها أحياناً جزء من الثانية، هو إجبار المشاهد ليشعر بما يراه أمامه عوضاً عن تخمينه أو تلقيمه عن طريق الحوارات.

هناك مشهد يتعارك فيه جو يدوياً مع ضابط شرطة لا يمكن استيعاب تفاصيله أو معرفة من يمسك بمن تحديداً؛ نظراً لقرب العدسة الشديد من العراك، ثم تنتقل كاميرا رامزي إلى سطح عاكس بالكاد نرى خلاله أن جو تغلب على الضابط، واللقطة رمزية جداً، مقصود منها مطابقة أسلوب سرد الفيلم وحالة التشوش الذهني التي يعانيها بطل القصة.

هناك لقطة العد التنازلي تتكرر طوال الفيلم قبل أن تفسرها رامزي لاحقاً دون الخوض في التفاصيل حتى لا نكشف شيئاً، وهناك مشهد اقتحام جو وكر عصابة مصور بالكامل من خلال كاميرات المراقبة وموسيقى متقطعة، الغرض منه تصوير جو كشبح يقضي على أفراد العصابة واحداً تلو الآخر بمطرقته. ويمكننا القول إن الأسلوب مستلهم من أفلام الرعب المعتمدة على كاميرات المراقبة لإعطاء لمسة سريالية.

مشهد آخر نرى فيه جو جالساً في مطعم، ولا شيء لافتاً في المشهد سوى أصوات الحوارات الجانبية من الناس حوله، وهي كلها جمل مقطعة لا نفهم منها شيئاً، والدلالة هنا عميقة على أن جو غير قادر على التركيز بالدرجة التي يستطيع منها التقاط جملة واحدة مفهومة، وكل هذه من أعراض توهان الشخصية.

هناك مجموعة مشاهد يغيب فيها جو من إطار اللقطة بشكل كامل، ويبقى الصوت فقط، ولها معنيان: الأول ضعف الشخصية وتغييبها عن واقعها؛ لأن الإطار في الفيلم هو وجهة نظر البطل، فإن غاب منه فهي علامة ضعفه، والثاني مدى تشوش الشخصية بسبب انفصال حاستي السمع والبصر في بعض المواقف؛ ما يعزز حالة التشتت الذهني.

فنيات عالية

فنيات رامزي عالية وتشخيصها لسلوك شخصية بطلها من خلال أسلوب معالجتها رائع وحابس للأنفاس، وقللت الحوارات بشكل لافت، ووظفت الصورة بشكل مثالي في السرد، لكنها لم توفق في اختيار القصة، ليس لأنها سيئة إنما مألوفة جداً ومستهلكة ومكررة. ملصق الفيلم عليه عبارة تقول إن الفيلم مزيج من فيلمي «تيكن» و«درايف»، وهي وإن كانت عبارة تسويقية فإنها تعطي إيحاء بأن الفيلم بلا فكرة.

الفيلم بأكمله رغم كونه مقتبساً من رواية، يستلهم مشاهده من فيلم مارتن سكورسيزي الشهير Taxi Driver عام 1976، فهناك شخصية ترافيس بيكل كان جندياً في الجيش قبل أن يصبح سائق تاكسي ويغازل فتاة تعمل في مكتب حملة انتخابية (حتى هذا الفيلم يصور مكتب حملة انتخابية) قبل أن يقرر التدخل لإنقاذ فتاة من شبكة دعارة، وعندما تدخل حصل مشهد الاقتحام الشهير المكرر كذلك هنا.

تويتر