يحوي لمسات سريالية جميلة

الجنون والكآبة يطاردان تشارليز ثيرون في «تولي»

صورة

فيلم Tully، يلم شمل النجمة الجنوب إفريقية، تشارليز ثيرون، مع المخرج الكندي، جيسون ريتمان، وكاتبته ديابلو كودي، بعد تعاونهم في فيلم Young Adult عام 2011. «تولي» يأتي بعد سبعة أعوام منذ ذلك الفيلم ليناقش موضوعاً شبيهاً. ولو نتذكر جيداً كان هناك أيضاً فيلم أسترالي ناقش الأمر نفسه، وهو «ذا بابادوك» عام 2013. الموضوع عن مشقة الأمومة في مرحلة الحمل وما بعد الولادة من منظور نفسي بحت، لكن «تولي» متفق أكثر مع «ذا بابادوك» من «يانغ أدالت»، وسنأتي إلى هذه النقطة لاحقاً.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

صبي.. غريب الأطوار

من الواضح أن الصبي «جونا» مصاب بنوع من التوحّد، لكن الفيلم يسميه «غريب الأطوار». «جونا» صامت معظم الفيلم، يركل مقعد والدته من الخلف في السيارة، ويخاف من أصوات يتخيلها ضجيجاً، مثل صوت المرحاض في دورة المياه، بالإضافة إلى حاجته إلى معلم خاص يهتم به، سواء كان توحداً أو شيئاً آخر، لكن عدم اعتراف الفيلم به قد يكون مرتبطاً بوالدته التي ربما ترفض الاعتراف بذلك، ونرجح هذا التفسير لأن الفيلم يروى من وجهة نظرها فقط، ولأنه بأكمله دراسة سلوك شخصيتها، وكما ذكرنا فإنه تشخيص لحالتها النفسية.

فيلم جميل فنياً، وحواراته مكتوبة بشكل جيد وليست أداة رئيسة في سرد القصة.

دخول شخصية «تولي» يغير كل الفيلم تقريباً، إذ يتحول من فيلم ثقيل إلى خفيف.

مارلو (ثيرون) أمّ حامل على مشارف الولادة، تكافح في إدارة شؤون حياتها والاهتمام بطفليها، الكبرى فتاة (ليا فرانكلاند) لا تحصل على الاهتمام الكافي من مارلو، والثاني الصبي جونا (آشر مايلز فوليكا) من الواضح أنه مصاب بإعاقة ذهنية تتطلب رعاية كاملة من الأم، تسببت في الابتعاد قليلاً عن الفتاة.

زوج مارلو يدعى درو (رون ليفينغستون) مشغول بعمله من جهة، وبالترفيه عن نفسه بألعاب الفيديو من جهة أخرى. درو أحياناً بليد عاطفياً، وابتعد كثيراً عنها جسدياً، رغم ذلك تقول مارلو في الفيلم إن الحمل لم يكن مخططاً له. تستدعي مدرسة جونا والدته لتخبرها بأن الصبي بحاجة إلى رعاية كاملة، وهو يأخذ وقتاً أطول مع المعلمين من بقية الأطفال، والحل المقترح هو صرفه وإدخاله مدرسة لذوي الإعاقة الذهنية.

شقيق مارلو الغني كريغ (مارك دوبلاس) يعرض عليها المساعدة بدفع أجر مربية منزلية تأتي ليلاً فقط. هو شخصياً قال إنه لم يشعر بوجودها في حياته لأنها تزور ليلاً، وأضاف أنها - أي مارلو - لن تشعر بوجودها في المنزل هي الأخرى، لأن المربية تهتم بالطفلة وقت النوم ولا تحضرها إلى أمها إلا وقت الرضاعة، لكن ترفض مارلو العرض. تضع مارلو المولودة ونراها تخوض معاناة في المستشفى قبل خروجها وعودتها إلى المنزل، لنشاهد مونتاجاً منظماً عن حياتها الروتينية: رضاعة، تبديل حفاضات، احتضان الطفلة وهزها حتى تنام.. وهلم جرا. في تلك اللحظة فقط تنفجر مارلو عند انتقالها من مرحلة كآبة ما بعد الولادة إلى كآبة ما بعد اليأس من حالها، وتقترب من الانهيار العصبي أو ربما الجنون، فتلجأ فوراً إلى عرض شقيقها، وهنا تدخل تولي.

تولي (الكندية ماكينزي ديفيس) هي زائرة الليل، المربية التي ستدخل إلى حياة مارلو وتصلحها بمختلف جوانبها. «تولي» تطرق الباب الزجاجي في مشهد يصورها كأنها شبح من فيلم رعب (يشير الفيلم على لسان مارلو إلى فيلم آخر The Hand That Rocks The Cradle عام 1992، دون ذكر اسمه، ويسخر منه، وهو فيلم عن مربية تدخل حياة البطلة لتؤذيها).

مبددة الكآبة

دخول شخصية «تولي» يغير كل الفيلم تقريباً، إذ يتحول من فيلم ثقيل إلى خفيف، ومن كئيب إلى مرح وتُبَث فيه الحياة. لا نعني أن ثيرون ممثلة سيئة، بل أداؤها الجيد كان سبب نبرة الفيلم الكئيبة، و«تولي» تأتي لتبديد الكآبة، وإضفاء المرح المطلوب.

تولي تبدأ في التغلغل في حياة مارلو، وتبث فيها الطمأنينة، وتنظف البيت، إضافة إلى مهمتها الرئيسة، جزء من قبولنا الشخصية يعود إلى أداء ديفيس العفوي، الذي أضفى انسجاماً تاماً على العلاقة مع شخصية ثيرون. بكلمات أخرى، من ناحية انسجام الأداء، ديفيس فتحت المجال أمام ثيرون، فألغت الأخيرة كل الحواجز النفسية وارتمت في أحضان ديفيس.

العلاقة بينهما تتمتع بواقعية شديدة، خصوصاً بعد أن عبّرت مارلو عن كرهها لنفسها وشكل جسدها الذي فقدت سيطرتها عليه. بعد ذلك تبدأ حالة من الإدمان على الصداقة بين مارلو وديفيس من جهة الأولى.

عندما توجه ديفيس إلى مارلو أسئلة عن خصوصيتها مع زوجها، فلا تمانع الأخيرة الإجابة. وعندما تطلب ديفيس من مارلو أن تذهبا إلى غرفة النوم للتحدث صراحة مع الزوج، توافق مارلو على ذلك.

نعم، قد يبدو ذلك خيالياً جداً، وهو كذلك، لكن المشاهد التالية لها وقع السحر على مارلو وعلينا كمشاهدين، هناك حالة من عدم التصديق لما يحدث أمام أعيننا لكننا نريد تصديقه لسببين: تعاطفاً مع مارلو، وحباً لديفيس المرحة التي تصبح بمثابة صديقة للمشاهد كما هي لمارلو، للمرة الثانية.. أداء ديفيس المرح والعفوي الصادق هو السبب.

وقع نفسي

هذا الفيلم ليس بالضبط مثل فيلم ريتمان الأسبق «يانغ أدالت»، عن كاتبة قصص مراهقين تعود لمدينتها لاسترجاع حياتها الماضية، رغم أن مارلو تقول لـ«تولي» إنها تريد العودة شابة مجدداً، إنما الفيلم أقرب إلى «ذا بابادوك» عن معاناة أرملة تعتني بابنها الذي يشاهد غولاً يزوره في المنزل، ولو شاهدت الفيلمين معاً في يوم واحد مثلاً ستشعر بهما أفضل من مشاهدتهما متباعدين زمنياً، من ناحية الوقع النفسي لهما على المشاهد.

هل هذا معناه أن «تولي» فيلم مخيف؟ لن نجيب، لكن لنقل إنه غريب جداً. «تولي» فيلم جميل فنياً، وحواراته مكتوبة بشكل جيد وليست أداة رئيسة في سرد القصة، إذ إن للكاميرا دورها رغم خلوه من اللقطات الجمالية.

يحوي الفيلم لمسات سريالية جميلة، لها أثر تخديري علينا كما على مارلو، يمكن تفسيرها على أنها تشخيص ريتمان وديابلو للحالة النفسية التي تمرّ بها البطلة.

تبقى نقطة أخيرة، هل هذا فيلم ثيرون أم ديفيس؟ البطلة هي ثيرون لكن عنوان الفيلم على اسم شخصية ديفيس. هو بالفعل فيلم ثيرون ومعاناتها من ضغوط الحياة والاهتمام بعائلتها أثناء الحمل وبعد الوضع، أما ربط عنوان الفيلم باسم شخصية مساندة تلعب دوراً محورياً في التأثير في سلوك البطلة إيجاباً، فهو متروك لفهم المشاهد للجزء الأخير من الفيلم.

تويتر