يُروى من وجهة نظر الرجل الأبيض

«عداءات».. أداء قوي وفيلم تائه في إعادة أسطوانة قديمة

صورة

فيلم Hostiles أو «عداءات»، الذي افتتح مهرجان دبي السينمائي، في دورته الأخيرة، يبدأ بلقطة طبق الأصل تقريباً لمشهد في بداية فيلم The Searchers (الباحثون) للأسطورة جون فورد عام 1956، حيث نشاهد عائلة من المستوطنين البيض في ولاية نيومكسيكو عام 1892، تلقى حتفها جراء غارة على منزلها من قبل محاربي قبيلة كومانشي.

أفلام الويسترن

تنقسم أفلام الويسترن (الكاوبوي) إلى قسمين: الأول حقبة الواقعية التاريخية، وأبرز أسمائها جون فورد وهاوارد هوكس، وهذان الاثنان اشتهرت أفلامهما بالعنصرية والتحقير، وتصوير السكان الأصليين كهمج وقتلة، وامتدت من الحقبة الصامتة حتى الستينات. ثم أتت موجة المراجعة ومبادرتها لإصلاح الخلل عن طريق تقديم أفلام اعتذارية حتى لو خالفت التاريخ.

غير واضح غرض الفيلم من الإشارة إلى مشهد فيلم «الباحثون»، المهم يُقتل الأب أولاً، وتُنزع فروة رأسه كما عادة الهنود الحمر مع أعدائهم، قبل أن يحرق المهاجمون منزل العائلة، ويُردون من فر هارباً قتيلاً، ولا ينجو أحد غير الأم التي تختبئ في غابة مجاورة.

ينتقل الفيلم إلى المشهد التالي، الذي يوازن الأول، حيث نرى الضابط جوزيف بلوكر (كريستيان بيل) وجنوده، يعذبون أحد السكان الأصليين، دون أدنى اعتبار لبكاء عائلته التي تقف مرعوبة أمام الجنود المدججين بالسلاح، الذين يقتادون الجميع إلى سجن في قاعدتهم العسكرية.

يتم استدعاء بلوكر، ويوكل إليه رئيسه مهمة لم يتمنَّ أن يقوم بها يوماً هي اصطحاب زعيم قبيلة شايان (ويز ستادي)، الملقب بالصقر الأصفر المسن، المريض بالسرطان والمسجون في القاعدة منذ سبعة أعوام مع عائلته، إلى بلدته في وادي الدببة بولاية مونتانا.

يرفض بلوكر الطلب، حتى لو كان العقاب الخضوع لمحاكمة عسكرية، لكن رئيسه يضغط عليه ويسلمه أمراً مكتوباً موقعاً من رئيس الولايات المتحدة، لاصطحاب زعيم القبيلة ليموت في موطنه الأصلي.

في الطريق إلى مونتانا، يتعمد بلوكر تحقير الزعيم بإبقائه في أغلاله، لكن الرحلة تتعقد بوصول الموكب إلى المربع الذي تعيش فيه روزالي كويد (روزاموند بايك)، الناجية الوحيدة من مذبحة المشهد الأول. يدخل بلوكر وجنوده إلى منزلها المحترق، ويجدونها تجلس على الأرض في صدمة بجوار جثث أبنائها.

يساعد الجنود روزالي في دفن الجثث، ويصطحبونها معهم في طريقهم الذي يعترض منطقة محاربي كومانشي، الواقفين بالمرصاد للموكب من خلف التلال، وهذا النصف الأول من الفيلم. هناك لقطة لروزالي تطلق النار على جثة هندي ميت، تبدو نسخة من مشهد شبيه في فيلم «الباحثون».

قبل أن نخوض في التفاصيل، نشير إلى أن الفيلم، في نصفه الأول، يناقش قضية علاقة الكراهية بين المستوطن الأبيض والسكان الأصليين، المجسدة بعلاقة بلوكر وزعيم القبيلة الهندية.

يصل الموكب إلى قلعة، حيث يأخذ الجميع قسطاً من الراحة، وعند الرحيل مجدداً يحدث شيئان: الأول طلب روزالي من بلوكر إكمال الرحلة معه، والثاني طلب قائد كتيبة القلعة من بلوكر مهمة إضافية، هي إيصال جندي متهم بالقتل يسمى فيليب (بين فوستر) إلى مدينة في طريقه، ليحاكم فيها ويعدم.

ثم يكشف الفيلم، من خلال حوارات الخلفية بين فيليب وبلوكر، واتفاقهما على معاداة الهنود قبل اتهام الأول بجريمته التي ارتكبها في ما يبدو، بعد أن فقد السيطرة على نفسه، وهنا عند هذه النقطة أو التقاطع يفقد الفيلم تركيزه.

هل نهتم بالعلاقات العدائية بين السكان الأصليين والمستوطنين البيض؟ أم نهتم بالعداءات بين الجنود أنفسهم؟ لدينا قصة جيدة إلى حد ما قبل أن نفاجأ بإقحام قصة أخرى ترتبط مع الأصلية، لكن توقيت التقاء القصتين سيئ، ويشتت الأولى.

ذكرنا سابقا في هذه المساحة، وسنعيد المعلومة باختصار شديد، أفلام الويسترن (الكاوبوي) تقسم إلى قسمين: الأول حقبة الواقعية التاريخية، وأبرز أسمائها جون فورد وهاوارد هوكس، وهذان الاثنان اشتهرت أفلامهما بالعنصرية والتحقير، وتصوير السكان الأصليين كهمج وقتلة، وامتدت من الحقبة الصامتة حتى الستينات.

ثم أتت موجة المراجعة ومبادرتها لإصلاح الخلل عن طريق تقديم أفلام اعتذارية حتى لو خالفت التاريخ، وأبرز الأسماء روبرت ألدريتش وروبرت ألتمان وسام بيكنباه وكلينت إيستوود وكيفن كوستنر وإليخاندروغونزاليس إيناريتو، ومخرج هذا الفيلم سكوت كوبر. هذه الموجة انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، وازدهرت في سبعينات القرن الماضي.

كوبر (أخرج سابقاً كريزي هارت، وبلاك ماس، وآوت أوف ذا فورنيس) لا يأتي بجديد، ويسير في موجة أفلام «الرقص مع الذئاب»، و«ذا ريفينانت»، وهو مثل كل أفلام كوبر، الاهتمام منصبّ أكثر على إعادة أسطوانة قديمة أكثر من تقديم شيء جديد، الفرق هذه المرة أن المخرج يقحم المشاهد الاعتذارية ورسائله السياسية بشكل مبتذل.

نعم هو يقول إنه كي نتصالح مع الآخر، علينا الدخول في حوار معه أو نخوض مواقف مشتركة معه، وهو ما يفعله الفيلم، والذي نعلم أن بطله سيتسامح مع نفسه ومع الآخر (زعيم القبيلة) في آخر الفيلم، صحيح أن الموقف يحصل في كل زمان ومكان، لكن قوة أي مشهد تأتي من الإيحاء، وليس من إعادة إخبار المشاهد بما هو واضح أمامه على الشاشة.

الفيلم يُروى من وجهة نظر الرجل الأبيض، دون إعطاء أي دور للآخر الذي كان مجرد أداة قصة مع حوارات قليلة تخدم بلوكر أكثر من الهندي، وعائلته ليس لها أي دور على الإطلاق، وهذا أكبر خلل في الفيلم.

الخلل الآخر في مشهد حواري، يكشف فيه جندي من الموكب حقيقة أنه كان يقاتل مع القوات الكونفدرالية (الجنوبية أثناء الحرب الأهلية الأميركية)، وبلوكر كان جندياً حكومياً (واضح من حديثه الودي مع جندي من أصل إفريقي سنذكره لاحقاً)، أي أنهما قاتلا ضد بعضهما بعضاً، السؤال هو: كيف أصبح بلوكر وهذا الجندي صديقين بعد الحرب، ولم يستطع بلوكر مسامحة زعيم القبيلة الهندية حتى بعد انتهاء الحرب ضد قبيلته؟

سؤال آخر: في مشهد حواري بين بلوكر والجندي الجريح من أصول إفريقية، المذكور أعلاه، يقول بلوكر للمصاب إنه أفضل جندي تحت إمرته. لماذا تظهر عنصرية بلوكر مع الهنود تحديداً، ولا تظهر مع ذوي الأصول الإفريقية؟

نأتي إلى العلاقة بين بلوكر وفيليب (فوستر)، الجندي المطلوب للمحاكمة في قضية قتل هنود، إذا كان فيليب قاتلاً، فما الذي يجعل بلوكر بطلاً، وهو الآخر متورط في قتل هنود؟ بلوكر يجيب عن سؤال مشابه في الفيلم بجواب: كنت أنفذ الأوامر فقط! أي أن بلوكر قتل الهنود في زمن الحرب، بينما فيليب قتلهم بعدها، وهي إجابة غير مقبولة أبداً، لأن الفيلم صور غارة مشهد البداية، وما بعده (تعذيب بلوكر لهندي وعائلته)، كأنه في سياق الحرب نفسها.

سؤال آخر: لماذا يولي الفيلم أهمية واعتباراً كبيرين لشخصية فوستر، كقاتل فقد السيطرة على نفسه، بينما لا يعطي الهنود أهمية كبشر بالنسبة لبعض لشخصياته؟ لماذا يجب أن نهتم بقاتل لو كان المقتول نكرة؟

الفيلم مؤثر من ناحية الأداء أكثر من القصة، بسبب قوة تمثيل بيل وبايك، وقد تُرشّح الأخيرة لجائزة أفضل ممثلة مساعدة، بالضبط كما حدث عام 2014، عندما ترشحت عن دورها في رائعة ديفيد فينشر Gone Girl.

الفيلم يجمع شمل بيل وستادي وكيو أوريانكا كيلتشر، بعد ظهورهم معاً للمرة الأولى في فيلم «العالم الجديد» لتيرانس ماليك عام 2005. ويجمع شمل المخرج كوبر مع بيل بعد فيلم «آوت أوف ذا فورنيس» 2013. يذكر أن اللقطة قبل الأخيرة، من هذا الفيلم، نسخة طبق الأصل من المشهد الأخير لفيلم «آوت أوف ذا فورنيس» للمخرج نفسه.

تويتر