البطل ضعيف.. والنص معقّد ومملّ

«الملك آرثر: أسطورة السيف» يتخبّط في فوضى غاي ريتشي

ذكرنا في هذه المساحة عن التحول الذي طرأ على سيناريوهات الأفلام في «هوليوود»، ابتداء من آخر التسعينات، ودخولاً في القرن الـ21، إلى يومنا هذا عندما بزغت حقبة السينما الرقمية (الإمارات اليوم 15 مارس الماضي)، وتأثرت الأفلام بألعاب الفيديو؛ ما أدى إلى ذوبان الحدود بين المنطق واللامنطق في قصص الأفلام.

يستحق الصفر

«الملك آرثر: أسطورة السيف».. عبارة عن فيلم مكون من أجزاء متناهية الصغر، بسبب عمليات مونتاج ريتشي، وتقطيعاته التي شوهت المشروع بأكمله، وصعبت عملية الاستيعاب على العقل، والنتيجة فيلم بلوكباستر فوضوي، أقرب إلى فيديو ترويجي عن الفيلم منه إلى فيلم سينمائي. ريتشي ليس لديه جديد يقوله، ولا يعلم كيفية التعبير عن نفسه، نعم هو أحد أسوأ أفلام هذا العام، ويستحق صفراً.

وأصبح اللامنطق مقبولاً، سواء كان بطلاً خارقاً غير قابل للموت أو رجلاً عادياً يبعد صاروخاً بيده، أو سائق سيارة يقفز بها من فوق غواصة تخرج من تحت الجليد، أو شخصية من زمن العصور الوسطى تقاتل وحشاً، والشيء الوحيد الطبيعي في المشهد هو الممثل. المهم أننا في زمن لا يقبل الجدل في هذه المسألة، لأنها تعتبر إبداعاً، وعلينا قبولها شئنا أم أبينا.

معارك فيديو

فيلم King Arthur: Legend of the Sword أو «الملك آرثر: أسطورة السيف»، انضم إلى مصاف هذه النوعية من الأفلام، وبدل مشاهدة فيلم عن أسطورة تاريخية، من المفترض أن تكون معظم عناصر قصتها طبيعية، شاهدنا شيئاً أفضل كلمة لوصفه هي لعبة فيديو مملة.

القصة تبدأ بمقدمة على الشاشة، توحي بالاتجاه المتطرف الذي يريد مخرج الفيلم وكاتب جزء منه، البريطاني غاي ريتشي، أخذ الفيلم فيه اتجاهاً خيالياً أكثر من الفيلم السابق بالعنوان نفسه عام 2004، وربما أكثر من كل صيغة سابقة رويت فيها هذه القصة الخيالية.

ينطلق الفيلم بمعركة (نشاهد مثلها في ألعاب الفيديو)، بين جيش البشر بقيادة الملك أوثر (إريك بانا - يضيع وقته وموهبته في هذا الفيلم)، وقوات شريرة بقيادة الساحر موردريد (مخلوق خيالي في القصة الأصلية، ومصمم للفيلم بالكامل بالكمبيوتر).

أوثر رجل عادي، بينما موردريد ساحر يستطيع أن يتحكم في فيل بعقله! (حتى الخيال يصبح أجمل لو أضفنا له قليلاً من المنطق). بعد ذلك يقتل الملك أوثر على يد شقيقه فورتيغيرن (جود لو)، الذي يستحوذ على السلطة، ويحاول قتل ابن شقيقه آرثر، لكن القدر يحول دون ذلك، وينتقل الرضيع آرثر في سلة توضع بالنهر، وينتهي به المطاف في بيت دعارة، حيث ينشأ هناك في منطقة تسمى لندينيم (لندن حالياً)، وبعد مونتاج سريع وفوضوي يشتد عود آرثر، ويظهر الممثل تشارلي هانام على الشاشة، وبعد هذا الجزء بالضبط ينهار الفيلم!

انعدام الوعي

القصة معروفة، آرثر لا يعلم عن صلته بالعائلة الحاكمة، لكن عندما ينجذب إلى السيف إكسكالبر ويسحبه من الصخرة ينكشف الأمر، وعلى الرجل أن يشق رحلة الكفاح، ويتعلم استخدام السيف، ويقود المقاومة للقضاء على الطاغية فورتيغيرن واسترجاع الملك.

ريتشي اشتهر في آخر التسعينات كمقلد أو متأثر بصانع الأفلام الأميركي كوينتن تارانتينو من خلال فيلم Lock, Stock, and Two Smoking Barrels أو «قفل ومال وبرميلان مدخنان»، ثم أتبعه بفيلم Snatch أو «اختطاف» في 2001، ثم مجموعة أفلام ضعيفة وجزأين لشرلوك هولمز قبل «ذا مان فروم أونكل» السيئ وفوضى «الملك آرثر»، التي نشاهدها اليوم.

ريتشي يعاني مشكلة انعدام الوعي الذاتي؛ أي أن الرجل صنع فيلم «الملك آرثر» اليوم بالضبط كما صنع «قفل ومال...» و«اختطاف»، وسائر الأعمال التي أتت بعدهما تقريباً، ولا يعلم أو ربما يعلم لكن لا يريد الاعتراف بأنه يكرر نفسه، ولا يقدم جديداً.

البضاعة نفسها

أفلام ريتشي كلها تقريباً تعتمد على التالي:

أولاً: حوارات بين شخصيات تتذاكى على بعضها بعضاً، مثلاً لو سألت شخصية 1 سؤالاً عن رجل اسمه جورج، ترد الشخصية 2 بسؤال مقابل لو كانت 1 تعني جورج ذا الأنف الطويل أو جورج ذا الأنف الأفطس، ومن الواضح جداً من أسلوب الحوار الرخيص أن ريتشي يريد ملأ حواراته بنكات مكررة سخيفة. ثانياً،: مونتاج سريع جداً لشرح شيء معقّد بصورة مبالغ فيها جداً في التبسيط، وعند تكرار هذه العملية في كل فيلم أكثر من مرة ينقلب الفيلم البسيط قصة إلى شيء معقد جداً، مثل شرح سيناريو عملية سرقة (وهذه مكررة في كل أفلامه تقريباً).

ثالثاً: تقسيم مشهد حواري بين شخصيتين، ووضع مشاهد استرجاعية (فلاش باك) بينهما وهو بمثابة سياق للحوار، وهذه أيضاً مكررة من أفلامه السابقة، وكانت أفضل في الماضي، أو ربما اعتدنا عليها ولم تعد مؤثرة.

مشكلة أخرى هي أن ريتشي انتهى من هذا الفيلم منذ أكثر من عام، والشركة المنتجة أجلت طرحه مرات عدة، وعندما وصل إلى الصالات لم نرَ فيه جديداً، أو مميزاً في سياقه وصنفه، فاليوم أفلام الخيال تملأ الصالات وأعمال الأبطال الخارقين معظمها خيال، وأفلام ألعاب الفيديو (صنف الملاحم التاريخية ) تقدم الشخصيات والمعارك واللقطات نفسها، التي يريد ريتشي عرضها علينا في «الملك آرثر»، بكلمات أخرى: ريتشي كبائع يفتح محلاً فيه بضاعة، بجانب مجموعة محال فتحت قبله، تبيع البضاعة نفسها.

مشكلات بالجملة

مشكلات الفيلم لا تنتهي، منها أن البطل تشارلي هانام ضعيف وفاقد للكاريزما، ولا تأثير له يذكر، وكلما يظهر أمام الكاميرا قد يضطر المشاهد إلى تذكير نفسه بأن هذا هو البطل! قصة الفيلم بسيطة، وهي أن آرثر يريد استرجاع ملكه من عمه، لكنّ ريتشي ورفيقيه في كتابة النص عقّدوا السيناريو، بطريقة يستحيل فيها استيعاب كل ما يحدث في أي جزئية. مثلاً، نحن نعلم أن آرثر يحاول إشعال ثورة ضد عمه فورتيغيرن، لكن لا يمكن فهم كيف يريد أن يفعل ذلك تحديداً! نعلم أن فريق آرثر سيكونون فرسان الطاولة المستديرة في النهاية، لكن لا نستطيع تذكر أسمائهم مثلاً أو وجوههم. ماذا تفعل شخصية الممثلة أستريد برغيس فريسبي في الفيلم؟ لا دور كبيراً لها، ولا اسم نستطيع تذكره رغم أنها الشخصية النسائية الأولى! ثم إن ريتشي لا يشرح معنى السيف بالنسبة للشخصيات، في الحقيقة نحن لا نتذكر السيف، لكننا نتذكر أن الرجل الذي يحرسه هو ديفيد بيكهام لاعب كرة القدم الإنجليزي المعتزل وصديق ريتشي! ما يعني أن أصدقاء ريتشي أهم من عناصر الفيلم!

تويتر