الحوارات جافة والنبرة متوترة

«غيت آوت» يكسر نمطية أفلام العنصرية

نعيش مرحلة أصبحت فيها كل الأفلام التي تناقش موضوع العنصرية ضد الأميركيين من أصول إفريقية نمطية جداً، في البداية الشخصية تعاني ظلماً وعنصرية مقيتة في المجتمع ثم تتعاطف معها بعض الشخصيات البيضاء قبل أن نرى الجزئية الأشبه بمحاضرة عن تلك المعاناة/‏‏العنصرية؛ ثم النهاية السعيدة حيث تتعلم كل الشخصيات من أخطائها، ويخرج الجمهور سعيداً من الصالات رغم علمه المسبق بما ستؤول إليه الأمور في الفيلم. هذه الأفلام أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب.

- الفيلم يبدو جديداً، وليس عادياً من إنتاج استوديوهات هوليوود النمطية التي تخشى تجريب جديدٍ.

- الإخراج كان جيداً جداً من بداية الفيلم، إذ لم يكن واضحاً نوع الفيلم حتى الساعة الأولى منه.

فيلم Get Out أو «اخرج» أو «انسحب» حسب ترجمة الفيلم، يتناول موضوع العنصرية بشكل مغاير جداً عما اعتدناه في كل الأفلام التي ناقشت تلك المسألة من ناحية الحوار والنبرة العامة وأسلوب الإخراج، وسنناقش كل جانب بشكل مفصل.

خارج نطاق الاختصاص

من المهم أن نعرف أن المخرج جوردان بييل ممثل أعمال كوميدية أساساً، وهذا الفيلم كتابة وإخراجاً يقع خارج نطاق اختصاصه تماماً، ومن المهم كذلك أن نعرف أن بييل عندما عرض الفيلم في مهرجان «سندانس السينمائي» في يناير الماضي كان العرض سرياً لسبب غير واضح سوى أنه نوع من الدعاية للفيلم دون الحاجة إلى إنفاق أي أموال على حملة تسويقية، وهو أمر ليس بجديد ولا بغريب عند بعض المنتجين في «هوليوود» هذه الحقبة، كما شاهدنا في سلسلة أفلام «كلوفر فيلد». نقطة أخرى مهمة في هذا الجانب هي أن الكاتب والمخرج بييل قال عندما قدم الفيلم إنه عندما كتبه تخيل أنه يكتب فيلماً لم يشاهده من قبل، وهنا هو محق تماماً. «غيت آوت» يبدو جديداً وذا نظرة ثاقبة وليس فيلماً عادياً من إنتاج استوديوهات هوليوود النمطية التي تخشى تجريب جديد، وليس غريباً لو علمنا أن المنتج الذي يقف وراءه ليس سوى جيسن بلم الذي يعمل بعكس طريقة استوديوهات هوليوود (الإمارات اليوم 9 نوفمبر 2016).

تصنّع

يبدأ الفيلم بمشهد يضبط مزاج المشاهد على نبرته فوراً، حيث نرى شاباً (كيث ستانفيلد) يمشي في أحد الأحياء ويمازح صديقاً على الهاتف بأنه لا يميز الشوارع نظراً لتشابه أسمائها. تمر سيارة بجانبه قبل أن تعود أدراجها وتبدأ بملاحقته. وبما أن الشارع خالٍ من المارة، يرتاب الشاب في أمر السيارة ثم يحدث شيء يزيد من حدة الموقف ويشير إلى أن ما ظننا أنه حي آمن ليس بالضبط كما يبدو. نذهب إلى البطل كريس (دانيال كالويا) ورفيقته روز (أليسون ويليامز من مسلسل غيرلز)، يستعدان لزيارة منزل روز لتتعرف عائلتها إلى كريس. روز لم تخبر والديها أن كريس من أصول إفريقية، وهو أمر يقلق كريس لكن روز تقول له إن الأمر ليس بتلك الأهمية، وإن عائلتها ليست عنصرية؛ والدليل أن والدها كان سيصوّت لأوباما لفترة ثالثة لو كان ذلك ممكناً. في الوقت نفسه صديق كريس رود (ليلريل هاوري) يعمل في إدارة أمن المواصلات، يحذره أيضاً من تلك الخطوة، لكن كريس واقع في الحب ولا سبيل لثنيه.

من اللحظة التي يصل فيها كريس وروز إلى منزل الأخيرة تتوتر الأجواء، دين (برادلي ويتفورد) وميسي (كاثرين كينر)، والدا روز يبدوان ودودين بما فيه الكفاية لكن واضح جداً تصنّعهما كأنهما لا يستطيعان إخفاء معارضتهما لموضوع لون بشرته.

المثير للتوتر أكثر من ذلك هو سلوك حارس المنزل وولتر (ماركوس هندرسون) وهو من أصول إفريقية، وخادمة المنزل جورجينا (بيتي غابرييل) وهي كذلك من أصول إفريقية، والتي تتصرف كأنها روبوت. هناك شيء خطأ في هذا المنزل ولا شيء يبدو طبيعياً، لكن كريس ونحن أيضاً نحاول إعطاءهم جميعاً أعذاراً ومبررات، ربما يكون وولتر يشعر بالغيرة وربما جورجينا لا تتقبل فكرة مصاحبة رجل يشاركها لون البشرة مع فتاة بيضاء.

دخول شقيق روز، جيريمي (كيلب لاندري جونز) الذي يبدو كأنه يتحضّر لتمثيل إعادة فيلم «ألعاب غريبة» يوتر الموقف أكثر. في ليلة ما يخرج كريس ليدخن وعند عودته يفاجأ بميسي تطلب الحديث معه، ثم تؤثر على عقله (لن نكشف كيف يكون ذلك) وتجعله يغوص في أعماق ذاكرته أو خياله أو حتى شخصيته، المهم أنها تحاول السيطرة عليه، ونتوقف هنا.

عن أجواء الرعب

حوارات الفيلم جافة وجادة ومباشرة لأن هذا الفيلم لا يعتمد الأسلوب الإيحائي، فهو يريد تسليط الضوء على مسألة العنصرية كواقع مرّ، مدركاً أن المجتمع الأميركي لا يخجل بالضرورة من مناقشته بتلك الطريقة الحادة أو المستفزة، ولعلنا نضرب مثالاً بالقصص الكثيرة التي قرأناها عن المسلمين الذين تعرضوا لاعتداءات أو تعليقات عنصرية في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. نبرة الفيلم متوترة جداً لدرجة أن المشاهد قد يشعر بعدم الارتياح، وتتخللها بعض اللقطات المضحكة من هاوري لتخفيف ذلك التوتر. أما الإخراج فكان جيداً جداً من بداية الفيلم، إذ لم يكن واضحاً نوع الفيلم حتى الساعة الأولى منه، وعندما استقر في منطقة الرعب لم يكن كذلك واضحاً أي نوع من الرعب نشاهد أمامنا. كل ذلك جيد جداً من بييل ويعكس تمكنه التام من أدواته، لكن عند مشاهد النهاية كان هناك نوع من التخبط في محاولة شرح الغموض إذ لم تكن النهاية مقنعة ولا هي بثقل ساعة الفيلم الأولى رغم أنها قد ترضي الكثيرين وقياساً على نبرة الفيلم فالنهاية أقرب إلى سخيفة.

هناك نقطة تستحق التوقف عندها، وهي أن بعض أدوات بييل لا تساعده على بث أجواء الرعب، فيعمد لاستخدام أدوات داعمة، مثلاً، هناك مشهد لجورجينا تدخل غرفة كريس لتعتذر منه، فتقترب منه ببطء لكن وجهها ليس مخيفاً - على الأقل بالنسبة لكاتب هذه السطور - الذي لم يشعر بالانزعاج إلا عندما ركز بييل عدسته على وجه جورجينا ووجه كريس المتوتر، وهنا شعرنا بأن بييل ربما يريد إخافتنا، ثم عندما استخدم بييل المؤثرات الصوتية أدركنا أن المقصود بالفعل هو إخافتنا.

النقطة نفسها تنطبق على كاثرين كينر غير المخيفة إطلاقاً وكذلك برادلي ويتفورد، نعم هناك توتر شديد وشعور بعدم الارتياح لكن ليس هناك خوف، لا يوجد وجه مرعب بالدرجة المطلوبة، والغريب أن بييل يستطيع توظيف الإضاءة والكاميرا لصنع ذلك لكنه لم يفعل. الفيلم يستعير من أفلام كثيرة منها «زوجات ستيبفورد»، ومشهد غوص كريس في أعماق نفسه مستلهم من فيلم «أن تكون جون مالكوفيتش» والمشهد الأخير منقول بالكامل ولن نقول مستلهماً من سلسلة أفلام «المنشار» وسمات تلك الأفلام معروفة: شخصية محتجزة تشاهد تلفازاً قديماً به وشة، ثم يعمل تلقائياً ويظهر شخص ليخبره برسالة ما.

درس مهم لـ«هوليوود»

شخصية ليلريل هاوري ظريفة جداً وتستحق أن تكون في فيلم مستقل. الفيلم جيد جداً، ويستحق المشاهدة رغم بعض عيوبه المذكورة هنا. نتمنى أن يحذو صناع الأفلام في «هوليوود» حذو جوردان بييل، ويحاولون صنع أفلام لم يشاهدوها من قبل، فهذا درس مهم جداً في كسر النمطية، واتخاذ قرارات شجاعة وجريئة لتقديم الجديد، وهو حتماً ليس ديدن «هوليوود» التي تخشى المخاطرة.

تويتر