الجزئية الوسطى تعاني ضياع الاتجاه

روبرت زيميكيس يعود إلى الماضي في «متحالفون»

صورة

فيلم Allied أو «متحالفون» يبدأ بلقطة ستُبكي كل الممثلين الذين جسدوا شخصية جيمس بوند. اللقطة لرجل يهبط بمظلة في صحراء شمال إفريقيا في طريقه إلى مدينة كازابلانكا المغربية إبان الحرب العالمية الثانية.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/567967.jpg

براد بيت يكرّر نفسه

لا الفيلم جديداً على براد بيت ولا حتى الدور، وبالإمكان القول إن الرجل كرر نفسه، فهذه المرة الثالثة التي يظهر فيها بيت في دور جاسوس أو قاتل مأجور يتزوج نظيرته في المهنة. حدث ذلك معه في فيلم «السيد والسيدة سميث» عام 2005، وكانت نظيرته أنجلينا جولي التي وقع في حبها أثناء تصوير الفيلم وتزوجها بعد ذلك. وكذلك كان بيت في دور جاسوس في فيلم «لعبة التجسس» 2001.

وهي المرة الثالثة التي يظهر فيها بيت في فيلم عن الحرب العالمية الثانية، فقبل هذا الفيلم كان هناك «إنغلوريوس باستردز» 2009، و«فيوري» منذ عامين. وهي المرة الخامسة التي يظهر فيها بيت في أداء عاطفي للغاية بعد فيلم «سبعة»، و«أساطير السقوط»، و«نائمون»، و«بابل». وعموماً كوتيارد كانت أفضل من نظيرها.

في الطريق نراه يفتح حقيبة، ويقلب بين بطاقات الهوية المتعددة والعملات المختلفة؛ ما يدل أن الرجل جاسوس محترف جاهز لتقمص أي شخصية، حسبما تتطلب الظروف.

الرجل اسمه ماكس فاتان (براد بيت) ضابط مخابرات كندي ذاهب للقاء نظيرته الجاسوسة والمقاتلة في المقاومة الفرنسية ماريان بيسيجور (الفرنسية ماريون كوتيارد)، حيث يتحالفان في مهمة لاغتيال السفير الألماني.

ماكس وماريان غريبان على بعضها بعضاً، لكن عليهما التظاهر بأنهما غارقان في الحب وزوجان مخلصان لخداع العدو. ماكس يتم تسويقه كمالك لمصنع فوسفات في باريس، إلى جانب علاقة الحب مع ماريان، فلو فشلا في إقناع العدو بالحب تبقى حقيقة خبرته المفترضة بالفوسفات في رصيدهما كجاسوسين.

مشاهد كازابلانكا جميلة، وليتها استمرت أكثر، كوتيارد بدت كنجمات هوليوود في حقبة الأربعينات، فتاة واثقة بنفسها وتمكنت من حيازة ثقة أعلى الضباط الألمان رتبة وجميع المتعاطفين معهم إلا أن وصول زوجها المفترض أثار نوعاً من الشكوك.

لتبديد الشكوك تبدأ ماريان في تعليم زوجها - الافتراضي - اللهجة الباريسية (هو كندي ولهجة مقاطعة كيبيك الفرنسية تطغى على كلامه) وحسب ماريان فإن أهل البلد لن يتمكنوا من كشفه، لكن الفرنسيين الأصلاء سيتمكنون من ذلك بسهولة. بعد نجاح عملية الاغتيال يهرب الزوجان الافتراضيان إلى لندن، ويتزوجان بالفعل نتيجة مشاعر حب حقيقية تولدت بينهما، وينجبان طفلة تولد وسط قصف جوي.

تغير النبرة

في لندن تتغير نبرة الفيلم من دراما الجواسيس إلى مشاهد تسيطر عليها دراما منزلية، وعند اقتراب الفيلم من ساعته الأولى يتم استدعاء ماكس إلى مكتب سري في قبو عن طريق الضابط فرانك (جاريد هاريس من مسلسل ماد مِن) حيث يتم إبلاغه عن احتمال كون زوجته ماريان جاسوسة لصالح الألمان، ويضع الضابط المسؤول الأدلة أمامه.

الأدلة ليست حاسمة لكنها تشير بقوة إلى وجود جاسوس في المنطقة التي يسكنها ماكس، وفي إحدى المراسلات السرية التي تم اعتراضها تبين أن الطرف الخارجي خاطب الداخلي بصيغة امرأة. وماريان هي الوحيدة ذات الصلة بذلك العالم بين المقيمين في تلك المنطقة.

يجن جنون ماكس، لكن الضابط لا يعطيه فرصة للتفكير، ويطلب منه تمرير رسالة بها معلومات خاطئة أمام زوجته لاختبار نواياها. الساعة الثانية من الفيلم تدور حول هل ماريان بالفعل جاسوسة لصالح الألمان وصراع ماكس مع نفسه من جهة ومع الحكومة البريطانية من جهة أخرى لإثبات براءة زوجته التي يثق بها. وكذلك التحقيق السري الذي يجريه ماكس بنفسه للتأكد من هوية زوجته، وما إذا كانت هي الجاسوسة الفرنسية التي تزوجها بعد الهروب من كازابلانكا، وليست امرأة تقمصت شخصية ماريان بعد أن ماتت الجاسوسة الأصلية حسب افتراض الحكومة البريطانية.

أراضي الجواسيس

روبرت زيميكيس صاحب ثلاثية «العودة إلى المستقبل» في ثمانينات القرن الماضي، وكذلك الحائز جائزة أوسكار أفضل فيلم «فوريست غامب». (أخرج كذلك «المنبوذ» و«فلايت» ذا المشهد الأكثر رعباً في تاريخ أفلام الطيران، و«ذا ووك» العام الماضي)، رجل متمرس في شيئين أساسيين في كل أفلامه: براعة شديدة في توظيف المؤثرات الخاصة، وقدرته على استخراج أداء رهيب من ممثليه.

زيميكيس يدخل للمرة الأولى في أراضي دراما الجواسيس والحروب والنتيجة جيدة، لكن رأينا أفضل من هذا في أعماله السابقة. هذا النوع من الدراما لا يسع مجالاً لتوظيف مؤثرات خاصة مميزة تخدم القصة كالتي نراها في أفلام هذا الرجل، لهذا السبب لا يوجد أمامنا سوى الأداء.

مشاهد لندن

جزئية كازابلانكا (أول 45 دقيقة) عانت انعدام الأصالة، خصوصاً أنها مسرح لقصة حب بين جاسوسين يلتقيان في مقهى، وهي بالضبط أحداث تلك الملحمة الرومانسية الشهيرة بعنوان «كازابلانكا» عام 1942، لكن براد بيت ليس همفري بوغارت ولن يكون يوماً، وماريون كوتيارد ليست إنغريد بيرغمان ولن تكون يوماً.

هذه الجزئية لم تستطع الوقوف على قدميها كما يقولون لشدة التشابه مع ذلك الفيلم، وربما ما قصده صناع الفيلم هو إثارة شعور نوستالجيا لا أكثر. لكن المشكلة أن «كازابلانكا» يعود ليطغى على هذا الفيلم من خلال النهاية مرة أخرى بمشهد المطار («كازابلانكا» ينتهي بمشهد في المطار) ما أفقد جزءاً كبيراً من الفيلم أصالته.

الجزئية الوسطى في الفيلم (مشاهد لندن) عانت مشكلة ضياع الاتجاه، فلم يكن واضحاً إن كان الفيلم يريد أن يكون دراما جواسيس أم قصة رومانسية، نتفهم تماماً أنهما يحبان بعضهما بعضاً، لكن هناك شكوك حول ماريان وهي جزئية أجدر بالاستغلال عن طريق تحويل الفيلم إلى لعبة تخمين بين الشخصيات والمشاهدين: هل ماريان جاسوسة أم لا؟ كما يفعل المؤلف البريطاني جون لي كاري في قصصه.

كان بالإمكان رسم مشاهد الزوج يتتبع زوجته أو تصويرها وهي تؤدي أنشطة مشبوهة ممكن أن تحبس أنفاس المشاهدين، إلا أن زيميكيس يفضل إبقاء الفيلم بين صراع ماكس مع نفسه وإجرائه تحقيقه السري الذي كان سهل التخمين في التفاصيل. فمثلاً، هناك مشهد لماكس يعرض صورة لماريان على رجل مصاب سبق أن عمل معها ويسأله إن كانت هي التي في الصورة، المشهد ضعيف لأن المشاهد الذي يدقق في سلوك الرجل المصاب سيتوقع النتيجة، خصوصاً إذا كان الرجل يتحدث مع ماكس دون النظر إليه! مشهد آخر: ماكس يطلب من طيار مذعور من طبيعة المهمة المطلوبة منه (التحليق فوق خطوط العدو) أن يأخذ صورة ماريان ويسلمها لرجل ويسأله إن كانت هي صاحبة الصورة، السؤال هنا: لماذا يتصرف جاسوس محترف مثل ماكس بأسلوب جاسوس عديم الخبرة؟ سلوك ماكس أثناء التحقيق السري الذي يجريه متناقض مع طبيعة شخصيته، أليس من المفترض أن يكون ذكياً بما فيه الكفاية ليتمكن من تجنيد الأشخاص المناسبين لمهمته؟!

تويتر