يوظّف الأسلوب الرمزي المباشر في طرح قضيته

جيفري مورغان يقتل المهاجرين المكسيكيين في «ديزيرتو»

صورة

فيلم «ديزيرتو» أو «الصحراء» يأتي في وقت حساس بالنسبة لمرشح الرئاسة الأميركي، دونالد ترامب، الذي اتهم المهاجرين المكسيكيين في خطاب ترشّحه أنهم مجموعة من المغتصبين. لكن في الوقت نفسه فيلم «ديزيرتو» يبالغ كثيراً في طرح قضيته.

«الفيلم عن مجموعة مهاجرين تحاول التسلّل إلى الولايات المتحدة الأميركية في شاحنة قديمة تتعطل قبل وصولهم الحدود بأميال قليلة».

«لا نظنّ أن الفيلم نجح في انتقاد السياسة الأميركية أو الظروف القاسية التي يتعرض لها المهاجرون المكسيكيون مثلاً، لكنه يذكّرنا بأفلام أخرى استخدمت الفكرة نفسها».

- «ديزيرتو» سيبقى دراما نجاة في الصحراء، ولن يثير الجدل الذي يسعى إليه لسبب واحد، هو مبالغته الشديدة في طرح القضية، وسلوك شخصية سام غير المبرر إطلاقاً.

الفيلم عن مجموعة مهاجرين تحاول التسلل إلى الولايات المتحدة الأميركية في شاحنة قديمة تتعطل قبل وصولهم الحدود بأميال قليلة. تضطر المجموعة إلى إكمال الرحلة مشياً على الأقدام عندما يخبرهم السائق بالاتجاه الذي يجب أن يسلكوه للوصول إلى أميركا (الفيلم تم تصويره في كاليفورنيا).

ضمن المجموعة رجل يدعى مويزس (غايل غارسيا بيرنال) الذي يصبح القائد، ويساعد الضعفاء ويهتم بفتاة اسمها أديلا (ألوندرا هيدالغو). ضمن حمولة مويزس شيء يشير إلى أن لديه عائلة بانتظاره في الولايات المتحدة. على الجهة الأخرى هناك سام (جيفري دين مورغان) يركب سيارته المعلق عليها علم الولايات الكونفدرالية الأميركية زمن الحرب الأهلية، ويحمل بندقية صيد.

سام يصطحب كلبه الوفي المرعب «تراكر»، ويتجول عند الحدود مشحوناً بكراهية مقيتة ويقول: «إنهم يتدفقون». وعندما يتأكد سام من أن الشرطة لن تستجيب لبلاغاته عن العبور غير القانوني للمهاجرين يقرر أخذ زمام الأمور في يديه والتصدي للأمر وحده.

وعندما يرشده كلبه إلى مجموعة صغيرة منهم فإنه لا يتردد في رفع بندقيته وقتلهم واحداً تلو الآخر، وهذا ملخص قصة الفيلم. هناك الكثير من النقاط تستحق النقاش في «ديزيرتو»، بداية، فإن الفيلم يروى من وجهة نظر مكسيكية بحتة، خصوصاً أن كاتبه ومخرجه هو جوناس كوارون، ابن ألفونسو كوارون صاحب فيلم Gravity أو جاذبية عام 2013. كوران كمواطنه أليخاندو غونزاليس إيناريتو يتميز بمهارة عالية في إبراز قوة وتفاصيل الصورة، خصوصاً آثار حرارة الشمس على المشهد والوعورة الحادة في التضاريس.

كوارون يريد لفت الانتباه إلى قضية المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين، نراهم فقراء يجري استغلالهم من قبل المهربين ويأكل قويّهم ضعيفهم. هؤلاء المهاجرون لم يلجأوا إلى التسلل إلا عندما اضطرتهم الظروف إلى ذلك (مويزس كان في أميركا ولديه فيها ابن، ثم اضطر للعودة إلى المكسيك، ثم حاول الدخول قانونياً فرفض طلبه، وأديلا رضخت لضغوط والدها بالهجرة).

سام، من ناحية أخرى، ليس رجل قانون، بل هو مجرد صياد مشحون بمشاعر غضب غير مبرر، وهو بسلوكه يحول العمل بأكمله إلى فيلم سادي من الدرجة الأولى. سام لا يحاول حتى إبلاغ الشرطة عن المهاجرين الذين يراهم بأمّ عينه، مع أنه قادر على ذلك، لكنه يختار القتل من أجل القتل. في النصف الثاني منه يتحول الفيلم إلى مطاردة القط والفأر بين سام وبقية المهاجرين، خصوصاً مويزس الذي يحاول أن يسبقه بخطوة إلى الأمام وفي الوقت نفسه يخطط لقلب الطاولة عليه.

سام لا يقتل من أجل المتعة، بل هناك كراهية عنصرية غير طبيعية تجري في عروقه وتدفعه إلى القتل، ولو كان يستمتع بالعملية لشاهدناه يعذب ضحاياه ويتركهم للموت البطيء، لكنه لا يفعل ذلك، بل يرفع بندقيته ويقتل فحسب.

كوارون يقدم لنا شخصية سام، لكن لا يفسر أبداً سبب كرهه للمهاجرين، ما هذا الشيء الذي يدفع آدمياً لقتل أشخاص يراهم للمرة الأولى في حياته؟ يقتل كبيرهم وصغيرهم دون تمييز! ما هي خلفية سام؟ كيف نشأ هكذا؟ ما أسباب هذه العقدة النفسية؟ كوارون لا يجيب نهائياً، بل يعطينا سام كما نراه وعلينا قبوله هكذا!

ولو حاولنا استكشاف شخصية سام وحدنا سيتبين لنا أنه يفعل ذلك بدافع الوطنية والغيرة على بلده، لكن أفعاله لا تبرر سوى حقيقة واحدة: سام قاتل مجنون بامتياز.

«ديزيرتو» يسلك طريقاً آخر وهو الأسهل، وذلك بالتركيز على المطاردة بين سام ومويزس بين الجبال لخلق الإثارة، ولأنه يرغب أكثر في إبراز نقاط قوة الفيلم الفنية التي ذكرناها آنفاً. كوارون يصل بالمطاردة إلى مفترق طرق مرتين في الفيلم، الأولى غير مبررة، ومن الواضح أنه يريد إطالته قليلاً ولترك المشاهدين يتنفسون، والثانية أيضاً غير مبررة، فهو يترك ضحية أمامه ليطارد مويزس البعيد جداً عنه، وتلك اللحظتان أثرتا بشدة في صدقية كوارون في عرض سلوك سام وآلية اتخاذ قراراته.

ليس هناك شخص واحد في الولايات المتحدة يتفق مع أفعال سام الوحشية إلا مجنون أو مريض نفسياً، حتى في دائرة أكبر داعمي ترامب! لا نظن أن هذا الفيلم نجح في انتقاد السياسة الأميركية أو الظروف الاجتماعية القاسية التي يتعرض لها المهاجرون المكسيكيون مثلاً، لكنه نجح تماماً في التذكير بأفلام أخرى استخدمت الفكرة نفسها، مثل The Most Dangerous Game أو اللعبة الأخطر، The Naked Prey أو الفريسة العارية عام 1965، وأيضاً The Running Man لآرنولد شوارتزينيغر عام 1987.

لو كتب كوارون عبارة «في المستقبل القريب» بداية الفيلم لفهمنا أنه يعني ماذا سيحدث لو فاز ترامب بالرئاسة، لكن السؤال: هل ترامب مضطر للفوز حتى نشاهد مثل هذا الفيلم وحتى ترسخ شخصية مرعبة مثل سام في أذهاننا؟ بالطبع لا، فلا تصريحات ترامب العنصرية نفعته ولا حتى وعوده المستندة إلى أسلوبه في الحياة وليس ثقافته أو تبصره في السياسة التي تسببت في تخلّي أقطاب حزبه أنفسهم عنه.

كوارون اختزل مشكلة أكثر من ستة ملايين مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة في مواجهة مع متعصب في بيئة مخيفة وعرة. الفيلم يبتعد عن الأسلوب الإيحائي، ويوظف الأسلوب الرمزي المباشر في طرح قضيته، ونرى ذلك من المشهد الأول عندما يردد أحد المهاجرين مقطعاً من الكتاب المقدس، ثم نأتي على أسماء الشخصيات فمثلاً، اسم مويزس المقصود به موسى، وسام يقصد به العم سام رمز الشخصية الأميركية، وحتى الكلب اسمه تراكر أي المتتبع. المكان صحراء يجب عبورها والمهاجرون شعب فقير تائه، حتى حكومته غير مهتمة به، ليقع فريسة سهلة لسام.

الفيلم ناجح أكثر من الناحية الترفيهية، خصوصاً للذين يريدون مشاهدة المواجهة النهائية بين الطرفين. «جاذبية» كان دراما نجاة ملحمية في الفضاء، لكن «ديزيرتو» سيبقى دراما نجاة في الصحراء، ولن يثير الجدل الذي يسعى إليه لسبب واحد، هو مبالغته الشديدة في طرح القضية، وسلوك شخصية سام غير المبرّر إطلاقاً.

تويتر