سيناريو الفيلم مبعثر زمنياً وليس سهل القراءة

ماكوناهي يتمرد على الثوار في «فري ستيت أوف جونز»

صورة

ليس الفيلم الأول للممثل الأميركي ماثيو ماكوناهي الذي يتناول قضية العنصرية وتجارة العبيد في الولايات المتحدة الأميركية، بل هو الثالث من بعد «أتايم تو كيل» 1996، و«أميستاد» 1997، لكن «فري ستيت أوف جونز» يتناول الموضوع أكثر من خلال إطار الحرب الأهلية الأميركية 1861-1865.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/07/516967.jpg

الخطيب المزارع

الملاحظ في الفيلم طريقة عرض شخصية نايت، فهو خطيب مفوّه وبطل مناصر لحقوق العبيد، وأقرب إلى قديس حسب المفهوم الأميركي للكلمة، لكننا نتساءل: ألا يتناقض ذلك مع كونه مزارعاً فقير بسيطاً له خلفية في التمريض؟! وفي هذه الجزئية (القديس) تحديداً يقترب دوره كثيراً من شخصية رون وودروف التي جسدها ماكوناهي نفسه في فيلم «ذا دلاس بايرز كلوب» عام 2013، والتي استحق عليها أوسكار أفضل ممثل.

ازدهار

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/07/516966.jpg

أفلام العبودية ازدهرت بشدة في فترة الرئيس الأميركي باراك أوباما بداية من «ذا هيلب» 2011، و«لينكولن» و«Django unchained»، أو «جانغو حرا» عام 2012، و«12 عاماً من العبودية» 2013، و«ذا بتلر» في العام نفسه، و«سيلما» 2014، والآن هذا الفيلم، وكذلك «مولد أمة» المتوقع طرحه في أكتوبر.

القصة حقيقية كما ورد في تقارير عدة صاحبت طرح الفيلم في صالات العرض، وبالتالي ليست هناك مفاجآت نخشى أن نفسدها على من يريد مشاهدته. الفيلم يتتبع قصة مزارع فقير يدعى نيوتن نايت (ماثيو ماكوناهي) مشارك في قوات الكونفدرالية في ولاية ميسيسيبي الأميركية ضد قوات الاتحاد في بداية الحرب الأهلية الأميركية. تلك الحرب كما هو معروف هي الوحيدة التي دارت رحاها في قلب الأراضي الأميركية بعد الاستقلال بين قوات الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لينكولن (الاتحاد أو الشماليون) وقوات الولايات الجنوبية المتمردة (الكونفدراليون)، التي رفضت قراره تحرير العبيد في القرن الـ19.

بعد مقتل أحد أقارب نايت في معركة عام 1862 يقرر الانشقاق والعودة إلى مزرعته وزوجته، وهناك في منطقته يتعرف إلى فتاة من العبيد تدعى ريتشيل (غوغو مباثا رو) وتعمل في منزل أحد الأثرياء. قناعة نايت بترك الثوار تتعاظم عندما رأى أن قواتهم تغير على المزارع وتستولي على المحاصيل الزراعية كنوع من الضرائب.

يقرر نايت التدخل لصد غارة باستخدام القوة لصالح إحدى العائلات، فيصبح هدفاً مباشراً لتلك القوات التي تطلق عليه كلاباً مخصصة لاصطياد العبيد. ينسحب نايت إلى مستنقع قريب أصبح ملجأ لكل الفارين من تلك الحرب، ومن هناك يعالج جروحه ويراجع نفسه ويقرر التمرد على الثوار. غاري روس مخرج الفيلم ومشارك في كتابته ليس غريباً على هذا النوع من الأفلام (أفلام الثورات)، فهو لديه خبرة في إدارة مشاهد المعارك اكتسبها من فيلم «ألعاب الجوع»، الجزء الأول عام 2012. الفيلم يحاول أن يوازن قدر الإمكان (العبيد يستحقون التحرير لكن ليس كل أبيض شرير)، ويبدو أنه يتجنب إهانة أي فئة من المجتمع الأميركي، خصوصاً في الحقبة الأوبامية التي اتسمت بموجة تبني المواقف السياسية الصحيحة Political Correctness.

في الوقت نفسه فإن الفيلم ليس سهل القراءة من ناحية التصنيف الاجتماعي الداخلي للمجتمع الأميركي، فهو ضد الحرب وضد سيطرة الأقلية البيضاء الثرية على المجتمع، وضد العنصرية وضد الضرائب، لكنه متوافق مع الدين وتملك السلاح ومتعاطف مع العنصر الأبيض الفقير. الفيلم يستعرض الحرب من خلال منظور الطبقات الاجتماعية وليس المنظور العنصري. سيناريو روس مبعثر نوعاً ما، فهو يقفز 85 سنة بعد الحرب (حوالي 1950) ليشرح لنا معاناة حفيد نايت الثالث نتيجة ارتباط جده بريتشيل. الحفيد لا يستطيع الزواج بالفتاة التي يحبها؛ لأن قوانين ميسيسيبي تحظر زواج شخص له أصول إفريقية بامرأة بيضاء حتى لو لم تكن ملامحه إفريقية.

هذه الجزئية تحديداً تستحق فيلماً وحدها بدل أن تكون جزءاً مستعجلاً من قصة كبرى في الحرب الأهلية الأميركية، أو على الأقل أن يبدأ بها. منطقياً وفي كل الحروب هناك قاعدة عدو عدوي هو صديقي، نايت تمرد على حلفائه الكونفدراليين وشكّل فرقة أصبحت كالشوكة في خاصرتهم، وحاربهم بشدة وانتصر عليهم، وانتزع أراضيهم وأطلق عليها اسم ولاية جونز الحرة، حيث يستمد الفيلم اسمه، ووصل الأمر إلى أنهم رفعوا العلم الأميركي على تلك الأراضي المسترجعة، لكن عندما حاول نايت التواصل مع الجنرال شيرمان قائد القوات الاتحادية الشمالية فإن الأخير رفض التواصل أو حتى دعمه، والفيلم لا يشرح هذه لنقطة ويمر عليها مرور الكرام، وهي أجدر بالاستكشاف ومن الممكن أن تكون نهاية جيدة. هناك لقطة تظهر فيها سطور على الشاشة تقول إنه خلال عامي 1875 و1876 انسحبت القوات الفيدرالية من ميسيسيبي رغم تزايد هجمات تنظيم كو كلوكس كلان العنصري على الأميركيين من أصول إفريقية. في الحقيقة أن التنظيم قمع من قبل قوات الشمال في العقد الذي تلى الحرب، أي أن التاريخ يناقض ما يقوله الفيلم في هذه الجزئية.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

لم يخصص روس أي مشهد تمهيدي لأي علاقة بين نايت وريتشيل التي تحبل منه، ونعلم أن له أبناء من زوجته الأولى سيرينا (كيري راسل) وأبناء من ريتشيل. والمحير أكثر أن هناك مشهداً لا يمكن وصفه سوى بالمثالي، تظهر الزوجتان فيه متعايشتين في حب ووئام، والأولى تساعد الثانية في العناية بالطفل. المشاهد الأخيرة في الفيلم تبدو كأنها تريد الإشارة إلى آثار الحرب على عملية إعادة البناء، فنرى أحد المتمردين العائدين إلى عباءة الدولة يسارع إلى اصطياد العبيد المحررين لدفعهم للعمل في حقله برضاهم أو من دونه. أداء كل الممثلين ظهر بشكل جيد جداً، وهو المتوقع من فيلم يتناول هذا الموضوع، لكن اللافت جداً كان أداء توماس فرانسيز مورفي الذي يعيد إلى الذاكرة شرير فيلم ألعاب الجوع المخيف «دونالد سذرلاند».

في النهاية هذا الفيلم ليس درساً في التاريخ، ولا يحاول أن يكون كذلك، لكنه فيلم للترفيه يستحق نقاشاً موسعاً.

تويتر