تجربته الإخراجية الأولى رسالة سلام
«عَرَّاف المياه».. راسل كرو خلف الكاميرا وأمامها
حقق الممثل راسل كرو حلمه في تجربة الإخراج، وكانت النتيجة فيلم «عراف المياه» (واتر ديفينر)، الذي افتتح فعاليات سينما العالم في الدورة 11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، فالرجل الذي أحبه الجمهور من خلال دوره في فيلم «رومبر ستومبر، و«ذا انسايدر»، و«بيوتفل مايند» و«روبن هود» يقف هذه المرة خلف الكاميرا وأمامها، في دور يراد منه الدعوة الى السلام من خلال أب فقد أبناءه الثلاثة في معركة «غاليبولي» ضد الأتراك، وهو المزارع الأسترالي الذي وجد نفسه فجأة بلا ابناء وبلا زوجته التي قررت أن تنتحر حزناً على فقدان فلذات كبدها، لكنه يعي بعد رحلة البحث عن جثث أبنائه أن تربيته لهم كانت خطأ، وكان من المفروض تربيتهم على الإنسانية، خصوصاً بعد أن شاهد بأم عينه الويلات التي تلقاها الأتراك في المعركة نفسها، يقف أمامه الضابط التركي المسؤول حينها في المعركة ذاتها، وبعد عقد السلام بين الأعداء بعد أربع سنوات على وقوعها، ويقول له «اذا مات من عندكم 10 آلاف، فقد مات من عندنا 70 ألفاً، وبالنهاية أنتم من اعتديتم على أرضنا».
|
معركة جاليبولي دارت في شبه الجزيرة التركية في 1915، حيث حاولت القوات البريطانية والفرنسية احتلال إسطنبول، التي كانت عاصمة الدولة العثمانية في ذلك الوقت، غير أنها فشلت في ذلك. وقد أدت المعركة إلى مقتل نحو 55 ألف جندي من قوات التحالف، بينما قتل من الجانب العثماني نحو 90 ألف جندي، بالإضافة إلى آلاف الجرحى من الجانبين. تُعرف هذه المعركة في تركيا باسم معركة «شنق قلعة سافاشلاري»، وفي بريطانيا تسمى بمعركة مضيق الدردنيل. |
الفيلم الذي شارك كرو البطولة فيه كل من أولغا كورينلينكو، يلماز اردوغان، سم يلماز، يحكي الفترة التي سبقت أحداث محاولة دخول بريطانيا وفرنسا بالتحالف مع روسيا لمحاربة الألمان وهتلر، والأطماع التي باتت تلوح بالأفق من قبل قوات التحالف تجاه تركيا، وهي المعركة التي لعب القائد التاريخي لتركيا مصطفى كمال أتاتورك دوراً كبيراً فيها، والتي يعتبرها العديد من المؤرخين بمثابة نقطة سوداء في التاريخ العسكري البريطاني، بعد هزيمتهم من الجانب العثماني.
التركيز ليس على المعارك بل على التحول في الفكرة من قبل المزارع الأسترالي (جشوا) الذي كان يؤمن بالملك والوطن كشعار، وكان يروي لأبنائه عندما كانوا صغاراً حكاية حسن والبساط السحري، حيث يرى المشاهد جشوا مصطحباً كلبه ليبحث عن آبار للمياه من خلال احساس الطاقة لديه، التي ستلعب دوراً كبيراً في المشاهد اللاحقة في رحلة بحثه عن أبنائه في تركيا.
ينتقل المشهد بعد ذلك الى بيته حيث زوجته التي تحثه على الذهاب لقراءة قصة قبل النوم لأبنائه، يسمع المشاهد صوت كرو وهو يقرأ القصة، وتنتقل الكاميرا الى الغرفة لنجد ثلاثة أسرّة فارغة، ودموع أم مكلومة على كل هذا الفقدان، والتي تقرر بعده الانتحار، فيقرر حينها جشوا الذهاب الى اسطنبول.
قبل وصول جشوا الى تركيا، ينتقل المشاهد الى المنطقة التي دارت فيها معركة جاليبولي، حيث لقاء الضباط الأعداء الذين شهدوا موت الآلاف من جنودهم، الضابط الاسترالي والضابط التركي، هذه المرة يصافحان بعضهما بعضاً، على الرغم من المشاعر الداخلية بالكراهية لبعضهم، التي تظهر خلسة، يطلب الضابط الاسترالي المسؤول من الضابط التركي المسؤول أن يساعده لمعرفة أماكن جثث جنودهم حتى يدفنوهم بطريقة لائقة، فيقرر مساعدته، في هذا الحين يكون جشوا قد وصل الى فندق تملكه امرأة تركية اسمها عائشة لديها ابن ينتظر عودة ابيه الذي مات في المعركة نفسها، عائشة عندما علمت جنسية جشوا الأسترالية حاولت ان لا تعطيه غرفة في الفندق لولا تدخل شقيق زوجها، وتبدأ هنا قصة من نوع آخر، لها علاقة بالفقدان، هو فقد ابناءه، وهي فقدت زوجها وأصبح ابنها يتيماً، مشاعر متداخلة ببعضها بعضا، تسعفها الصورة الإخراجية أكثر من السيناريو الذي كان اضعف من قيمة القصة نفسها، لكن أداء الممثلين كان طبيعياً وفيه الكثير من المهنية.
يستطيع جشوا الوصول الى مكان المعركة بمساعدة عائشة التي تعاطفت معه بعد ان رفضت الجهات الرسمية منحه تصريحاً للوصول الى المنطقة، وتشير إليه بالذهاب عن طريق مهرب في البحر، لأنها وعت أن الفقدان لا يعرف هوية ولا ثقافة، لأن وقعه على المكلوم واحد، يصل جشوا الى المكان، وبحسه تجاه المياه والطاقة الكبيرة التي يملكها يستدل على مكان اثنين من أبنائه، بعد أن حدد الضابط التركي المكان المتوقع لوجودهم، هنا يسأل الضابط الأسترالي الضابط التركي لماذا غير مخطط البحث المتفق عليه فيجيبه «لأنه لأول مرة يأتي أب ويسأل عن مكان جثث أبنائه».
يكتشف جشوا أن ابنه البكر مازال على قيد الحياة، فيعود الأمل لديه، في الوقت ذاته تكون عائشة فقدت الأمل كلياً، ومن خلال شقيق زوجها الطامع في الزواج بها يعرف الابن أن والده مات شهيداً.
لكن عائشة تصر على مساعدة جشوا في البحث عن ابنه، خصوصاً بعد ان قررت سفارته ضرورة العودة الى وطنه، فتقوم بتهريبه، فهو يؤكد لها أنه وجد مكان ابنه من خلال حلم في المنام.
يهرب جشوا، ويلتحق بكتيبة الضابط التركي الذي ساعده، في عملية ضد اليونانيين، الذين أظهرهم كرو في الفيلم متوحشين، وينقذ جشوا الضابط التركي من موت محقق على يد اليونان، وبالتالي يقرر الضابط مرافقة جشوا الى المكان الذي حلم به بوجود ابنه فيه ويجده أخيراً. ومع أن الفيلم في البداية يؤكد أنه مبني على وقائع حقيقية، الا أن الخيال المتجسد بشخصية جشوا كان كبيراً، لكن الهدف منه تركز على جانبين هما أن الدم لا يجلب سوى الدم، والتربية يجب أن تكون للحب والإنسانية كيلا يكون للسلاح مكان فيها، والجانب الآخر التمسك بالأمل المقرون دائماً بالتغيير، الذي تجسد بالبحث عن ابن جشوا الذي مازال على قيد الحياة من ناحية، ومن ناحية أخرى بأغنية غناها الضباط الأتراك المحتفون بظهور شخصية مثل اتاتورك الذي غير مجرى تاريخ تركيا، طاوياً الصفحة العثمانية، مبشراً بدولة مدنية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news