فيلم يدعو إلى الحب حتى آخر لحظة

«الخلل في نجومنا».. رومانسـية مصابة بالسرطان

ابتسامة البطلة لا تفارق وجهها على الرغم من جهاز التنفس المصاحب لها دائماً. أرشيفية

القرار صعب للغاية عندما تتخذه لمشاهدة فيلم «الخلل في نجومنا» the fault in our stars للمخرج جوش بون، الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية، وتكمن الصعوبة في أنك تعلم مسبقاً - من خلال الإعلانات عن الفيلم - أن الحكاية تدور حول مصابين بالسرطان، وهذا الشعور في معرفة تفاصيل الحكاية سينمائياً قد يصرفك عن المشاهدة، لكن الحقيقة غير ذلك، فمن الممكن ألا تبكي أثناء الفيلم، بل ستكون متفاعلاً مع كل جملة فيه، لاسيما أنه يصبّ بظلاله على مجموعة من المراهقين المصابين بالسرطان، الذين لم يثنهم المرض عن الحياة والحب.

يحكي العمل قصة رومانسية مصابة بالسرطان، ومراهقين مصابين بهذا الداء الذي لا دواء له. يدخل إلى حياة مراهقين، بشكلها الطبيعي الذي لا يعكر صفوها سوى موعد جرعة للكيماوي أو نوبة فجائية قد تقلّص من أعداد مجموعة تجتمع في مكان للعلاج النفسي من خلال البوح عن مكنوناتهم وشد عزيمة بعضهم بعضا.

«هيزل غرايس» بطلة الفيلم التي أدت دورها شايلين وودلي، و«أوغاستس واتيرز» الذي أدى دوره أنسيل إلغورت، يجمعهما مرض واحد، يختلف موضعه في جسمهما، يعتقد كل منهما أن وفاته ستكون قبل الآخر، وبناء عليه يحددان مسيرتهما التي تكللت بعلاقة حب بينهما تطغى رومانسيتها على آلام وأوجاع جسديهما قبل النوم.

تبدأ (هيزل) برواية قصة الفيلم، وهي ترتدي الفستان الأبيض مستلقية على العشب، وتنظر إلى السماء المملوءة بالنجوم، مشهد ينتهي فيه الفيلم، قائلة: «أعتقد أن لدينا خياراً في هذا العالم تجاه سرد القصص الحزينة، من جهة يمكنكم جعلها تبدو أفضل مما هي عليه، لا شيء سيئ للغاية بحيث لا يمكن اصلاحه بواسطة مثلاً أغاني غابريال، اسمعوا الحقيقة مني».

والحقيقة تبدأ معها وهي تحاول إقناع والدتها أنها غير مكتئبة أمام طبيبتها، وتؤكد هيزل أن الاكتئاب حالة طبيعية لمرضى السرطان، لكن والدتها مصرّة ألا علاقة بين الأمرين، لذلك يجب عليها أن تندمج، وتذهب إلى مركز يعطيها فسحة للتعبير عن مخاوفها. هيزل (17 عاماً) اعتادت الورم الذي بدأ بغدتها الدرقية، وانتهى برئتيها، منذ كانت في الـ 13 من عمرها، لا تنسى وجه وعبارات والدتها عندما اعتقدت وهي صغيرة أنها اقتربت من الموت: «استسلمي يا ابنتي لا تخافي» وهي بين الوعي واللاوعي سمعتها وهي تكمل: «لم أعد أمّاً بعد الآن»، وتؤكد البطلة بقوة: «لكنني عشت، بعد تجربة دواء لا ينجح عادة مع آخرين».

ابتسامة البطلة لا تفارق وجهها، على الرغم من جهاز التنفس المصاحب لها دائماً، لذلك من الصعب التكهن بمخاوفها، وعلى مضض وافقت مجاراة والديها في الذهاب إلى المركز. ومن المنصف الانتقال قليلاً إلى أداء الممثلة شايلين وودلي الذي قدمته بكل الأحاسيس التي تنتاب أي مراهقة من أول لمسة من شاب، واستطاعت بملامحها الهادئة وابتسامتها الساحرة، وصوتها المبحوح جراء تعب رئتيها، أن تتمكن من الشخصية، وتقدمها بشكلها غير المؤلم، فالشخصية قوية بالفعل، مع أنها في بعض الأحيان تنهار، إلا أن القوة والتعاطي مع الأمور بشكل علمي كانا طاغيين.

من جانب آخر، وقبل التطرق إلى حكاية العشق التي جمعت البطلين، هناك علاقة من نوع آخر تجمع بين هيزل ورواية لكاتب أميركي اسمه فان هيوتن، لا تقرأ سواها، وتريد ان تعرف نهاية بطلة الرواية، التي لم يكتبها المؤلف، لذلك حاولت مراراً أن ترسل إلى بريده تساؤلاتها، لكن دون رد، هذا التفصيل وما سينتج عنه، قد يتعرّض له أي شخص في هذه الحياة، مريضاً كان أم معافى، فهوس الناس بكتّابهم وتخيّل أشكالهم وطريقة تفكيرهم قد تنتهي، وتتحول إلى صدمة معاكسة تؤثر في هذا المعجب، وهذا ما حدث فعلاً معها، فبعد أن التقت هيزل بأوغاستس في المركز، تم تبادل نظرات الإعجاب بينهما، وكانت أكثر وضوحاً من قِبل العاشق الذي دعاها في اليوم ذاته لمشاهدة فيلم، وفي مشهد كان ضرورياً، وقف أمامها وأخرج سيجارة، فغضبت هيزل وقالت إنه دمر اللحظة التي كانت تتوقع أنها وجدت من خلالها الصديق،؛ فيجيبها: «ما الضرر في سيجارة لم يتم إشعالها؟»، فتعي هيزل أن المسألة مجرد عادة.

العلاقة بين هيزل وأوغاستس، تبدأ بصداقة قوية تربطهما، يتحدثان قليلاً عن مرضهما، ويتحدثان أكثر عن أحلامهما، وهذا ما جمع بينهما عندما قام أوغاستس ليتحدث عن مخاوفه قائلاً: «أخاف من غياهب النسيان، ألا أقدم شيئاً في حياتي المعدودة أيامها يتذكرني الناس به»، فترد عليه هيزل: «هذا ليس منطقياً، أنت لست بحاجة إلى الناس التي لم تشعر بألمك لأنها لم تعرف عنه»، هذه الجملة تحديداً مقتبسة من الكتاب المتيمة به، الذي تقرر أن تعطيه لأوغاستس الذي يرفض ممتعضاً أن يقرأ كتاباً عن المرض المصاب به، لكنه يرضخ، بل يتعلق بفكرتها بضرورة معرفة الحلقة المفقودة في الرواية، فيقترح عليها بعد أن صدف وردّ عليه الكاتب برسالة كانت تنتظرها هيزل طوال حياتها مع كتابه، إذا ما كان يريد معرفة الجواب أن يذهب إليه الى أمستردام، أن تذهب معه، لكن ظروف عائلتها المادية، واستخدام أمنيتها وهي صغيرة في مركز الأمنيات المخصص لمرضى السرطان عندما طلبت منهم اصطحابها إلى «ديزني لاند»، تقف حائلاً بينها وبين هذا الحلم، فيقرر أوغاستس المصاب بمرض سرطان العظام والمبتورة قدمه، أن يطلب هذه الأمنية، فيقرران السفر بصحبة والدتها التي قدمت دورها لورا ديرن، والتي من خلال كل مشاعرها تؤكد ألا شيء اصعب من السرطان الا أن يكون المصاب به ابنك أو ابنتك.

قبل رحلة أمستردام، كان لابد من مشاهد تقترب من مرض السرطان أكثر، عبر حياة مرضى مبنية على أمل يتبدد تنازلياً، فقد أصيبت هيزل بنوبة جعلت رئتيها أكثر ضعفاً، وانتقلت إلى المستشفى على إثرها ومنعها طبيبها من السفر، وبعد خروجها تحاول الابتعاد عن أوغاستس، وبعد محاولاته لرؤيتها تقول له: «أنا مثل القنبلة اليدوية، التي ستنفجر في يوم من الأيام، وستدمر كل من يوجد في طريقها»، قالت له هذه العبارة، وهي لا تعلم أن أيام أوغاستس ستكون أقل من أيامها في الحياة، لذلك يصر أوغاستس على اصطحابها إلى أمستردام رغماً عن معارضة الطبيب، وينجح ووالدتها في ذلك.

في أمستردام، كل شيء وتيرته سريعة، فقد قرر الكاتب أن يدعوهما لتناول العشاء وحدهما في مطعم فاخر بالمدينة، يرتديان للمرة الأولى رداء رسمياً يتناسب مع عرف الموعد الأول بين حبيبين، يمضيان في طريقهما بكل خفة وأناقة، يتناولان طعامهما والضحكات تملأ المكان،، يعترف أوغاستس أخيراً بحبه الكبير لها، يستعدان أخيراً لمقابلة كاتبهما المفضل، ليتحول مسار الفيلم وروايته إلى منحى آخر له علاقة بتحطم الفكرة والحلم، عندما قابلا الكاتب اكتشفا أن سكرتيرته هي السبب وراء دعوتهما، فهو لا يحب الغرباء، لاسيما الأميركيين، مع أنه أميركي، يبدو الكاتب متعجرفاً، قاسياً، لا يشبه طريقة كتابته وأفكاره، والأهم أنه لم يجبهما عن تساؤلاتهما، فتنهار غاضبة هيزل التي كانت ربما تريد التمسك بـ«قشة الأمل»، لكن الكاتب يؤكد لها أن الحكاية خيالية. وبعد خروجهما من منزله، وفسحتهما في أحد المتاحف القديمة مع سكرتيرته، وتحديها السلالم التي قد تضعف من تنفسها أكثر، ونجاحها في تسلق القمة، يقرر العاشقان أن يفقدا عذريتهما معاً، ليكتشفا أن هذه كانت رغبتهما الأخيرة من هذه الحياة. يعترف أوغاستس بخطورة وضعه الصحي لهيزل، ويطلب منها كتابة رسالة تأبينة وإلقاءها عليه وهو مازال حياً، ويطلب من صديقه (آيزاك) الذي أصبح أعمى وهجرته حبيبته، أن يكتب تأبيناً له، ويناديهما في وقت متأخر من الليل ليسمعهما، ويرحل بعدها بأيام، وفي وقت التأبين الحقيقي تكتشف هيزل أن الكلمات الجميلة عن الراحل لن يسمعها غير الأحياء، وهي اكتفت بأن يسمعها أوغاستس منها قبل وفاته، فتغير كلماتها وتكتفي بعبارات قليلة، وتضع علبة سجائر على قبره وترحل.

تفاجأ بوجود الكاتب فان هيوتن، في التأبين، تحاول تجاهله والصراخ عليه، وهو يؤكد لها أن أوغاستس كان يراسله قبل وفاته بأيام عدة، وأن معه رسالة تجيب عن كل تساؤلاتها عن الحلقة المفقودة في الرواية، فتقوم بإلقاء الورقة جانباً، إلى أن تدرك بعدها أن الورقة تأبين لها من قبل أوغاستس، استعان بالكاتب لينمق له عباراته التي كانت مملوءة بالحياة. ينتهي الفيلم مع المشهد الأول منه، هيزل المرتدية فستاناً أبيض، مستلقية على العشب وتنظر إلى النجوم، وعلى صدرها رسالة أوغاستس الأخيرة، وكأنها تستعد للموت ووداع الحياة، الفيلم ببساطة لا يخلو من الألم يحكي قصة رومانسية مصابة بالسرطان.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر