«سكراب» و«إسماعيل» و«مسودات» من السعودية والأردن وسـورية

أفلام قصيرة تختصر همـــوماً بالجملة

فيلم «إسماعيل» للمخرجة الأردنية نورا الشريف. الإمارات اليوم.

أن يطلب منك اختصار قضية أو حكاية أو حادثة في بضعة سطور، تكون بحاجة إلى اختزال كلمات كثيرة لإيصال الفكرة، لأن التكثيف بشكل عام صعب للغاية، هكذا هي حال صناعة الفيلم القصير، المطلوب منه أن يلخص قضية ما في مدة لا تقل عن أربع دقائق، ولا تزيد على 25 دقيقة، ومع كثرة إنتاج الأفلام القصيرة التي عادة ما تعرض في مهرجانات سينمائية دولية، من الجميل عرض مجموعة من هذه النوعية من الأفلام التي تختصر هموماً كثيرة، والتي أصبحت بين يدي الجمهور من خلال البحث عنها في مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت.

«سكراب»

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

فيلم «سكراب» السعودي، لمخرجه بدر الحمود، لاقى ردات فعل متباينة حول طريقة تناوله لقضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، يُعد من الأفلام التي تستحق المشاهدة، لذكاء الطرح فيه. فالحمود - ببساطة - لخص الحكاية مع امرأة مسنة تصطحب ابنتها إلى منطقة مملوءة بـ«الخردة» (سكراب)، المرأة المسنة منقبة، لا تنبس بكلمة، تعبيراتها تتجلى في عيونها، ونظرة ابنتها لها، تجدهما يجمعان «الخردة» وتضعان إياها في سيارة، تعتقد لوهلة أن ثمة رجلاً فيها، لأن القانون يمنع المرأة من القيادة، تنتظر وتراقبهما عن كثب، لحين وقت المغادرة، وتفاجأ بجلوس المرأة أمام المقود، تسري الأمور ببطء، ولسوء الحظ - أو لحسنه - تتوقف السيارة بهما لخلل في الإطارات. تنزل المرأة لتصلح الخلل، فتباغتها سيارة الشرطة، يسألها الشرطي عن زوجها، وكيف له أن يسمح لها بإصلاح السيارة، فلا ترد، يسألها عن مكانه فلا ترد، فيعي - ولو متأخراً - أن من يقود السيارة هي المرأة، فيحاول بطريقة مهذبة أن يوضح لها القانون، حتى بعد أن أخبرته بأنها أرملة ولا معين لها ولابنتها، يصحبهما إلى مركز الشرطة، ويطلب منها أن تستدعي أحد أولياء أمرها، فتجيب بألا معيل لها، ولا ولي أمر لها.. فيقرر الشرطي إخلاء سبيلها على مسؤوليته الشخصية، تعود وتجلس وابنتها في سيارتها دون أن تحركها.

الحمود، لم يتناول قضية قيادة السيارة من قِبل المرأة السعودية بطريقة فجة، إذ أراد أن يوصل رسالة: أن ثمة نساء بالفعل لا معيل لهن، وأبناءهن في رقبتهن، وقيادة السيارة بالنسبة لهؤلاء ضرورة.

فيلم «سكراب»، ومدته 14 دقيقة، ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان بيروت الدولي، وسبق أن فاز بالجائزة الثالثة في مسابقة الفيلم القصير في مهرجان الخليج السينمائي، وعرض أخيراً في مهرجان تيسة بالمغرب، استطاع أن يختزل قضية مازالت عالقة من خلال حكاية إنسانية بشكل بديع، ومصنوع بتقنية عالية.

«إسماعيل» من الأردن، يطلّ فيلم «إسماعيل» لمخرجته نورا الشريف، الذي عرض أخيراً في مهرجان تيسة بالمغرب بعد جولة على المهرجانات، ومتاح على روابط إلكترونية عدة، يتناول في 25 دقيقة، حكاية وطن وحلم ونكبة، من خلال شخصية إسماعيل، الذي أدى دوره الفنان خالد الغويري، ليتضح في النهاية أن القصة تتعلق بشخصية الفنان الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط، حيث من الصعب فهم أن هذا الفنان والنحّات الذي عاش في روما، كان بائعاً للمعمول. شموط ابن النكبة الفلسطينية عام 1948، عندما نزح وعائلته إلى جنوب فلسطين، تحديداً في مدينة غزة، كان يبيع المعمول هو وشقيقه الصغير ليعيل عائلته، يبيعها للجنود العرب من مصر والأردن والعراق، الذين كانوا يأتون إلى غزة كمحطة انطلاق لحروبهم مع العدو، علاقة إسماعيل مع شقيقه، جميلة، يحكي له عن الفن وعن ملهمه مايكل أنجلو، بطريقة تحفّز عقل شقيقه الصغير ليسأل أكثر، فتذوب مع هذه الأسئلة مسافات الطرق الطويلة والوعرة التي توصلهم إلى مكانهم أمام محطة القطار في خان يونس، ليبيعوا معمولاً هما نفساهما غير مقتنعين بطعمه، فكل شيء يتغير إذا ما سلب المرء بيته. ظل الفنان الخفيف حاضر بقوة، حتى وهو يتلقى المعمول كحجارة من قِبل الجنود المصريين الذين يمتعضون من شرائهم هذه الحلوى التي يطلق عليها إسماعيل الناعمة. حياة كاملة وعلاقة شاملة اختصرتها الشريف في مشهد القطار، بين اللاجئين والقطار الذي يحمل الجنود العرب، بين اللاجئين والحلم المتعلق بالبزات العسكرية، بين اللاجئين وحلم العودة إلى منازلهم ليسقوا نباتاتهم ربما.

يعود إسماعيل وشقيقه، وتراهما في صحراء شاسعة يضحكان، ويمرحان، ويتجاذبان حواراً شكل في النهاية حلم إسماعيل، الذي لا تدرك شخصيته إلا في نهاية الفيلم، فهو يتحدث دوماً عن مايكل أنجلو، الذي رسم لوحات عالمية في كنيسة روما، حتى في سقفها العالي جداً. هذه المعلومة حيّرت عقل الصغير الذي كان مصراً على معرفة كيف استطاع أنجلو أن يصل إلى السقف، فيراوغ إسماعيل في الإجابة، ليقطع هذه المراوغة صوت رجل ينادي عليهما أن ينتبها صائحاً: «أنتما تمشيان على حقل ألغام» فتتبدد الأسئلة، ويصغر الكادر على وجهي الشقيقين، الصغير يقول للكبير «شو يعني ألغام»، يقف الرجل الثالث أمامهما من بعيد، ملامح البداوة ظاهرة عليه، هو من صحراء النقب، يدلهما على الخطوات وطريقة السير، كي يصلا إلى بر الأمان، وبأداء مهني قدم الغويري كل هذا القلق، قلق أخ كبير على الصغير، يحاول أن يطمئنه، ويؤكد له أن يظل ثابتاً في مكانه، ولا يتحرك إلا اذا أذن له.

أراد إسماعيل أن يجرب الطريق كي يعطي الفرصة لأخيه بالنجاة، يمشي بخطوات متثاقلة ثقل بيت رحل عنه، عيون شقيقه ترقبه، وصورة والديه في ذهنه، خطى تجعل المتفرج يشعر بالخوف والحزن، وفي الطرف الآخر شقيقه يشدّ من عزيمته، كلما يخطو مسافة أمان يطلب من الصغير أن يمشي على خطواته نفسها التي ترك علامة واضحة فيها على الرمال، وتستمر الخطوات إلى أن يقطعها ماعز أسود اللون، يقفز فوق الصحراء دون خوف، يتسمر الشقيقان في مكانهما، يرقبان الماعز الذي يقضي على حياته لغم، فيدركان أنهما في أمان، فيسرعان الخطوة، وهنا أنقذتهما المصادفة وحدها، كأن حالهما يقول إن «الفلسطيني والموت واحد إلا إذا لعبت المصادفة دورها». ينتهي الفيلم ويدرك المشاهد أنه مهدى إلى الفنان إسماعيل شموط الذي توفي عن عمر يناهز 76 عاماً في 2006.

«مسودات»

فيلم «مسودات» الذي أخرجه عبدالله شحادة، وقدم من خلاله ثلاث لوحات سينمائية قصيرة، من خلال امرأة واحدة، أدت دورها الفنانة زينة ظروف، التي جرّبت اعتقال النظام السوري لها قبل مدة، اللوحات جميعها تحكي الإرهاصات النفسية التي قد تنتج عن الاضطهاد تارة، وعن التخلي أخرى، وعن الخوف أيضاً، ففي اللوحة الأولى، التي حملت عنوان «فرخ البط الأسود»، تحدثت الفنانة، التي أتقنت دورها بشكل مسرحي أكثر منه إلى السينمائي، أن توصل فكرة المجتمع الذكوري، وسيطرته حتى على مفهوم العائلة، لتتذكر قصة رحلة قضتها مع أفراد عائلتها ونسوها أمام البحر، وهم يعدون أسماء الذكور فقط، وكيف أن والدتها كانت تنقص من مصروفها كي تعطيه لشقيقها، لهذا عاشت طوال عمرها كبطة سوداء، كما الحكاية العالمية الشهيرة، وإلى اللحظة لم يتبدل لون ريشها، لأن الحكاية لم تنته بعد. اللوحة الثانية حملت عنوان «المجتمع الواطي»، وتتناول الفتاة البطلة الصفعات التي أخذتها على وجهها، تبدأها بصفعة من والدتها عندما رأتها تقرأ للشاعر نزار قباني، والصفعة الثانية عندما رأتها والدتها تقف أمام المرآة طويلاً، أما الصفعة الثالثة فعندما وجدت رسالة حب من ابن الجيران، وتقول «أخذت الصفعة، وتزوج ابن الجيران من بنت خالتي»، ومن يومها قررت أن تمشي ورأسها إلى الأسفل، وتؤكد، وقد انتقلت من فتاة شابة إلى عجوز، وأنها ربت بناتها على منوال أمها نفسه، لذلك الجميع يعيش في «مجتمع واطي»، وتهتف بأعلى صوتها «يحيا المجتمع الواطي» وتؤكد «انتبهو توطوا أكثر من هيك لأنه بتكون راحت عليكم».

أما بالنسبة للوحة الثالثة التي حملت عنوان «اللقمة الكبيرة»، فتتحدث عن فقر الحال بشكل عام، عن منزل تعيش فيه مع إخوتها الستة والمستأجرين في منزلهم الذين يشاركونهم اللقمة والفراش أيضاً، ولأنها تدرك أن وراء كل لقمة كبيرة حكاية كبيرة، كان لابد لها أن تصغر لقمتها، خصوصاً بعد أن وبختها أمها وقالت «ليش لقمتك كبيرة»، تحكي الفتاة قصة والدها الذي خرج في دراجة بخارية، وتلقى صفعة من رجل ما وتم دهسه من رجل آخر «من وقت ما غاب غابت كل الأكلات الطيبة»، وتؤشر إلى خاتمها «السوليتير» ووشاحها لتؤكد أن هذا الشكل الجديد لم يخف أنها اشتهت دائماً اللقمة الكبيرة. اللوحات الثلاث ومدتها 10 دقائق تقريباً، استطاعت أن توصل حكايات في البيوت السورية، مروية من خلال المرأة، المضطهدة بشكل عام، مع أداء مسرحي بديع للممثلة زينة ظروف.

تويتر