فيلم كرتوني ليس موجهاً إلى الأطفال يحكي قصة تحالف اليابان وألمــانيا

«هبوب الرياح».. الســينما تعتذر عن الحرب

على الرغم من أن الفيلم مصنوع بشكل رسومات كرتونية كلاسيكية إلا أن قصته غير مخصصة للأطفال، والمشاهد فيه لا تتلاءم وحقوق الطفولة، خصوصاً في ما يتعلق بالتدخين، فكل شخصيات الفيلم الذكورية تدخن بشراهة. أرشيفية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما حدث على أثرها من ويلات طالت الشعوب ليس بداية بهيروشيما وليس انتهاء ببناء دولة لليهود في فلسطين، وتجريد شعب كامل من حقه في العودة، وها نحن اليوم تحديداً بعد الذكرى الـ66 على النكبة، توجه عدد من المخرجين العالميين، الذين ينتمون الى دول ساهمت بشكل أو بآخر في الحروب والقتل وصناعة الأسلحة، وكل ما يتعلق بأدوات الموت، إلى صناعة أفلام تحاول أن تعتذر عن حكومات أوطانها التي تورطت يوماً أو ساهمت بشكل مباشر في القتل وفي الحرب، وهذا ما تشعره فعلاً من الفيلم الياباني «هبوب الرياح» للمخرج الأكثر شهرة في اليابان في صنع الرسوم المتحركة «هاياو ميازاكي»، الذي قدم قصة ورسم شخصيات المسلسل الشهير «عدنان ولينا».

وعلى الرغم من أن الفيلم مصنوع بشكل رسومات كرتونية كلاسيكية عاش اشباههم مع جيل أواخرالسبيعينات والثمانينات، إلا أن قصته غير مخصصة للأطفال والمشاهد فيه لا تتلاءم وحقوق الطفولة، خصوصاً في ما يتعلق بالتدخين، فكل شخصيات الفيلم الذكورية تدخن بشراهة.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الفيلم يحكي اليابان وتحالفها مع ألمانيا في زمن هتلر، وتحديدا في الحرب العالمية الثانية، وكيف وقتها كان يشعر الياباني نفسه أن 20 عاماً تفصل بينه وبين تقدم الألماني عليه، وهذا الشعور ينمو يوما بعد يوم، خصوصا مع مجموعة من المهندسين الذين يحلمون بصناعة تصاميم لطائرات، لم تكن الفكرة في البداية أن تكون حربية، لكنها أصبحت كذلك، وفي كل مشاركة في الحرب ينتظر المصممون عودة طائراتهم، التي انفجرت في الجو أو تحطمت.

البداية تكون من خلال عبارة مكتوبة على الشاشة «عندما تهب الرياح، علينا محاولة أن نعيش»، ليدرك المشاهد أن الفكرة كلها تدور في فلك «جيرو» الذي يعيش معه المشاهد مراحل حياته من الطفولة إلى النضوج، يحلم منذ الصغر أن يطير ويحلق، ويساعد الناس على التحليق، يزوره في منامه شخصية ايطالية اسمه «الكونت جياني كابروني»، ويعتبر حسب قصة الفيلم المتخيلة أنه أهم صانع ومصمم طائرات في العالم. يشاهد «جيرو» الطفل الطائرات وعلى متنها الجنود يلوحون بعيداً، وتنفجر فيهم الطائرات في السماء، يستيقظ من حلمه، يرتدي ملابس المدرسة ويذهب إلى فصله، محاولاً رسم الطائرة التي شاهدها، ليلحقه مشهد آخر يسلط الضوء على أخلاق «جيرو» الإنسانية، خصوصاً تجاه الضعيف، عندما وجد مجموعة من الطلاب يتنمرون على طفل، فيهب لمساعدة الصغير، هنا الفحوى من الفيلم، أو محاولة الاعتذار، فنحن أمام قصة مصمم اقوى طائرة حربية في اليابان، التي أطلق عليها اسم «زيرو»، لكن ظروف صناعتها التي تتعلق بالحلم، لم يكن الواقع رحيماً عليه وعليها، وتسليط الضوء على أخلاق (جيرو) ما هو إلا رسالة مفادها أن كثيرين تورطوا بالحرب، لكن هذا لا يعني أنهم ليسوا بشراً، خصوصاً اذا كانوا محكومين من أنظمة مستبدة لا تعرف سوى لغة الدم.

الحبكة الفعلية تحدث عندما يغادر «جيرو» منزل عائلته متوجهاً الى الجامعة، وهو على متن القطار يحدث زلزال اليابان الشهير في أوائل العشرينات، الذي يؤدي الى أزمة اقتصادية خانقة تؤدي بدورها الى تحالف اليابان مع ألمانيا النازية. هنا تنقلب حياة (جيرو) رأساً على عقب من ناحيتين، الأولى تغيير مسار حلمه وطريقة تفكيره في تصميماته، والثانية أنه وقع في حب (ناهوكو)، فتاة أنقذها وخادمتها من موت محقق بسبب الزلزال، لكنهما يفترقان كل الى جهته إلى أن يلتقيا مرة أخرى بعد مرور السنين.

ميازاكي يركز كثيراً على التفاصيل دون أن يغني صورته بمشاهد طبيعية خلابة للسهول واللون الأخضر الذي يمتد على مد البصر، ناهيك عن نقل المشاهد بين حلم «جيرو» الذي يزوره كل يوم، والواقع الذي يعيشه، فهو في الجامعة يربط كل شيء بتصميم طائرته التي يحلم بها، شكلها مثل الطائر، ومن الداخل يشبه هيكلها هيكل نوع من الأسماك اليابانية كان يأكلها كل يوم كي يدقق في شكلها، كان يعي أن الطائرات وجدت للحياة وليس للموت، دورها أن تحط على الأرض بعد التحليق لا أن تنفجر في بطن السماء، خصوصاً ومع الشخصية المتخيلة الايطالية التي كانت تزوره الكونت جياني كابروني، الذي قال له «عمر مصمم الطائرات يجب ألا يتجاوز الـ10 سنوات، ويجب خلالها أن يقدم شغفه الخاص لينتقل الى شغف الناس ويسعدهم»، وكان في الحلم يشاهد الايطالي وهو يصمم طائرة كبيرة جداً تمزج في شكلها بين الباخرة والطائرة تتسع لـ100 راكب، جميعهم يبتسمون.

بعد الزلزال تغيرت اليابان، وأصبحت تابعة للقوى الأكثر إجراماً حينها المانيا النازية، وأصبح كل نفس يتنفسه الياباني محسوباً عليه، ولا يحق له الاعتراض. يتخرج (جيرو) في الجامعة ويلتحق بشركة (ميتسوبيشي) المشهورة حينها بصناعة ناقلات الطائرات الحربية، التي تحلم بصناعة طائرة تضاهي الطائرات الألمانية قوة، لكن النظرة الدونية للنفس التي كان سببها هتلر بطرحه أن الألماني هو العرق الأسمى والأذكى والأهم في العالم، جعلت من الياباني الرضوخ دائماً ونظرته الى نفسه مليئة بالشكوك، الى أن ترسل الشركة جيرو وصديقه هونو الى ألمانيا لتعلم التكنولوجيا، فيصل الى قناعة أن الألمان يأخذون أموالهم كشعب فقير ليصنعوا التكنولوجيا التي يبخلون في تقديمها للآخرين حتى لو كانوا من الحلفاء. يستطيع جيرو بطريقته أن يصل الى الطائرة الألمانية ويلقي نظرة عن قرب، يأخذ الإذن من مصممها، الذي يعجب به ويجعله يركبها ورفاقه، هذا المصمم يتخلص منه هتلر بعد ذلك، لأنه حاول أن يتمرد ويزيد من تصاميم طائرات الموت.

يظل جيرو يفكر في كيفية صناعة طائرته، حلمه، ترسله الشركة الى مناطق غربية كثيرة ليلهم نفسه، لكن التصميم في رأسه، وشكل هذا التصميم لا يمكن أن يتحمل وزن الصواريخ التي يحملها في بطنه، وأخيراً وفي عام 1933 تحديداً، يلتقي جيرو مع ناهوكو بعد 10 سنوات من الزلزال، يتجدد الحب بينهما، ويشعر جيرو أنه بحاجة لها ويتقدم للزواج منها، لكنه يفاجأ بأنها تعاني مرض (السل)، لكنه يتمسك بها أكثر، يريدها لتمنحه التوازن والقوة والحب في ظل الحرب.

تمر التفاصيل بدقتها، وأحلام جيرو وواقعه وحياة الحب التي يعيشها، ومطاردة الشرطة اليابانية له حسب أوامر الألمان للتخلص منه، لأنه عبقري حسب مديره الذي يحتضنه في منزله ويخبئه عنده، وينقل كل أدواته من الشركة إلى المنزل، يشتد المرض على ناهوكو فيقرر أنها يجب أن تعيش معه كزوجة ولو لبضعة أيام، أيام كانت كفيلة بأن تجدد طاقاته وتحقق حلمه أخيراً في صنع طائرة طفولته، مصطلح الطفولة لا يتناسب ابداً مع الاستخدام الذي استخدمت فيه الطائرة التي لم تميز بين طفل وبالغ. تأتي اللحظة الحاسمة، ويستعد جيرو للغياب عن المنزل وعن حبيبته لمدة ثلاثة أيام لتجربة الطائرة، تودعه الزوجة بحب وتشجيع، وتترك له رسالة أنها قررت الموت بعيدة كي لا يتذكرها إلا بوجهها الجميل، تنجح الطائرة ويطلق عليها اسم (ميتسوبيشي زيرو)، وتشارك بالحرب.

خطأ واحد ظهر في المشهد الأخير في الفيلم، لا يمكن تفسيره اذا كان مقصوداً أم لا، في الحلم زاره الكونت الإيطالي جياني كابروني وسأله «هل حققت ما تريد في مدة 10 سنوات؟»، ليجيبه جيرو «نعم، وطارت الطائرات، لكنها لم تعد»، فرد عليه «على من خضتم الحرب؟» فأجابه «ضد أميركا وإسرائيل وبريطانيا»، ومن المعروف تاريخياً أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك شيء اسمه «إسرائيل». النهاية كانت بجملة واحدة من قبل الكونت الإيطالي جياني كابروني حين قال: «الطائرات جميلة، لكنها اذا ما شاركت في الحرب ستنفجر في السماء، ولن تعود الى الأرض، وهذا هو الموت». لكن اليابان كتجربة تعرضت لأقسى عقوبة تمثلت بهيروشيما، استطاعت أن تطوي هذه الصفحة كي تعيش، وأصبحت من أهم الدول الصناعية في مجال التكنولوجيا في العالم.

تويتر