تزامناً مع مهرجان فرانكو للأفلام في دُور عرض محلية

«وادي النمل».. حرب كائنات صــــغيرة

الفيلم مملوء بأجواء التشويق والمغامرات والطرافة التي تجتذب الكبار قبل الصغار. الإمارات اليوم

اللغة في «وادي النمل المفقود» هي الموسيقى، فلا حوار، ولا أصوات ممثلين مركبة على رسومات كائنات صغيرة، عندما تتحدث تتحول شفاهها إلى آلات موسيقية، مزمار تارة، وناي أخرى.. وكلها تفاصيل سخية في الفيلم الكرتوني الفرنسي لمخرجيه توماس سيزابه وهيلين جيرود، والذي يصلح للكبار قبل الصغار، ويعرض حالياً في دور السينما المحلية، تزامناً مع مهرجان فرانكو للأفلام الذي يعرض مجموعة من الأفلام التي تتحدث الفرنسية في دور عرض إماراتية.

من السهل وصف الفيلم بالملحمة، ومن الصعب القول إنه يسقط قصته الموسيقية على ما يحدث في العالم من صراعات، فالحكاية هي حرب بين النمل الأسود والنمل الأحمر حول مكعبات من السكر، حصل عليها النمل الأسود بعد أول مشهد حي في الفيلم الذي يصور امرأة حاملاً ورجلاً، يستمتعان في جولة خلابة، يجلسان ليستنشقا الهواء العذب، وفجأة تشعر المرأة بألم المخاض، فيسرع زوجها لنقلها إلى السيارة مخلفاً وراءه كل ما لذ وطاب من فاكهة وعصائر، والأهم علبة مليئة بمكعبات السكر.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

من الواضح أن صناع السينما العالمية أخذوا على عاتقهم ما يحدث في العالم من متغيرات، خصوصاً السياسية التي تحدث في المنطقة العربية، كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في فيلم «ليغو»، إذ استخدم مصطلحات كثيرة لها علاقة بالثورات العربية، مثل مصطلح «جمعة الحرية»، وعلى ما يبدو أن الحال ليست بعيدة عن الفيلم الفرنسي «وادي النمل المفقود»، لكن بطريقة أوسع تتعدى الشرق، فبعد المشهد البشري الوحيد في الفيلم الذي يخص ألم المخاض، انتقلت الكاميرا إلى ولادة من نوع آخر، حيث «الخنافس» تنتظر أن يفقس بيضها، لتظهر ثلاثة خنافس صغيرة، تحاول تعلم الطيران، لكن آخرها يخفق، ويتعرض لسخرية من حشرات نوع آخر، وبسبب فشله في الطيران، ومحاولته البائسة دوماً في ايجاد مأوى له، ورفض الآخرين لاستيعاب شغفه بالتحليق، وإنكار هذا الحق عليه، يصل إلى المكان الذي خلفه الزوجان وراءهما، ويرى كمية كبيرة من الحشرات المتنوعة تحاول أخذ ما تستطيع من هذه الوليمة الكبيرة، فيختبئ داخل علبة من مكعبات السكر، في هذا الحين تكون مجموعة من النمل الأسود موجودة تحاول البحث عما يليق بواديها، وبالصدفة تقع عيون القائد على علبة السكر فيتذوق قطعة منها، فيعلم أن هذا هو المطلوب، فيأمر رفاقه بلغة موسيقية عذبة سهلة، تفسيرها أن يلقوا ما بأيديهم، ويشدوا رحالهم لحمل علبة السكر التي يختبئ فيها الخنفس الصغير.

 

العدو المتربص

قد يعتقد البعض أن صفة الفيلم كصامت، ستبعث الملل في نفس المشاهد، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فهو فيلم مليء بالتفاصيل والمغامرات، ولغة الموسيقى فيه تريح النفس، وتجعلها توّاقة لمعرفة المزيد، يشعر المشاهد بأنه أمام حفل موسيقي، فيه أداء وحكاية من الجميل أن تسمع إلى النهاية.

فبعد مسيرة النمل الأسود وعلبة السكر فوق رؤوسها، يواجه النمل أول عدو، وهو حرباء تحاول الاستحواذ على غنيمة النمل، إلا أن الخنفس الصغير المختبئ ينقذ النمل عبر إطلاق صوت موسيقي يخيف الحرباء فتهرب، ومنذ هذه اللحظة أصبح الخنفس حليف النمل وصديقهم الوفي، ووعدوه أيضاً من خلال تعابير موسيقية بأن يحموه، لتبدأ رحلة مليئة بالمخاطر، التي لم يكن أصعبها الحرباء، فقد وصل النمل إلى نقطة، واجه فيها مجموعة كبيرة من النمل الأحمر، حاول قائد النمل الأسود أن يفض أي نزاع مرتقب من خلال تقديم قطعة من السكر، إلا أن قائد النمل الأحمر لم يقنع بذلك، بل وقرر سلب علبة السكر، فبدأ النمل بالملاحقة بحراً وبراً، ونجا النمل الأسود بأعجوبة حتى وصل إلى واديه.

يعتقد المشاهد أن الحرب انتهت بين النمل الأسود والنمل الأحمر، عندما استطاع الأول الوصول إلى واديه، ومعه ضيفه الخنفس، وقدم في مشهد كوميدي قطع السكر الى رئيسته، وهي نملة ضخمة جداً، شعرت بالفرح الكبير عندما تذوقت السكر، فكافأت النمل.

يعيش النمل في قلعة رملية، متأهب لأي نوع من الخطر، يغلق البوابة من خلال حجر كبير، ومع كل هذا الصخب، لايزال الخنفس يحاول التحليق ويفشل، دون أن يعلم سرّه أحد، في هذه الأثناء أيضاً، يكون قائد النمل الأحمر وصل إلى منطقته وحدث رئيستهم بكل شيء، وبعلبة السكر الموجودة في وادي النمل الأسود، فتقرر الرئيسة حشد جيوش من النمل الأحمر لتعلن الحرب رسمياً على النمل الأسود.

الجميل في الفيلم أن الكاميرا عندما تركز على عملية الكر والفر، والاختباء والسباحة وغيرها، يشعر المشاهد أنه أمام مساحات شاسعة، ومناطق بعيدة عن بعضها، لكن عندما تبتعد الكاميرا يدرك أن المنطقة واحدة، لكن بسبب صغر الحشرات وبطء حركتها يشعر بأن المسافات كبيرة جداً ومتقطعة.

وبينما ينام النمل الأسود وصديقه الخنفس في أمان، يحلم الأخير بأنه يطير مع أقرانه، ويشرب من زهر الرمان، ويستيقظ من نومه مغتاظاً، فيقرر الذهاب إلى سطح القلعة الرملية، ويحاول الطيران، لكنه يفشل، حينها رآه صديقه قائد النمل الأسود وعلم سره، وبلغة الموسيقى أيضاً أشعره بأن الحافز وحده ما سيجعله يطير، وهذا بالفعل ما سيحدث لاحقاً.

في غمرة حوارهما الموسيقي، يسمعان موسيقى من نوع آخر، فيها نشاز، لها علاقة بالحرب وطبولها، فيستطلعان الأمر فيجدان جيشا كاملا من النمل الأحمر قد وصل إلى الوادي، فتدق أجراس الإنذار، خصوصاً بعد الشعور بالخوف بسبب وجود سلاح فتاك (البيف باف) في حوزة النمل الأحمر.

يستعد النمل الأسود، ويصمم جيشه على التصدي حتى ولو بأقل الإمكانات، فالنمل مدني بطبعه لا يملك أسلحة، لكنه صاحب حق في علبة السكر، ولن يتنازل عنها أبداً، خصوصاً مع وجود الخنفس التوّاق إلى التحليق، وهو الذي منحها الأمل.

مقالات فرنسية عدة، تناولت الفيلم، اتفقت على أن الخنفس هو العربي الذي يحاول الطيران، وأن النمل الأسود هو الشعوب المسالمة، والنمل الأحمر الأنظمة الديكتاتورية التي تفتك بشعوبها بكل وسائل القتل والحرب، وكأنها تحارب أعداء لها.

 

التصدي والتحليق

يحاول قائد جيش النمل الأسود أن يجد مخرجاً من خلال البحث في مخزن القلعة عن أي أدوات يستطيعون بها مواجهة جيش النمل الأحمر الذي يمتلك أسلحة فتاكة، فيجد علبة فيها مفرقعات جوية، وبجانبها علبة كبريت، يجبر الجيش على استخدامها فتنجح، لكن المشكلة أن علبة الكبريت لا يوجد فيها سوى ثقاب واحد، فيدب الحزن فيهم، خصوصاً أن النمل الأحمر استطاع أن يصل إلى الحجر الذي يغلق قلعتهم، وبدأ بمحاولة دفعه للدخول والاستيلاء على علبة السكر.

هنا يقرر الخنفس أن يساعد أصدقاءه من النمل الأسود، خصوصاً أنه تذكر حينما كان في المكان المليء بالأطعمة كانت هناك علبة كبريت، وبسبب هذا الشغف بإنقاذ أصدقائه المظلومين، يستطيع التحليق، ويصل إلى المكان، لكن قبل أن يطير بالعلبة، تستولي عليها حشرة من نوع آخر أشبه بالعنكبوت، لكن الخنفس يلحق بها.

العنكبوت يعيش في بيت دمى يحافظ عليه، يستعين بكل ما له علاقة بزيادة رونقه، فهو فنان، ويحب الرسم، وكان يريد من علبة الثقاب أن يصنع منها إطارات للوحات، في هذه الأثناء تظهر الحرباء مرة أخرى، تحاول قتل الخنفس وابتلاعه، لكن العنكبوت تنقذه، وتعتني به، حتى يفيق، وتدرك قصته، وتدعمه وتسمح له بالطيران مع علبة الكبريت، فهي تدرك معنى الحرية والطيران لمن لديه أجنحة ولا يستطيع التحليق.

لكن قبل أن يصل إلى الوادي يكون قد التقى مولوداً حديثاً من فصيلته تعرض للسخرية من قبل بعض الحشرات، فيقف إلى جانبه ويأخذ بيده، ويجعل الحشرات تلحق به إلى أن يصلوا إلى الشارع الرئيس مع قدوم سيارة تسحق الحشرات التي استهزأت بضعفهم، فيشعر بقوة مضاعفة تجعله يكمل مسيرته لإنقاذ أصدقائه.

يصل الخنفس إلى وادي النمل الأسود، ويعمل الجيش على تحديد هدفه ويشعل مفرقعاته النارية، التي تجعل النمل الأحمر يفر، لكن هذا يخلف نيراناً في الوادي، لتأتي طائرة بشرية ترش النيران بالماء، وتهدم القلعة أيضاً. يودع الخنفس أصدقاءه، ويعود إلى دياره، ومن الواضح أن السنين مرت، إذ أصبح أباً يعلم أبناءه التحليق، ويقرر زيارة أصدقائه في وادي النمل الأسود، ويرى أن النمل الأسود مازال يحاول بناء ما هدمته الطائرات بعزيمة ونشاط وحب.

تويتر