فيلم عن تاريخ معاناة الأميركيـين - الأفارقة

«كبـيـر الخدم».. ينبغي ألا يشعر «بلونك» أحد

في اللحظة الأولى منذ دخول كبير الخدم البيت الأبيض يصبح شاهداً على كل ما يدور في هذا البيت من موضوعات سياسية واجتماعية وحتى خلافات أسرية، ومع أنه دائماً موجود الى جانب الرئيس لكنه لم ينس النصيحة في سبب نجاحه «يجب أن لا يشعر أحد بوجودك». أرشيفية

كل شيء في فيلم «كبير الخدم» الذي يعرض في دور السينما المحلية، يوحي باللون الأبيض، بداية من مزارع القطن، وانتهاءً بالبيت الأبيض، باستثناء بشر كل مشكلتهم تتمثل بلون بشرتهم السوداء، فلم يكن غريباً على المخرج لي دانييلز أن يبدأ قصة فيلمه المستوحاة من أحداث حقيقية حول كبير الخدم، واسمه الحقيقي يوجين ألين، بينما اسمه في الفيلم سيسيل جاينز، الذي خدم في البيت الأبيض 34 عاماً، وشهد مراحل ثمانية رؤساء، بقول مأثور على لسان الراحل مارتن لوثر كينج «الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام، فقط الضوء يستطيع أن يفعل ذلك».

لمشاهدة تفاصيل أكثر عن الموضوع، يرجي الضغط علي هذا الرابط.

الفيلم شاركت فيه كوكبة من الفنانين كضيوف شرف، على رأسهم المطربة ماريا كاري، أما الأدوار الرئيسة فانحصرت في فورست ويتكر والإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري.

يريد الفيلم أن يوصل معاناة الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، وكفاحهم لكسب حقوقهم ومساواتهم مع مواطني الدولة البيض البشرة، منذ الخمسينات من القرن الماضي، يظهر الطفل سيسيل إلى جانب والده ووالدته يحصدون القطن، مع مجموعة غفيرة من أصحاب البشرة السوداء، في تلك الأثناء يتضح إعجاب الابن بأبيه عن طريق أسئلة عادة لا يوجد إجابة لها، خصوصاً عندما جاء ابن مالكة الأرض واختار الأم كي يمارس معها الجنس، هنا يغضب الطفل سيسيل، ويطلب من أبيه الدفاع عن زوجته وسط صمت الجميع، ينتهي ابن مالكة الأرض من ممارسته ويخرج، ومن شدة قهر الطفل وعتابه لوالده ينتفض الأخير ويقرر مناداة الابن المدلل الأبيض المغتصب لزوجته، فيكون الرد رصاصة تنهي حياته، وتطلب مالكة الأرض من الخدم حفر قبر له، وتقرر اصطحاب سيسيل الصغير إلى منزلها كي تعلمه أصول الخدمة المنزلية لكبار الشخصيات، ومن بينهم قاتل والده، وهنا تبدأ حكاية كبير الخدم مع جملة تكررت في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان عمل فيه قبل وصوله الى البيت الأبيض «أنت لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، وإضافة الى ذلك لا يجب أن يشعر بوجودك أحد».

تصاب والدة سيسيل بالجنون بعد دفن زوجها، ويتعلم الصغير فنون الخدمة للشخصيات الراقية، ويكبر فيقرر مغادرة المدينة، ويقول: «يجب أن أغادر قبل أن أقتل»، يودع والدته والمالكة ويرحل، متحملاً الجوع والعطش والبرد، الى أن يصل إلى مرحلة لم تعد طاقته تسعفه أكثر، فيكسر نافذة محل تابع لفندق ويتناول قالب كعك كبيراً، وهو يدرك أن ثمن هذا قد تكون روحه؛ فيقول: «في تلك الفترة كان يستطيع أي شخص أبيض أن يقتل زنجياً (وهو الوصف الذي كان يستخدم حينها) دون أن تتم مراجعته»، وتلعب المصادفة الحسنة معه بأن يكون كبير الخدم في الفندق من عِرقه، فيقرر حمايته، بل ويمنحه فرصة عمل خاصة، بعد أن كشف ذوقه الرفيع في معايير الخدمة.

«واشنطن العاصمة التي يوجد فيها القتل أقل»، هكذا وصفها سيسيل عندما عرض عليه كبير الخدم في الفندق فرصة جاءت إليه للعمل في فندق بواشنطن، فرشحه لها، ينتقل سيسيل إلى هناك، ويتضح أنه كان يشعر بالرضا، فلديه على الأقل منزل جميل حتى لو كان مقروناً بمنطقة خاصة للسود، وزوجة (أدت دورها وينفري) وولدان يتعلمان في مدارس جيدة، لكنها خاصة للسود، التمرد واضح في عيني الابن الأكبر (لويس) الذي أصبح في الواقع شخصية مؤثرة في المجتمع الأميركي ويشغل مكانة سياسية، وهو من تلامذة مارتن لوثر كينج، وابن أصغر يكبر على التغيرات الجذرية التي تحدث في أميركا، وانتماؤه للوطن أكبر من العِرق، وكان الثمن موته في فيتنام إيماناً منه أن الوطن عندما يقرر الحرب فهو على حق.

في يوم عائلي يتلقى سيسيل اتصالاً هاتفياً من مسؤوله في الفندق، وقبل أن يرد يرتجف ويتوقع الأسوأ، ويقول: «مكالمة هاتفية في هذا الوقت من مسؤول أبيض لا تبشر بالخير» كان سلبياً في مشاعره تجاه كل ما يحدث، فهذه المكالمة كانت نتيجة أنه في يوم خدمته كان يناقش موضوع خلط المدارس بجميع الأعراق، فسأله مسؤول كبير عن رأيه، فأجاب «السياسة لا تعنيه، وهو شخصياً لا يقبل هذا الخلط»، هذه الإجابة لفتت انتباه مدير التوظيف في البيت الأبيض، وكانت المكالمة التي توجّس منها لتهنئته على هذا المنصب ككبير خدم، وكان هذا في عهد الرئيس دوايت إيزنهاور.

في اللحظة الأولى منذ دخوله البيت الأبيض يصبح شاهداً على كل ما يدور في هذا البيت من موضوعات سياسية واجتماعية، وحتى خلافات أسرية، ومع أنه دائما موجود الى جانب الرئيس، لكنه لم ينسَ النصيحة في سبب نجاحه «يجب ألا يشعر أحد بوجودك».

ومنذ اللحظة الأولى ايضاً تطلب منه زوجته غلوريا ان يصطحبها الى البيت الأبيض، وتسأله كم زوجاً من الأحذية في خزانة السيدة الأولى، وقد شهد زوجها مرحلة ثمانية رؤساء وزوجاتهم.

شخصية زوجة كبير الخدم غلوريا التي أعادت الإعلامية أوبرا وينفري إلى الشاشة الكبيرة، والتي أتقنتها بشكل يستحق الثناء، شخصية مركبة، واستطاعت وينفري أن تجسد جميع المشاعر التي من الممكن أن تعتري امرأة تعاني غياب زوجها نتيجة ساعات عمله الطويلة، وتحملها لتحرشات جارها المقامر الذي أدى دوره تيرينس هوارد، فتلجأ الى إدمان الكحول الذي تزامن مع تخرّج ابنها في مدرسته والتحاقه بجامعة بعيداً عن واشنطن، وترك الجامعة لينضم إلى مشروع لوثر كينج الذي دعا فيه إلى نبذ العنف في المطالبة بالحقوق، كما فعل غاندي.

هذه الأم والزوجة والصديقة، وهي في الأساس خادمة في السابق أيضاً، لم تتورع عن صفع ابنها المتمرد الذي غاب عن المنزل خمس سنوات، وترك أيضاً فكرة لوثر كينح، وانجرف مع حزب الفهود السوداء الذي كان يجابه العنف بالعنف، لكنه ترك ذلك الحزب في اللحظة التي شعر فيها بأنه لا يستطيع القتل، صفعته الأم عندما عاير والده بوظيفته وطردته من المنزل، واستطاعت أن تنقل إحساس السعادة بشكل كامل عندما قرر الرئيس ريغان، وهو آخر رئيس عمل على خدمته بطل الحكاية، أن يدعوه وزوجته كضيفين في حفلة كبيرة وخاصة، كانت اللمعة في عيونها واضحة والسعادة كبيرة على عكس الشعور الذي شعر فيه كبير الخدم الذي يُخدم للمرة الأولى في حياته من قبل خدم القصر.

وعودة إلى تفاصيل حياة كبير الخدم الذي كان الرئيس الأقرب الى قلبه هو جون كينيدي، وحين تم اغتياله كان يبكي بحرقة، ويقول: «مات الرجل الأبيض الوحيد الذي وقف معنا»، حتى إن زوجة كينيدي أهدته ربطة العنق التي كان يرتديها لحظة اغتياله، والتي لبسها في المشهد الأخير الذي سنتحدث عنه لاحقاً، فكينيدي أجبر المدارس وإداراتها على استقبال الطلبة السود الجدد، بل وأرسل جيشاً لحمايتهم، وغيرها من الأمور المتعلقة بالحقوق المدنية لهم، ما يؤكد أن حرية الأميركيين - الافارقة لم تكن أمراً سهل التحقيق.

في جانب آخر، وبعد موت ابنه الأصغر، تحديداً في حرب فيتنام، وهو أول انخراط للسود إلى جانب البيض في الجيش، يقرر كبير الخدم الذي فقد ثقته كلياً بابنه الأكبر لويس أن يتقبله مرة ثانية، خصوصاً أن لويس لم يحضر جنازة شقيقه، لكنه استطاع أن يكمل دراسته التي تخصص بها في العلوم السياسية، وأصبح في فترة الثمانينات صاحب مكانة اجتماعية، وهي الفترة التي أصبح فيها كبير الخدم عجوزاً، وكان هذا في عهد ريغان الذي كان يثق به، خصوصاً في إيصال النقود لمن يطلبها، مع اعتراض مستشاريه على هذا الفعل، لكن قبل مغادرة البيت الأبيض أصر كبير الخدم المحبوب أن يحقق شيئاً كان يطالب به طوال خدمته، وهو أن يتساوى راتب الموظف الأسود مع الأبيض، فيذهب الى مدير التوظيف الذي لم يبتسم في وجهه هذه المرة، ويرفض طلبه باستمرار، فيقف أمامه ويقول «توقعت رفضك، لذلك قلت للرئيس إنك سترفض»، وللمرة الأولى يشعر كبير الخدم بانتصار خاص لعِرقه، ويغادر القصر، لكن هذه المرة ليس إلى منزله بل إلى تظاهرة تطالب ريغان بالوقوف إلى جانب المضطهدين بسبب لون بشرتهم السوداء في جنوب إفريقيا، بعد أن وصلوا إلى مرحلة المساواة التي أخذت من أرواحهم الكثير، يراه ابنه لويس فيهرع إلى والده الذي لم يرَه منذ سنوات، يسأله عن سبب وجوده، فيقول: «جئت لأشارك معكم في نصرة المنبوذين».

وتمر السنوات ويكبر «كبير الخدم» وزوجته معاً التي توفيت في وقت ترشح أول رئيس أميركي أسود للولايات المتحدة الأميركية، لكنها شهدت على هذا، وينتهي المشهد في دعوة البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما كبير الخدم لزيارته.

تويتر