فيلم نجوم الغانم يتناول جانباً من سيرة الفنانة حويجة

«أمل» يرصد غربة مزدوجة

صورة

«الغربة» لا يشعر بها إلا من يعيشها، ويشعر بتفاصيلها في حياته اليومية، وهي ذات مستويات متعددة. ومع أن الحياة تبدلت في جوانب منها، إلا أن الغربة تمثل واقعا بالنسبة للمخرجة السينمائية والشاعرة نجوم الغانم، إذ تعد قصة فيلمها «أمل» تصور نظرة واقعية معمقة في حياة كل مغترب. ويرصد الفيلم الذي يتناول قصة الفنانة السورية أمل حويجة، الغربة المزدوجة التي تعيشها الفنانة، على صعيدي المكان والذات.

 «كابتن ماجد»
من لا يعرف أمل حويجة، لابد أنه شاهد الكثير من أعمال الدوبلاج الكرتونية مثل الكابتن ماجد، الذي كان بصوت حويجة، ومسلسل اروبن هودب، وشخصية اماوكليب فتى الأدغال، أما ما لا يعرفه كثيرون أن حويجة هي من جسدت شخصية مهرجان دبي للتسوق عبر ايقونة امدهشب، فضلاً عن العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية.

وترفض الفنانة حويجة الآن العمل في أعمال دوبلاج لمسلسلات كرتونية الأنها تحتوي الكثير من العنف، إذ لا تفضل أن يتعرض له الطفلب، وفق قولها.
شد انتباه

المخرجة والشاعرة الإماراتية نجوم الغانم، تقول إن افيلم (أمل) يعد من الأفلام الطويلة على عكس المعتاد، وفوجئت بأن الفيلم شد انتباه الكثيرين من المتفرجين، كونه يلامس واقع كل مغتربب.
تعارف

تقول نجوم الغانم افي البداية يجب القول إنني لم أكن أعرف أمل حويجة بشكل شخصي، ولكن في 2003 تعرفت إليها عن قرب عبر أحد الأصدقاء، وفوجئت بثقافتها العالية المستوى وفكرها وإبداعها، والغريب أنها كانت نجمة في سورية، لكن لم يعرفها أحد عندما جاءت إلى الإماراتب.
تشوّه

عرضت نجوم الغانم على الفنانة أمل حويجة المشاركة في فيلم اأملب، واستغربت ردة فعلها، لكنها بررت دهشتها بأنها في سورية قوبلت بالرفض، بسبب وجود شبه تشوّه في وجهها، الأمر الذي جعل الغانم تتمسك بها، لتجسيد فكرة الفيلم.
واقع

نجوم الغانم تقول، حول إذا ما كان الفيلم منحازا للمغتربين: احاولت أن أكون صادقة في الفيلم، وركزت على التفاصيل الحقيقية لحياة المغتربة، التي عاشت عزلتها بعيداً عن المكانب.

عرضت الغانم فيلم «أمل»، الذي قد يراه البعض متحيزاً للمغتربين، الذين سعوا إلى فرصة جيدة تستحق الاغتراب، إلا أن المخرجة وجدت في الفيلم فرصة لتعكس الواقع وتجسده بكل صدق ودون تحيز، لاسيما أنها عاشت تجربة الاغتراب في فترة من حياتها، بكل تفاصيلها، فكان الفيلم واقعياً في طرحه، ويلامس الجانب الانساني للشخص، ومعاناته وصراعه مع الغربة.

تمثل الغربة في الفيلم مفهوم غربة الذات، والاعتزال عن المحيط أكثر من غربة المكان، وإن كان لتغيير المكان أثر نفسي في الشخص، إلا أن السنين كفيلة بمعالجة ذلك النوع من الاغتراب، خصوصاً أن الانسان بتركيبته الفسيولوجية قادر على التجاوب مع المتغيرات المكانية بمرور الزمن.

يجمع فيلم «امل»، الذي يصنف بأنه مادة توثيقية بصرية عن الممثلة السورية أمل حويجة، مزيجا من المشاعر الانسانية المختلطة، تبدأ من الرغبة في السفر، واتخاذ قرار الغربة حلا أمثل لا يتجاوز عاما واحدا، وقبول فرصة العمل من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، والبحث عن فرصة مناسبة للمستوى الفني الذي وصلت إليه حويجة في بلدها سورية (الشام)، لتجد نفسها في صراع مع الذات والمحيط، في محاولات فاشلة لتقبل الوضع الجديد.

حويجة تركت في «الشام» تاريخها الفني، بين أعمال مسرحية جادة وأخرى تلفزيونية ،غيرت مسيرة حياتها المهنية، لاسيما أنها عرفت في الشارع السوري، ولديها جمهور يتابع إبداعها. كما أنها ارتبطت بعلاقات فنية وصداقات وثيقة بزملائها في المجال الفني، ما صعّب عليها فكرة الرحيل عنهم، والابتعاد عن جمهورها لفترة أطول من ما كانت تطمح إليه أو تتوقعه.

في العام 2009، وصلت حويجة إلى مطار أبوظبي الدولي، للعمل في مجلة «ماجد»، وكانت مثل فراشة سعيدة، تنتظر واقعاً مشرقاً وزهوراً ملونة، تتنقل من واحدة إلى أخرى، وكانت مقبلة على الحياة، واكتشاف تفاصيل البلد الذي تركت من أجله الكثير من الذكريات، في سبيل تحقيق أحلام طالما أرادت تحقيقها، منها تمويل الفرقة المسرحية التي أسستها مع صديقات لها.

لم تشعر حويجة بالغربة في الإمارات، لأن البلد فيه الكثير من التفاصيل المبهرة، التي تستحق عناء الاكتشاف والمغامرة، على عكس ما وصلها من معلومات مغلوطة قبل وصولها، لكنها تخطت في هذا البلد الكثير من مخاوفها، ومن بينها خوفها الشديد من البحر، الذي تحول في أبوظبي إلى رفيق دائم لوحدتها التي عاشتها لاحقاً، فتحولت مشاعر الخوف إلى صداقة، تعبر عنها حويجة بأنها «قصة تستحق المتابعة».

يرصد الفيلم ــ بشكل تصاعدي ــ الأحداث التي مرت بها أمل حويجة، وكيف دخلت في دوامة الرتابة في العمل، بعد ان كانت تشعر بالبهجة أثناء عملها بالمجلة، خصوصاً بعد ارتباطها بشخصية «ماجد»، التي جسدتها في الاعلان عن المجلة، والتواصل مع القراء الصغار. كما أنها باتت تشكو قسوة الحياة والملل والرتابة، التي تسللت تدريجياً إلى جدولها اليومي، لاسيما شعورها الدائم بالوحدة، في ظل بعدها عن زوجها وعائلتها وأصدقائها وفنها.

حرصت على متابعة النشاطات الثقافية المقامة في أبوظبي، لاسيما تلك التي تأجج حنينها إلى «الشام»، مثل حفلات الفنانين السوريين، وفي عبارة تحمل من الشوق والحنين الكثير لـ«رائحة الشام»، والرغبة في العودة إلى الشام وذكريات مليئة بالحب والحزن، إذ تقول حويجة في مشهد من الفيلم «لم أتوقع أن أعشق ميادة الحناوي، وأتمنى أن أحضنها، إلا في الإمارات». وتضيف «الحياة في الإمارات سهلة، والأمان لا يقدر بثمن، ما يجعل المغترب يرغب التعمق في الغربة، ويوسع فترة بقائه بعيداً عن بلده، بالتالي تتسع الفجوة بينه وبين عالمه الأول».

أما ما كانت تعانيه حويجة، فيتمثل في كون الجميع يلهث وراء لقمة العيش، وتحقيق الأمنيات في أرض الأحلام، كما أن غلاء إيجارات الشقق أثر سلباً فيها، خصوصاً أنها تعشق البيوت الواسعة والمساحات الفارغة، لتجد نفسها محاصرة بأثاث مكدس في شقة من غرفة واحدة (استوديو)، مقسم الحدود بستائر لضمان الخصوصية.

ويزيد اغتراب حويجة، وفق قولها، وجود ظاهرة المجاملة في المستوى الثقافي، «رغم أن الإمارات تتمتع بحرية اجتماعية وفكرية تفوق الكثير من دول العالم، إلا أن الثقافة فيها نوع من المجاملات».

أما ما يعمق آلامها ووحدتها الفنية، فهو أنها في سورية كانت تعيش في مستوى فني مرموق، كونها فنانة معروفة، أما في الإمارات فلا أحد يعرف من هي أمل حويجة، إلا بعض من أبناء جاليتها، فهي مغتربة عن بلدها وتشعر بغربة داخلية أيضا، كونها فنانة ذات حساسية عالية تجاه الحياة وتقلباتها.

لكن ما أثقل كاهل أمل حويجة، هو حالة الشتات التي كانت تعيشها مع زوجها المغترب هو الآخر في اليونان، ووفاة والدتها التي جمعتهما علاقة مليئة بالعتب، رغم المشاعر الكثيرة التي لم يبحْ بها أحد الطرفين للآخر. ومع كل تفاصيل الاغتراب، قررت حويجة أن تعود إلى سورية، وتنهي فترة اغترابها المكاني، وتطفئ نار الحنين بلقاء المحبين، لكنها لم تكمل عامها الأول في سورية، لترجع إلى الإمارات من جديد، بعد ان ثارت سورية ضد النظام، وما تبع ذلك من قتل يومي، وانضمت صديقتها إلى الثورة، وتلاشى مشروع الفرقة المسرحية.

تويتر