يحكي قصة مغتربين سوريين انسلخا عن واقع الموت

«الكلب».. عن الألم الذي يعيش فينا

«الكلب».. كل شيء يعيش فينا حتى لو أنكرناه. من المصدر

كل شيء يعيش فينا، حتى لو أنكرناه، فما بالكم اذا كان هذا الشيء من لحم ودم وقصف ومجزرة، هذه هي الحكاية ببساطة لفيلم «الكلب» الذي يعد التجربة الأولى للمخرج الفرنسي من أصل سوري المقيم في أبوظبي فارس خاشوق، والذي عرض أول مرة في مهرجان «كان» السينمائي في دورته الفائتة، وكان لـ«الإمارات اليوم» فرصة مشاهدة الفيلم في حضرة مخرجه الذي أكد أن الذي يحدث في بلده سورية جعله يستقيل من عمله ليفكر بطريقة تتلاءم ووضعه كمغترب يدعم فيها ثورة شعبه، ولم يجد سوى رسوماته المنتشرة في كل أنحاء العالم، ليشعر أنه لم يفِ بالوعد بعد، فعمل على صنع هذا الفيلم الذي يحكي المغترب السوري الذي يفكر بأنانية في بعض الأحيان، ويبتعد عن دعم ثورة شعبه، لأنهم أفسدوا عليه اجازته السنوية، مستخدماً مصطلحات لها علاقة بالتكبر على من بدأ الثورة في أماكن لم نعرفها سوى من خلال نشرات الأخبار، كجملة «كلب وفطس» او «أبوشحاطة»، وغيرها من العبارات الفوقية التي لم تراعِ أن هؤلاء حملوا أكفانهم بأيديهم عندما قرروا أن يصدحوا بصوتهم مطالبين بالحرية ورحيل النظام، صوت وقفت امامه الدبابات والطائرات والسكاكين التي استأصلت حنجرة مطرب الثورة ابراهيم قاشوش، وقطعت أعضاء الطفل حمزة الخطيب، اسماء موجودة لا محالة في الفيلم الذي استخدم طريقة ابتكارية لمواجهة كل من يحاول الهروب من تلك الأسماء المتمثلة ببشر وببيوت وحياة كاملة ترتكب فيها كل يوم مجزرة.

عن قرب

الفيلم مدته ‬20 دقيقة وشارك في بطولته بشار مقيد، وهو مهندس معلوماتية يقيم بالإمارات، وحضور بسيط لشقيقة المخرج السينمائية السورية عليا خاشوق، والمخرج نفسه يدور حول شابين مغتربين، من الواضح عليهما الرخاء في العيش، يعيشان الثورة السورية من خلال متابعتها للأخبار اليومية التي تبثها قناة «دنيا»، وبناء عليه يتخذان ردود فعلهما من خلال جملة تتكرر متمثلة بـ«كلب وفطس»، تعبيراً مجازياً عن كل شخص مات منذ بدء الثورة التي على صوتها في درعا، ولدرعا حسب مخرج العمل قصة، من قبل الثورة السورية كان أهالي درعا يوسمون بصفات تدل على فوقية من هو غير درعاوي كـ«أبوشحاطة»، وهي الصفة التي لم يحتملها هذان الشابان المغتربان بأن أهالي «أبوشحاطة» يريدون الحرية، حتى أن أحدهم قرر، ومن خلال هاتف مع عائلته في سورية، أنه اذا نزل يعمل بهؤلاء أكثر مما يرتكبه النظام بحقهم، هذا المشهد تحديداً يضع الصورة واضحة أن الذين يدعمون النظام هم يعرفون تماماً اجرامه، فهم يدينونه من دون وعي، لأنهم يعرفون أن اللغة لدى هذا النظام منذ ‬40 عاماً لا تعرف سوى القتل والدم، اذاً السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يقف هؤلاء الى اللحظة مع نظام الاسد؟».

الأنانية

الجواب ببساطة يتمثل في المشهد الثاني بعد حوار مع الشابين أحدهما ضد الثورة لأنها ببساطة ستؤجل اجازتهم السنوية والتي ان حدثت لن تكون مرضية بسبب القلق العام، هذا الجواب المفاجئ الذي يلغي أي شعور وتعاطف انساني مع ابناء الشعب الواحد هو محور الفيلم. خاشوق يريد أن يصل الى حد استيعاب هذا الجواب الذي لا يمكن أن يكون سوى أناني، فماذا يعني شرب كأس كحول على دم مسكوب بيد سورية، هذه معضلة انسانية قد تؤسس لمستقبل مخيف له علاقة بمعنى المواطنة والوطنية لأجل الوطن.

المواجهة المرة

هناك تقنية في مونتاج وإخراج أفلام السينما تدعى «المونتاج المتقاطع أو المونتاج المتوازي»، وهي الانتقال بين مشهدين لهما علاقة ببعضهما بعضاً كي يتم توظيف رابط ما خفي أو ظاهر بين المشهدين، وربما من أشهر تطبيقاتها كان أحد مشاهد فيلم «الأب الروحي»، حين كان مايكل كوروليوني زعيم العصابة يردد خلف القس في الكنيسة بعض المقاطع الدينية، بينما تنتقل الكاميرا لتصور رجاله وهم يقتلون رجلاً وزوجته، ثم تعود الكاميرا لمايكل وهو يردد: أُنكر رجس الشيطان.. وأرفض جميع أفعاله!

هذا المشهد تحديداً يشبه إلى حد كبير مشهد حالة الإنكار التي تلازمت مع الشابين ليتواجها مع خبر هذه المرة غير موجود على قناة «الدنيا»، بل على قناة اخبارية أخرى توقفت على وجه حمزة الخطيب، يتصل الشاب بصديقه ويقول له بطريقة لئيمة لا تعبر عن وجهه المتعاطف ضمنياً مع وجه حمزة الخطيب «على رأيك كلب وفطس»، لتنقطع الكهرباء عنه وتتداخل اصوات لها علاقة بالغضب السماوي على ما يبدو، يشعر بالخوف ويقرر النوم منكراً كل تلك الأصوات التي لها علاقة بالنحيب والبكاء والقهر، وفي توظيف للمشهد الثلاثي الأبعاد تظهر غيوم وبرق ورعد فوق سريره، يشعر أنه في كابوس يجب أن يستيقظ منه، ويأتي الصباح، لكنه ليس ككل صباح، فأمام المرآة تظهر الحقيقة كاملة كامنة على جسده، فحمزة الخطيب منذ تلك اللحظة لن يبارح جسده مهما حاول الهروب منه، هي الحقيقة التي يريد المخرج أن يحكيها، أن الانكار لن يجعل من الحياة جميلة.

يعيشون فينا

تمر المشاهد بعد ذلك متراصة تسلط الضوء على من سكن اسم حمزة الخطيب جسده، لم تعد صباحاته مثل أمس، كل يوم يتقوقع على نفسه أكثر، يخاف من الخارج يقدم على طلب اجازة ولا يبارح شاشة التلفاز، وكل اسم يموت في سورية يعيش فيه، يحاول الهروب دون مناص، وصوت البكاء أصبح يوقظه ولون الدم عبأ مطرحه، يقرر الخروج الى صديقه الآخر الذي انقطع عنه هو الآخر، يمشي في هدوء الى المصعد وهو يلفح نفسه بالثياب خوفاً من كشف مأساة تعيش على جلده، يطرق الباب، يفتح له صديقه بملامح الوجه نفسها، يبدأ بالحديث عن أن كل من مات يحاصره ويعيش عليه كوشم لا يمكن ازالته، وفي مشهد صامت يبدأ صديقه بنزع ملابسه عنه لنجد مجزرة الحولة، وغيرها من أسماء المجازر تحوم حولهما، تعيش وتسكن جسديهما، فيخيم الصمت عليهما في حضرة كل هذا الموت.

تعريف المخرج

خاشوق الذي من المفترض أن يعرض فيلمه «الكلب» في أحد المهرجانين «دبي أو أبوظبي» السينمائيين يعرف فيلمه بمحاولة للتغلغل واكتشاف العقلية السورية الموشومة بحكم الديكتاتور على مدى أكثر من ‬40 عاماً، عبر ردود فعل بعض السوريين في المغترب تجاه الثورة السورية. في خليط من الأنانية والاستخفاف بالدم السوري، يقف شابان من مترفي المغترب ضد نضال السوريين وثورتهم، لا يسامحونها كيف أفسدت عليهما إجازتهما السنوية، غير آبهيَن بالدم المراق، بمآسي السوريين البؤساء في الداخل، وبنضالهم من أجل الحرية.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

تويتر