يعود إلى الواجهة مرة أخرى وتعرضه جامعات في مصر وتونس
«برسبوليس».. مارجان بين الشاه والخــميني
وصية الأب لمارجان عند رحيلها عن الوطن: «لا تنسي من أنت ومن أين أتيت فالمستقبل الذي يحتمل الجميع سيصنع بأيديكم». من المصدر
مع أقل من شهر من موعد الانتخابات في إيران التي بات اسمها مقترناً بشكل سلبي بالكثير من الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية، إضافة إلى سيطرة التيارات الاسلامية على فضاء «الربيع العربي» يعود فيلم الكرتون الايراني «بلاد فارس» أو (برسبوليس) بالأبيض والأسود باستثناء مشاهد قليلة ملونة لمخرجته وكاتبته مارجان ساترابي إلى الواجهة مرة ثانية، والتي تحكي فيه قصة حياتها منذ الانقلاب على شاه ايران، والفرح الغامر الذي أدى الى توحيد صفوف الشيوعيين والليبراليين مع الاسلاميين في هذا الحدث، ثم الارتطام بواقع سيطرة الخميني الكاملة على السلطة ومحاربة معارضيه، من خلال تصفيتهم واعدامهم بشكل جماعي، مع نفحة أمل تظهر كثيراً في انبثاق فجر جديد لا محالة في ايران عاجلاً أم آجلاً، من خلال شخصيات متشابكة تبدأ بها كطفلة متأثرة بعمها المعتقل في زمن الشاه، والذي اعتقل مرة ثانية في زمن الخميني، مروراً بجدتها ووالدتها اللتين يصران على ذهابها الى خارج ايران، لأنها يجب أن تكون حرة، اضافة إلى علاقات أدت إلى اكتئابها ومحاولتها الانتحار، وليس انتهاءً بقرارها الهجرة إلى فرنسا وإلى الأبد.
تاريخ وصدمة
|
لمشاهدة المزيد من المواضيع عن الفن السابع، يرجى الضغط على هذا الرابط. إسقاط على الجديد المشهد الذي تناول كيف توحدت الصفوف ضد الشـاه، وقف الشيوعي والقومي والإسلامي وخرجوا للهتاف: يسقط الشـاه! وسقطوا برصاص جنوده واختلطت دماؤهم في سبيل خلع الطاغية. إن إسلاميي تلك الثورة انقلبوا على حلفائهم في سبيل الاستحواذ على الحكم، شأنهم شأن كل قادة الثورات في منطقتنا المنكوبة، بل وتخلصوا منهم تحت ذريعة التطهير، وجاءت الحرب العراقية الإيرانية لتعطي النظام مبرراً للتخلص من أعداء الداخل، كي يتفرغ لأعداء الخارج.
|
الفيلم الذي نال جوائز عالمية عدة يحكي ببساطة، ومن خلال رسم كرتوني قصة حياة فتاة ايرانية اسمها «مارجان» التي تعيش أجواء الانقلاب الذي قامت به الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979 على نظام الشاه محمد رضا بهلوي. من هنا تبدأ الحكاية، في مشهد شابة جميلة تميزها شامة في جنب أنفها تجلس في قاعة الانتظار في مطار وهران، تدخن السجائر، ليتحول المشهد إلى ذكريات هذه الشابة وهي طفلة «أتذكر أني كنت أعيش حياة هادئة خالية من الأحداث وأنا صغيرة. كنت أحب البطاطا المقلية بالكاتشاب، وكان بروس لي بطلي المفضل، وكنت ألبس أحذية أديداس الرياضية».
من خلال تفاصيل عدة في أحلام وهواجس «مارجان» يعرف المشاهد طبيعة عائلة هذه الطفلة المتحررة فكرياً من خلال سلوكيات لها علاقة بطريقة التعاطي مع الأفكار التي تخص المرأة تحديداً. في هذا الجو العائلي، تكون شرارة بدء الثورة في ايران ضد الشاه ايران قد بدأت، «يسقط الشاه يسقط الشاه» شعار وحّد صف جميع الايرانيين، الإسلامي إلى جانب العلماني. السعادة موجودة في كل بيت بسبب قدرة الشارع على الاطاحة بنظام فاسد استغل موارد الدولة لرصيده البنكي الخاص، فأوقع الشعب في جوع لفترات طويلة. الى هنا المشهد وردي وفي الكثير من العبارات المنوطة بحلم التغيير، ومستقبل ايران الزاهر، لتعلم الطفلة مصادفة أن لديها عماً معتقلاً في سجون الشاه بسبب آرائه الداعمة لتوزيع الثروات على المواطنين، في هذا المنزل، منزل الطفلة «مارجان» يوجد الأب، والأم، والجدة المنحدرة اصلاً من عائلة الحاكم الأول لإيران و«التي تحث حفيدتها دائماً على المشي وفق مبدأ النزاهة، ويظهر هذا الشيء في مشاهد لاحقة».
أوزة الشاه والخميني
مازالت «مارجان» طفلة تسمع كلاماً في منزلها وتسمع آخر في مدرستها، وآخر في الشارع، يصيبها حب السؤال باستمرار، في هذه المشاهد يظهر لـ«مارجان» شخصية لها علاقة بالسماء تأتيها كل يوم وتحثها على الخير، وتأكيد أن العدالة هي التي تنتصر دائما، تستيقظ «مارجان» على دق باب المنزل، فيكون العم الذي كان معتقلاً في زمن الشاه، تجري إليه، يحضنها ويعدها بأنها ستكون نجمته طوال عمره، تصر على معرفة الحكاية، حكاية اعتقاله فيلبي رغبتها بالحديث عنها كقصة قبل النوم، ويهديها «أوزة» مصنوعة من فتاة الخبر ايام وجوده في المعتقل، تمر الأحداث سريعاً، ويبدأ الناس الشعور بتغييرات لا تتناسب وحلمهم، ففرض الحجاب أصبح لزاماً، وكل من يعارض الخميني يزج بالسجن، وهذا ما حدث مع شخصية «العم» الذي يطلب رؤية ابنة اخيه التي تهرع إليه في داخل السجن، ليؤكد لها أن اليأس هو العدو الأكبر ويجب دائماً محاربته، ويهديها «أوزة ثانية» من فتاة الخبر، لكن هذه المرة من معتقل بعد الثورة الايرانية الاسلامية، وهي اشارة الى أن الديكتاتور هو الديكتاتور مهما لبس من عمامات أو لم يلبس.
الحرب العراقية الإيرانية
الفيلم يمر على تأثير الحرب العراقية الايرانية في الداخل الايراني، حيث استغلت الحكومة الايرانية هذه الحرب وقامت بعملية اطلق عليه«عملية تطهير» كل من يقف ضد الخميني، خصوصاً الموجودين في المعتقلات الايرانية، وقاموا بتخييرهم اما العدول عن افكارهم التحررية التي لا تتناسب والنهج المتشدد، واما الاعدام، وقرر الأغلبية أن يعدموا، اضافة إلى تمرير قوانين أكثر صرامة في المجتمع الايراني لضمان السيطرة كاملة على كل بيت.
هذا ما لخصه الأب لابنته بعد أن عادت من النمسا، التي قررت عائلتها ارسالها اليها كي لا تعيش الحرب أو الموت. لم تعد «مارجان» طفلة، بل اصبحت مراهقة متمردة في كثير من الأحيان، هي عادت بعد انتهاء الحرب، تقرر العودة الى مدرستها باللباس الرسمي المتمثل بحجاب ومريول طويل، لكنها تعلن عن تمردها بين الحين والآخر من خلال ارتدائها حذاء الرياضة «أديداس»، أو من خلال كتابة كلمات بالإنجليزية على سترتها، لكن التمرد الأكبر كان من خلال شرائها أشرطة موسيقية من مهرب، كأنها تشتري المخدرات، كانت تشعر بالفخر لقدرتها على التحايل على اللجان المنتشرة بالشوارع التي ترصد أي فعل لا أخلاقي من وجهة نظرهم. كانت لديها القدرة دائما على الانتصار عليهم، تهرع إلى غرفتها وترقص وهي ترتدي اللباس المفروض على النساء.
محاربة اليأس
تعود «مارجان» إلى الدراسة خارجاً مرة أخرى، «هذه المرة أعاني الانفصام الذي له علاقة بثقافات مختلفة»، إضافة إلى نظرة زملائها اليها كفرد آتٍ من بيئة «متخلفة» لا تعرف لغة الحوار، فتصبح من المنبوذين، وتصاحب الاقليات أو مدمني المخدرات والكحول، وتصل إلى حالة من الضياع تجعلها تقرر العودة إلى ايران، فالوطن مهما كان قاسياً سيظل هو الأبقى في القلب والنفس، تصل «مارجان» إلى المنزل بنفسية محطمة، تثير ذعر عائلتها التي تقرر ارسالها الى طبيب نفسي، يفضل معها حتى أنها حاولت الانتحار، وهي في حالة التعب الشديد يأتيها في الحلم الخيال نفسه المتمثل بالعدالة إلى جانبه «كارل ماركس» يحثانها على النهوض مرة أخرى، ويتفقان على أن الأمل يأتي في التحدي، تستيقظ «مارجان» بشكل مفاجئ وكأنها لاعبة كاراتيه تريد مصارعة الجميع، تأخذ حماما ساخناً وترتدي الملابس المفروضة، وتقرر الالتحاق بالجامعة، تجد فتيات من تفكيرها نفسه يقررن دائما التحايل على القانون من خلال إقامة حفلات في منازلهن، والرقص على موسيقى عالمية وأغاني مايكل جاكسون، تشعر «مارجان» أن هذه هي الثورة الحقيقية، حتى لو كانت مخبأة في المنازل، إلى أن يأتي يوم يدق قلبها لزميلها في الجامعة، والمحاولات المحفوفة بالخطر في كل مرة يحاولان اللقاء، وفي مرة تشعر الشرطة بهما فتضطر «مارجان» التي تضع ماكياجاً صارخاً على وجهها ان تزيح التفات الشرطة اليها، من خلال الصاق تهمة مضايقة من شاب يجلس في الكرسي، لكن هذه الحادثة تغضب جدتها منها التي قالت لها «ليس الكذب هو الوسيلة بل مواجهة الحقيقة، وهذه هي النزاهة» فتقول الجدة لها: « الخوف هو الذي يجعلنا نفقد الوعي عن الحقيقة»، ليأتي مشهد آخر يدل على تعلم «مارجان» الدرس، وهي تجري في الشارع فتوقفها دورية شرطة موبخة اياها ومتهمة اياه بمحاولة اغراء المارة، مع أنها قالت لهم أنها تريد اللحاق بالمحاضرة، فتصرخ في وجههم، وتقول: «ليست مشكلتي أن لديك نقصاً في رجولتك»، وتستمر في الجري.
شخصيات مؤثرة
يمر الفيلم بعلاقات عاطفية مرت في حياة «مارجان» انتهت بزواجها، بعد أن تم حجزها وحبيبها، بعد أن شاهد شرطي ديني الشاب وهو يضع يده على يد «مارجان» في السيارة، ويقرر الشرطي جلد «مارجان» ولا ينقذها سوى حفنة من النقود رشا بها «الأب» الشرطي. هذا الزواج السريع الذي ابكى والدة «مارجان» كثيرا، التي كانت تحلم طوال وقت الفيلم بابنتها حرة ومتحررة صاحبة قرار، ينتهي سريعا بعد شعور بالملل من قبل الطرفين، وتمر الأحداث سريعة بعد ذلك الى وقت تقرر فيه «مارجان» الهجرة الى فرنسا مع مباركة ودعم العائلة، وفي المطار المكان الذي ترى فيه «مارجان» جدتها لآخر مرة في حياتها.
ففي حياة «مارجان» هناك شخصيتان رئيستان في حياتها، هما شخصية عمها وجدتها، اللذين رغم دورهما الثانوي إلا أنهما يشكلان التأثير الأكبر في فكر مرجان وسير حياتها. فعمها كان مسجوناً لفترة طويلة خلال حكم الشاه، ثم أخرجوه من السجن بعد الثورة، ليأتي ويحكي لمرجان في مشهد مصور على طريقة الدمى المتحركة عن تاريخ شاه إيران، وكيفية وصوله للحكم بمساعدات الولايات المتحدة الأميركية. ما لبث العم آنوش إلا قليلاً في يد الحرية، حتى قبضوا عليه مرة ثانية، هذه المرة عبر الحكم الإسلامي، ليحكموا عليه بالإعدام، ولتبقى ذكراه مع «مارجان» طوال حياتها. أما جدتها، الشخصية الثانية المؤثرة في فكر «مارجان»، فقد أسست فكرة حب إيران وحب الآخرين في فكر «مارجان» منذ الصغر، وحين ودعتها في المطار «كوني صادقة مع نفسك»، وظلت هذه الفكرة تطارد «مارجان» الى اللحظة، وينتهي الفيلم مع صوت الأب ينصح الابنة عند رحيلها عن الوطن «لا تنسي من أنت ومن أين أتيتِ، فالمستقبل الذي يحتمل الجميع سيصنع بأيديكم».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
