خيال علمي كوميدي

«سماء حديدية».. نازيــون فضائيون يستردون الأرض

«سماء حديدية» للمخرج تيمو فيرونسولا مأخوذ عن قصة مصورة للكاتبة جوهان سينيالو. أرشيفية

مازال اكتشاف القمر ناقصاً من دون مشاهدة فيلم Iron Sky «سماء حديدية» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، فهناك حسب الفيلم جانب مظلم منه وبالتالي جانب نجهله تماماً، لن يخرج علينا بكائنات فضائية، بل ببشر لا نعرف إن كان من الصواب القول: إنهم بشر مثلنا، هربوا من الكرة الأرضية منذ أكثر من سبعة عقود واستقروا على سطح القمر وكلهم أمل أن يعودوا مجدداً إلى الأرض.

هذه العودة لن تكون إلا غزواً جديداً، غزواً فضائياً لكن بأيادٍ بشرية، يأتينا من الفضاء لكن كل ما فيه أرضي، وعلى شيء من استرداد ما كانت عليه فئة من البشر فكرت، وهي على سطح الأرض، في غزو العالم وإخضاعه كاملاً تحت أحذية الجنود المدججين.

التعامل مع ما تقدم بجدية مفرطة، وعلى قدر ما من التجهم سيكون مدعاة للضحك أكثر من تقديم هذا الغزو في قالب كوميدي، وعليه فإن فيلم «سماء حديدية» ليس إلا فيلماً يمزج الخيال العلمي بالكوميديا، ولعل هذه الخلطة ستكون ناجحة جداً في تمرير أفكار لطيفة تقول الكثير ضمن هذا السياق، لا بل إن الأمر يتعدى ذلك ليكون الفيلم بمثابة نظرة مستقبلية ساخرة لما ستصير إليه الولايات المتحدة، أو ما هي عليه الآن، طالما أن ما نشاهده بوصفه مستقبلياً لا يأتي من العدم بل على اتصال بأميركا اليوم.

متبرعون للفيلم

بلغت ميزانية الفيلم 9.9 ملايين دولار أميركي جرى جمع 10٪ من هذا المبلغ من خلال تبرعات قدمها أناس عاديون عبر موقع انترنت استحدث لهذا الغرض، وجرى وضع اسم كل متبرع في «تترات» الفيلم. وعلى اتصال بالأرقام فإن غزو النازيين للأرض في الفيلم يبدأ في الساعة 45: 5 فجراً، وهي الساعة التي قامت بها القوات الألمانية بغزو بولندا في الأول من سبتمبر ،1939 معلنة بدء الحرب العالمية الثانية، كما يظهر في نيويورك التي تتلقى هجمات النازيين في الفيلم ثلاثة أبراج مطابقة لبرجي التجارة العالميين.


كوميديا الفضاء

«سماء حديدية» فيلم كوميدي أولاً وأخيراً، لكن بما يجعل هذه الكوميدية محملة بمفارقات كثيرة تتخطى المواقف وآلية سرد الأحدث، إلى ما يجعل من ما نشاهده فرصة للتندر على السياسات الدولية، حيث مديرة الحملة الإعلانية للرئيسة الأميركية هي من يقود جحافل المركبات الفضائية التي تتصدى للنازيين، وليس الجنرالات والضباط، كما أن الصراع بين الأمم يكون على من يسهم في هذا التصدي، وكما أن مقتل كلاوس آدلر لن يكون إلا بضربة كعب حذاء ريناتا العالي بعيداً عن كل أسلحة الدمار الشامل التي تستخدم.

 

«سماء حديدية»، الذي أخرجه الفنلندي تيمو فيرونسولا، مأخوذ عن قصة مصورة للكاتبة جوهان سينيالو، وهو مبني على فكرة مفادها أن النازيين يسكنون الجانب المظلم من القمر، وقد قاموا بذلك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية عام ،1945 وأن كل ما كانت عليه ألمانيا النازية مازال حياً ونابضاً لكن على سطح القمر، وهم يتحينون الفرصة لمعاودة غزو العالم مجدداً، لكن هذه المرة من الفضاء، الأمر الذي سنكتشفه من البداية حين تتعرض مركبة فضائية أميركية لهجوم من قبل النازيين، فيقتل رائد الفضاء الأول، بينما يؤسر الثاني، الذي يكون، ولتكتمل المفارقة، زنجياً، يجري له كما سنشاهد في الفيلم عملية تعديل للونه على الطريقة النازية فيصبح أبيض، كما أننا سنرى كل شيء في الفضاء كما لو أننا نشاهد فيلماً عن الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الزي العسكري النازي، والدراجات ذات المقعد الجانبي الإضافي، وسيارات «فولكس فاغن» إضافة إلى المسدسات والرشاشات التي استخدمها النازيون في الحرب العالمية الثانية، ولنشاهد في الوقت نفسه ما له أن يكون عتاداً على اتصال بكون هؤلاء النازيين يسكنون الفضاء، وبالتالي فإن البدلات الفضائية ستكون مصممة وفق الزي العسكري التقليدي، إضافة إلى أدوات أخرى وأنواع معدلة من الرشاشات التي ستكون جميعاً وفية للموديل النازي.

في فيلم تيم برتن «هجوم المريخيين» تصل الأرض رسالة من المريخيين لا تكون إلا خطاباً لهتلر، وسرعان ما يندلع هجومهم الذي ينتصر عليه البشر بوساطة الموسيقى، لكن هذا الخطاب في «سماء حديدية» سيكون موجوداً ومتردداً في الفضاء، مع تحليه بقدسية لدى من مازالوا يتبادلون التحية بالصراخ «عاش هتلر»، وليقول لنا الفيلم لدى انتقاله إلى الأرض ان ما على سطح الكرة الأرضية ليس ببعيد جداً عن النازية، بعد اكتشاف العالم النازي الفذ الذي صمم مركبة خارقة لغزو الأرض، بأن «الهاتف النقال» هو الأداة التي يمكن من خلالها تشغيل تلك المركبة، وقد تم العثور على الهاتف بحوزة رائد الفضاء الأميركي جيمس واشنطن (كريستوفر كيربي)، وهذا العالم الذي يشبه بشكل أو آخر اينشتاين لم يقع على هاتف نقال من قبل رغم قدرته على تصميم مركبة خارقة، فهو مازال في أربعينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن الضابط الفذ كلاوس آدلر «كوتز أوتو» يقرر التوجه إلى الأرض للحصول على هواتف نقالة، بعد أن جرى تشغيل المركبة بوساطة هاتف رائد الفضاء، وتوقفت عن العمل بعد نفاد البطارية.

لن أمضي خلف أحداث الفيلم، بقدر ما سأتتبع طرافة تلك الأحداث، فنحن في عام ،2018 ويبدو أن رئيسة أميركا ليست إلا سارة بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي، التي تمثل حالياً رمز الغباء السياسي، وهي كما ستظهر في الفيلم لن تكون مشغولة بشيء سوى الرياضة والمحافظة على جسمها، كما أن مسعاها الوحيد سيكون إعادة انتخابها لدورة رئاسية ثانية، وبالتالي فهي بحاجة إلى أفكار خارقة تصل حد المعجزة، ومديرة حملتها فيفان «بيتا سيرغن» لا تقع على أي شيء ذي قيمة يضمن للرئيسة أن يعاد انتخابها، إلا أن تقع على الضابط النازي كلاوس آدلر، وبالتالي يتحول غزو النازيين للولايات المتحدة إلى المعجزة التي تبحث عنها فيفيان، ولا شيء يعيد انتخاب رئيس للولايات المتحدة سوى الحرب، أو كما تقول الرئيسة نفسها «كل رؤساء أميركا الذين خاضوا حرباً أعيد انتخابهم»، وبالتالي لا يبدو غزو النازيين خطراً يهدد البشرية وما إلى هنالك، بل خدمة جليلة لرئيسة الولايات المتحدة حتى تستثمر به وتتحقق لها إعادة انتخابها رئيسة للمرة الثانية.

إلى جانب أدلر ستحضر زوجته المستقبلية ريناتا ريختر «جوليا ديتز»، التي تكون معلمة تدّرس الأطفال أمجاد النازية وقائدها أدولف هتلر، وتقدم لهم فيلماً عن هذا القائد يكون فيلم تشارلي شابلن «الديكتاتور العظيم» 1940 وهي تقول للأولاد الذين تعلمهم على سطح القمر، إنه فيلم قصير يمجد القائد، ولا يظهر منه في الفضاء إلا شابلن مجسداً لهتلر وهو يلعب بالكرة الأرضية.

عندما تنزل ريناتا إلى الأرض تتلقى صدمتها الأولى حين تشاهد النسخة الكاملة من الفيلم، الذي لن يكون كما هو معروف إلا هجائية كبرى للديكتاتور النازي تمتد لأكثر من 125 دقيقة، وليمسي هبوط ريناتا للأرض بمثابة صدمة لها، تدفعها لتغيير كبير، خصوصاً حين تعاين كل شيء برفقة جيمس واشنطن الذي لم يعد أحد يعرفه بعد أن جرى تحويل لون بشرته، وليمسي متشرداً في شوارع نيويورك يبشر كمجنون بالغزو النازي الفضائي.

طرافة الفيلم هي الشيء الأهم الذي سنقع عليه، كونها قادرة على التندر على السياسة الأميركية التي تحول كل شيء إلى خدمة جليلة للحملات الانتخابية، بما في ذلك غزو النازيين الفضائيين، وهكذا ستكون الرئيسة مهتمة بنجاح تصديها للهجوم من باب فوزها بالانتخابات الرئاسية، على مبدأ توظيف كل شيء لهذا الغرض، كما أن الاجتماعات الكاريكاتورية لما يشبه مجلس الأمن ستقول لنا الكثير عن الصراعات السياسية التي لا تهتم بشيء إلا الصراع على مصادر الطاقة، كما سيكون عليه الأمر مع نهاية الفيلم، كون هدف الرحلة الفضائية الأميركية التي يقع عليها النازيون تكون بغرض البحث عن مصدر للطاقة يسمى «هليوم 3»، ولدرجة سيتحول فيها الأمر إلى عراك بالأيدي بين رؤساء وزعماء العالم على هذا الهليوم.

لم يفارقني طيلة مشاهدتي «سماء حديدية» فيلم الهولندي بول فيرهوفين Starship Troope «طاقم المركبة الفضائية» ،1997 مع أن هذا الأخير لا يحمل تلك النكهة الكوميدية التي حملها «سماء حديدية»، ولعل مكمن استعادة ذلك الفيلم يأتي من المستقبلية التي يقدمها المتصلة بضرورة العدو بالنسبة للأنظمة الشمولية، ففي «طاقم المركبة الفضائية» يمكن الحديث عن الفاشية التي تتسيد كل شيء في مجتمع يجري تحشيد جميع أفراده في خدمة غرض واحد يتمثل بمحاربة الكائنات الفضائية المتوحشة، بينما تتحول النازية في فيلم تيمو فيرونسولا إلى لعبة انتخابية، ومن ثم إلى لعبة بين الأمم لا علاقة لها لا بالحرص على السلام ولا أي شيء من ذلك، ولتكون مجابهة الغزو بمركبة فضائية تحمل اسم جورج دبليو بوش.

تويتر