آل باتشينو وجوليت بينوش في دورين ثانويين

«ابـن لا أحـد».. فيلم يبحث عن نسب ضائع

صورة

يضعنا فيلم The Son of No One «ابن لا أحد» المعروض حالياً في دور العرض المحلية في ورطة سينمائية تعتمد على إيهامنا بأن الفيلم يريد أن يقول لنا شيئاً خارج الإطار التشويقي الذي يجلدنا به، لا بل إن إيقاعه البطيء يعزز من هذا الشعور ونحن نتابع شخصيته الرئيسة جوناثان وايت «تشانيغ تاتوم» تعيش مآزقها القادمة من ماضٍ يمضي جنباً إلى جنب مع حاضر الفيلم، وليكون الماضي هو المكان الذي ستأتي منه كل الكوراث التي يستغرق الفيلم طويلاً ليكشف النقاب عنها.

الاستنتاج الذي بدأت به يأتي من نهاية الفيلم الذي كتبه وأخرجه ديتو مونتيل، والتي ستكون خيانة لكل ما يسعى المشاهد الحصيف أن يجمعه في سياق مشاهدته، بمعنى أن شعوراً ما يأتي بأننا حيال مقولة متعلقة بفقراء نيويورك ومصائرهم التي لن تكون إلا مأساوية، أو تحالف كل شيء ضدهم، بما يجعل من وايت الناجي الوحيد من مصير الجريمة والجنون والمخدرات لا لشيء إلا لأنه أبيض، بينما كل من حوله من «الملونين»، وهذا تماماً ما يحدث في الفيلم، لكن دون أن يخرج ذلك عن الإطار التزيني، طالما أنه لم يستخدم درامياً، ولم يأبه أحد بتسجيل مقولة في هذا الخصـوص.

تعديلات

ليس لدي معلومات في شأن ما سأورده، لكن وبالاعتماد على حدس درامي أو نقدي، إن صح الوصف، فإن فيلم «ابن لا أحد» يدفعني الى القول إنه تعرض لتعديلات كثيرة حتى صار على ما هو عليه، بمعنى أن بنية الفيلم وكل ما نشاهده في ثلثيه لا علاقة له بالثلث الأخير في الفيلم، فما سيكون المشاهد حياله هو نبش بشكل أو آخر لما على مدينة مثل نيويورك أن تكون عليه، أو التأسيس لقصة على ارتباط بالعنصرية والفقر والفساد تحت مظلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فحاضر الفيلم سيكون في عام ،2002 أي بعد عام على تلك الأحداث، بينما الماضي فسيكون عام ،1986 ومصير وايت أو «ميلك»، كما يطلق عليه جيرانه في«كوينزبورو»، سيكون على النقيض تماماً من مصائر جيرانه أو صديقه فيني (بريان كيبلبرت) الزنجي الذي يكون شاهداً على كل ما اقترفه وايت، فبينما يصبح وايت شرطيا، يمضي فيني حياته في مصح، ومن ثم توهب حياته للضياع والعطالة.

وايت ولأنه أبيض سينجو بأفعاله، فماضيه الذي يمضي جنباً إلى جنب مع حاضره سيخبرنا بأنه أقدم على قتل شخصين، وبمساعدة صديق والده أو شريك والده المحقق تشارلز ستانفورد «آل باتشينو» ستطوى صفحة الجريمتين وينجو وايت بفعلته، وسرعان ما سيستيقظ هذا الماضي من خلال رسائل تصل وايت وإقدام الصحافية لورين (جوليت بينوش) على فتح الملف مجدداً، وعليه فإن حياة وايت ستكون على المحك، هو المتزوج والأب لابنة.

ليس هدفي من الادعاء بأن السيناريو تعرض لتعديلات إلا توضيح ما سيصير عليه الفيلم حين يصل مأزق وايت ذروته، ولنكون في النهاية أمام فيلم يخون كل ما اعتقدت أن الفيلم ماضٍ خلفه، فهو ليس أكثر من فيلم يتناول فساد الشرطة وما أكثرها من أفلام، لا بل إن كثرتها لا تسعفني بأن اتذكر عنواناً واحداً منها، وليكون الأمر مغرياً أكثر فإن الشرطة ستبدو تماماً كما المافيا تعتمد العائلية، لا بل إن رئيس وايت سيصفها بالعائلة التي لا تفرط بأولادها مهما اقترفوا من جرائم وانحرافات.

أصل نهاية الفيلم التي تبدو مضحكة في منطقها، فمع كل ما تقدم يبدو الأمر فقط مسعى ليواصل وايت حياته، كل من يموت ويقتل يكون في خدمة هذا الغرض، ولعل مقاربة ذلك بمنطق درامي حصيف سيدفعني الى القول إن ما يحدث على سطح البناية التي يقتحمها وايت في اللحظة الأخيرة لينقذ صديقه فيني أمر يستدعي التوقف مطولاً، بمعنى أن التوقع المنطقي وكل ما سبقه من خيانات وأفعال لا تحكمها إلا مصالح ضيقة يفترض أن تقود إلى تلك النهاية التراجيدية الإغريقية، بمعنى أن يقتلوا جميعاً لأنهم جميعاً لا يستحقون الحياة، فإذا بعبقرية السيناريو تتمركز حول هدف سخيف يتمثل بنجاة وايت، وليبقى ستانفورد مخلصه شاء أم أبى، لا بل إن مواصلة وايت الحياة ستكون بمنتهى النذالة.

فيلم محيّر

لا يفوتني القول أيضاً إن إسهام كل من آل باتشينو وجوليت بينشو لا معنى له في هذا الفيلم إلا من باب اسميهما، فقد فات المخرج حتى أن يستثمر قدراتهما، ولو حتى في دورين ثانويين، إنه فيلم محير حقاً، مثلما يوصف من هو بين الطفولة والمراهقة فتكون ثيابه تنتمي للعمر المحير، فهو لم يقدم لنا بطلاً على الطريقة الهوليوودية في شخصية وايت، حتى نقبل تلك النهاية السخيفة، وليكون الفيلم بالنهاية ليس إلا قفزة في الهواء، ولا يختلف في شيء عن أفلام تترك لك شخصيتين ثانويتين، يتضح في النهاية أنهما من يحركان كل شيء، أولى الشخصيتين هي رئيس وايت في الشرطة، والذي سيتضح في النهاية أنه رمز الفساد واللاعب الرئيس في كل ما كان يحاصر وايت، وبينما تشكل أخت فيني الشخصية الثانية، والتي ستكون الشاهد المنسي أو المخفي على ما اقترفه وايت حين كان فتى صغيراً، وبالتالي فيمكن التفكير بها بوصفها كاتبة الرسائل، والتي تختمها برسالة لا معنى لها، لا من قريب ولا بعيد، فبعد أن خربت حياة وايت فإذا بها تكتب «واصل حياتك يا ميلك»، كما لو أنها لم تفعل شيئاً، كما الفيلم نفسه الذي يمكن اعتبار وجوده مثل عدم وجوده، ففي النهاية لا شيء مما أوحى به الفيلم سيبقى، ولعل عنوان الفيلم معبر في هذا الخصوص، فالفيلم ابن لا أحد، أو ابن حرام في مسعى لترجمة العنوان بما يتناسب والمحتوى.

تويتر