عن «ملك» الكرة وفيلم كين لوتش

إيريك كونتونا: الحيـــــاة تبدأ من «تمريرة جميلة»

كونتونا.. من نجومية كرة القدم إلى نجومية السينما. أرشيفية

هل تتذكرون إيريك كونتونا؟ سؤال موجه إلى عشاق كرة القدم، وليس لعشاق الأفلام فقط، طالما أن هذا اللاعب الفرنسي الشهير فارق كرة القدم وهو في الـ30 من عمره، ودخل عالم الفن السابع ممثلاً، وها هو ينتقل من دور إلى آخر، كما لو أنه يسعى لأن يحقق في الأفلام ما حققه مع الفريق الذي حقق معه أمجاده والمقصود هنا «مانشستر يونايتد».

كونتونا كان يلقب بـ«الملك»، وقد سجل أحلى الأهداف، وأمتع الجمهور بأدائه وشخصيته المثيرة للجدل، ومن ينسى كيف كانت ياقة سترته مرفوعة تغطي عنقه، إضافة إلى اعتراضاته على الحكّام وعصبيته التي أدت به في إحدى المباريات إلى ضرب أحد المشجعين عام ،1995 ما أدى إلى إيقافه عن اللعب ثمانية أشهر.

النجم رقم «7»

ولد إيريك دانييال بيير كونتونا في مدينة مرسيليا الفرنسية في 24 مايو ،1966 ولعب في فرق أوروبية عدة، بما فيها فريق مدينته مرسيليا ومونبليه وليدز يونايتد، وصولاً إلى مانشستر يونايتد، الذي حقق فيه أمجاده، وتحول فيه إلى أيقونة كروية.

كان كونتونا صاحب السترة التي تحمل الرقم «7» وقد اشتهر بهذا الرقم، والذي حرص على حمله (أي الرقم)، ديفيد بيكهام وكريستيانو رونالدو، وكان جمهور مانشستر يونايتد يناديه بلقبين لا ثالث لهما، إما «كونتونا» أو «إيريك الملك»، وقد اعتبر أفضل لاعب في تاريخ فريق «مانشستر يونايتد» في تصويت خاص بمحلة هذا الفريق.

يعرف بكونتونا الآن بوصفه ممثلاً ولاعب كرة قدم سابقا، وقد لعب أول أدواره السينمائية في فيلم «إليزابيث» عام ،1998 إلى جانب النجمة الانجليزية كيت بلانشيت، ولديه حاليا شركة انتاج سينمائي يديرها أخواه، ويعملون معا على انتاج سلسلة عن أشـهر لاعبي كرة القدم العالميين.

كونتونا انتهى من تصوير فيلم بعنوان «سويتش»، إذ يلعب دور محقق فرنسي يسعى لحل لغز شابة تتهم بجريمة قتل، بعد أن قامت الأخيرة بتبديل بيتها ببيت آخر لمدة شهر عبر موقع على الانترنت عنوانه «سويتش»، وعثر في ذلك البيت الجديد على جثة ستتهم بقتلها، لكن هذا الفيلم الجديد سيضعنا مباشرة أمام مسارين سنمضي خلفهما، الأول متمثل في التعريج على شخصية كونتونا من خلال لقاء معه في جريدة «الغارديان» اللندنية، والثاني العودة إلى فيلم المخرج الانجليزي الكبير كين لوتش عنه الذي حمل عنوان Looking For Eric (البحث عن إيريك) 2009 والذي كنت والأزال أعتبره أجمل الأفلام التي تناولت لاعب كرة قدم، دون أن يكون الفيلم لا توثيقاً ولا سيرة ذاتية لإيريك كونتونا، بل عن دوره كمخلص، وحضوره في حياة واحد من عشاقه، ومدى ما يفعله هذا اللاعب في حياته.

كونتونا (45 سنة)، يقول عن اعتزاله كرة القدم واحترافه التمثيل في اللقاء سابق الذكر «البعض يريدون أن يبقوا في القمة، وهم يخافون أن يبدأوا من الصفر.. إنه أمر صعب جداً أن تبدأ من الصفر بينما أنت مشهور في مجال آخر». مضى على تقاعد كونتونا من كرة القدم أكثر من 15 سنة، وقد كان في الـ30 من عمره، «كرة القدم فقدت متعتها بالنسبة إلي، لهذا تخليت عنها، لم يكن وارداً في حينها أن أتقاعد، فمازلت مناسباً وجيداً، لكنني مللت، لهذا بدأت من جديد، وكان من المهم أن أحظى بتجربة جديدة، لم يكن الأمر الأهم بالنسبة إلي أن اصبح ممثلاً، بل ما تمنحه خشبة المسرح من إحساس بالحياة وبالمخاطرة، لقد عشت لأحس بنفسي عبر الخطر».

في فيلم «البحث عن إيريك» هناك عبارة افتتاحية، يبدأ بها الفيلم، لكونتونا مفادها «كلها تبدأ من تمريرة جميلة»، ولتكون هذه العبارة مفتاح الفيلم بشكل أو آخر، وهي تحمل ما تحمله من حكمة مبنية على آليات كرة القدم، كما لو أنها تقول لو أردت أن تسجل (تحقق) هدفاً فالأمر يبدأ من تمريرة جميلة، على أحدهم أن يمرر لك الكرة بإتقان وجمال لتتمكن من تسجيل ذلك الهدف، ولعل هذا ما سيفعله إيريك كونتونا مع إيريك بيشوب الذي سيتمكن في النهاية من تسجيل هدف، والهدف هنا مجاز عن نجاح مساعيه في الحياة، ولن يكون كونتونا إلا من يمرر له أو يفتح أمامه الطريق.

العبارة تمضي إلى مستوى آخر مع مشاهدة الفيلم، فحين يسأل ايريك بيشوب (ستيف ايفيتز) عامل البريد الخمسيني ايريك كونتونا عن أجمل لحظة في حياته يستعيد كل أهداف كونتونا، خصوصا تلك الأهداف التاريخية التي حسمت مباريات نهائية، وليواجه ذلك بعدم موافقة كونتونا على كل تلك الأهداف المستعادة، وليعترف لبيشوب بأن أجمل لحظة في حياته كانت من خلال تمريرة إلى زميل له يسجل من خلالها هذا الأخير هدفاً.

فيلم كين لوتش الذي كتبه شريكه الأبدي بول لافيرتي يتمحور حول ايريك بيشوب أولاً الذي نقع عليه وهو يقود سيارته في اتجاه سير معاكس إلى أن يقع له حادث، وما أن يستيقظ من غيبوبته حتى يبدأ بترديد اسم ليلي التي يسألها أن تسامحه. حياة بيشوب مضطربة ومأزومة، وما أن يخرج من المستشفى حتى يتضح ذلك، لديه ابنان يعيشان حياة مملوءة بالفوضى والاستهتار، ولا أحد يأبه لأحد، لكن نقطة الاشراق الوحيدة في حياة بيشوب أنه محاط بأصدقائه في العمل، والذين يبذلون كل ما في مقدورهم لإخراجه من حالته البائسة وهو على حافة انهيار نفسي لا محالة، لا بل إنه منهار أصلاً وما حادث السيارة الذي يتسبب فيه إلا من جراء وضعه النفسي الصعب.

سيحضر أحد اصدقائه بإحضار كتاب يساعد على السعادة، وسيقوم بيشوب ورفاقه في جلسة مشتركة بتتبع تعليمات الكتاب، التي ينص أحدها على استدعاء شخصية «كارزمية» يجد فيها كل شخص ما يتوق إليه، ستتعدد الاختيارات، هذا سيختار غاندي وآخر فيديل كاسترو، وثالث نيلسون مانديلا، وحين يصل ايريك بيشوب الدور فإنه سيختار ايريك كونتونا، وهنا سيدخل كونتونا حياة ايريك بيشوب، وليتبادلا الحديث والآراء طيلة وجود بيشوب في غرفته، وأول ما سيشارك كونتونا فيه هو علاقته بليلي حب حياته الأول، وزوجته التي هجرها بعد أن انجبت له بنتاً، ولتكون هذه البنت الصلة بينهما، وقد أصبحت كبيرة الآن وأماً وهي تسأل والدها وأمها أن يتناوبا العناية بحفيدتهما.

تتوالى الحوارات بين بيشوب وكونتونا، وسيلعب الأخير دوراً مفصلياً في حياة الأول، ستكون كل نصائحه مجدية، سيستعيد ثقة ليلي به، وحين يصل الفيلم أزمته الدرامية التي تأتي من ابن ايريك بيشوب الذي يكون متورطاً مع عصابة فإنها أيضاً ستنجح أي نصائح كونتونا حين يسأله الاستعانة بأصدقائه.

حياة ايريك بيشوب الشخصية ومشكلاته ستمضي جنباً إلى جنب مع استعادة ايريك كونتونا، أهدافه وأغاني «مانشستر يونايتد» الخاصة به، وصولاً إلى تصوير شخصيته المغامرة المندفعة من خلال نصائحه لبيشوب التي تكون دائماً بمثابة دفعة له لكي يواجه وألا يأبه للمخاطر والصعاب، لا بل هناك مشهد في الجزء الأخير من الفيلم سيكون تصعيداً لكل ما يمثله كونتونا لمشجعيه، فسيقوم أصدقاء بيشوب بمساعدته للتخلص من تهديدات العصابة التي تورط فيها ابنه، إذ سيكونون جميعاً من مشجعي «مانشستر يونايتد»، وسيتوجهون في ثلاث حافلات للهجوم على العصابة، وسيمضون رحلتهم وهم يغنون الأغاني التي تمجد كونتونا، وحين ينزلون من الحافلات ويبدأون هجومهم الطريف على العصابة فإنهم سيرتدون جميعاً أقنعة لن تكون إلا وجه كونتونا نفسه، ولنكون أمام ما يقارب الـ50 كونتونا.

يتناسب فيلم «البحث عن ايريك» مع ما يقوله كونتونا بخصوص الأفلام التي تتناول شخصيات حقيقية، مثلما هي الحال مع فيلم «المرأة الحديدية» عن مارغريت تاتشر و«اسبوعي مع مارلين» عن مارلين مونرو، وصولاً إلى ايديث بايف في فيلم «لا موم»، واجداً أن التمثيل يكون بخلق الشخصيات، وليس بتجسيد شخصية بمحاكتها ومطابقتها، مستغرباً أن ينال الممثلون الذين يقومون بذلك جوائز «أوسكار» عن أدوارهم.

كونتونا يحب أن يحتكم الممثل على خيال، وتجسيد شخصية حقيقية يقمع ذلك الخيال ويقيده، إنه يحب مارلون براندو في «القيامة الآن»، ومن الجيد ألا يكون في فيلم كين لوتش إلا هو نفسه لكن بعد أن صار بعيداً عن ملاعب كرة القدم، من دون أن يقدم ممثل على محاكاته، وتجسيد شخصيته في أداء يفتقد المخيلة، حسب تعبير كونتونا.

تويتر