فيلم جنوب إفريقي للإنجليزي إيفي لوثرا
« لاكي ».. الحظ ليس مجرد اسم
تخيل أن يكون اسمك «محظوظ»، وفي الوقت نفسه تخيل أن يكون هذا الاسم اسماً على مسمى، أي أن الشخص الذي يحمله سيكون محظوظاً بالفعل! لكن على الضفة الأخرى من هذا المدخل إلى فيلم المخرج الإنجليزي إيفي لوثرا Lucky «لاكي»، يمكن لهذا الاسم أن يتحول إلى لعنـة، بمعنى أن كل ما سيعيشـه حامله سيكون على النقيض منـه، دون حسم ذلك إلا بتتبـع ما جاء عليه الفيلم، ولكم أن تقـرورا ما يمكن وصف ما يعيشه الفتى «لاكي» من مآسٍ تحمل في ثناياها بعضاً من إشراق هنا وهناك.
سنقع على لاكي «سيهلي دلاميني»، وهو بانتظار شيء في مكان ناء من جنوب إفريقيا، سيتخذ من محطة الوقود مكاناً لانتظاره، ستهطل الأمطار بغزارة بعد أن يحل الليل وهو ينتظر أحدهم، ولن يفارق مكانه إلا عندما يخرج صاحب المحطة ليطرده.
اللقطات تقول كل شيء، سنتعرف إليه أكثر في قرية بيوتها أشبه بالأكواخ، إنه وحيد، ويمكن توقع أمر جلل بانتظاره، وهذا ما سيكون عليه الأمر، إنها سيارة قادمة من جوهانسبورغ تحمل جثمان أمه، لقد ماتت و«لاكي» لا يتجاوز الـ10 من عمره.
سيصبح عدائياً تجاه من حوله، لن يستجيب لهذا الحزن الهادئ الذي يصيب سكان القرية وهم يسهرون على جثمان أمه، في الصباح سيقرر هجران القرية والتوجه إلى جوهانسبورغ، ليحقق ما كانت أمه تصبو لأن يحققه ألا وهو إكمال تعليمه، سيضع لعبته المصنوعة من «التنك» على قبرها ويمضي، وعندما يصل المدينة سيقصد بيت خاله، والذي ما ان يفتح الباب له حتى يتبدى لنا انطباعاً أولياً بأنـه لن يكون مرحباً كثيرا بقدومه وهذا ما سيتضح في اليوم الثاني.
سرد ما تقدم يضعنا أمام سيناريو يمضي في وفاء تام للمصائر التي تنتظر «لاكي»، والتي تستحضر معها حظاً عاثراً متمثلاً بكون خاله ليس الوجهة الصحيحة لتحقيق رغبته في أن يذهب إلى المدرسة ويتعلم، وسرعان ما سيطرد «لاكي» من بيته، ولن يجد ملجأ له إلا عند سيدة هندية تقطن في البناية نفسها، سيدة مصابة بشتى أنواع الوساوس، وتعيش في عزلة تامة عن محيطها، وتمتلك من الشك بمحيطها بما يجعلها على ريبة من الجميع، ولكم أن تتخيلوا كيفية العلاقة التي ستنشأ بينهما.
تكوين هذه العلاقة سيحمل الكثير من النواحي الغنية، أولها حاجز اللغة بين «لاكي» والعجوز الهندية، فأول اتصال بينهما سيكون عبر مسعى «لاكي» سماع شريط كاسيت تركته أمه له، ولن يتمكن من سماعه في بيت خاله، كون الأخير لا يحتوي بيته إلا على مشغل «سي دي»، بينما تمتلك السيدة الهندية مسجلاً عادياً، سيتسرب إلى بيتها، وستكتشف ذلك فتعتبره سارقاً، وحين يترك الكاسيت خلفه تمضي إلى الشارع بحثاً عن أحد ما يسمع الكاسيت ويترجم لها ما يحتويه إلى الانجليزية، الأمر الذي يتحقق من خـلال سائق تاكسـي، وحينها تدرك قصـة «لاكي» الذي ماتت أمه ويتضح لها كل شيء.
قصة الفيلم ستكون على اتصال مع تلك القصص التي قرأناها وشاهدناها المتعلقة بعذابات فتى يتيم، وفيها من الميلودراما الكثير، لكنها في هذا الفيلم الذي كتبته تانيا ويلتس، ستحمل خصوصية ما، من خلال تلك السيدة الهندية، وتطورات العلاقة بينها وبين «لاكي»، فهي ستقوم بتسجيله في مدرسة لتحصل على معونة اجتماعية، لكن سرعان ما تتغير دوافعها وراء حمايتها ورعايتها ذلك الصبي اليتيم، كما أنها ستتورط رويدا رويدا بقصته، وسيشكل مسعاها لمساعدته شاغلها الأساسي دون البحث عن أية منافع لها، لا بل إنها ستقوم ببيع ذهبها لتتمكن من مساعدته، وتمضي معه من مكان إلى آخر لتؤمن له مكانا يعيش فيه حياة كريمة، ستأخذه إلى قريته التي سيرفض «لاكي» العودة إليها، ومن ثم ستأخذه إلى رجل يفترض أنه والد «لاكي»، وسيكون الحوار بين «لاكي» ووالده على شيء من الحوارية بين رجل فقد الأمل بكل شيء مع فتى يتطلع إلى أب أو أسرة ترسم له مستقبلا يريد له بكل ما أوتي من تطلع أن يكون مشرقاً.
سينفي ذلك الرجل الذي كان على علاقة مع أمه أن يكون والد «لاكي»، لا بل إن «لاكي» سيقول له إنه لا يريد أن يكون ابناً لرجل مصاب باليأس مثله، فهذا الرجل يعمل مغنياً في الجنازات، وقد اصبح في داخله الكثير مما يعمل به، وإنه دائماً متصل بالموت أكثر من الحياة، سيسأله «لاكي» شيئاً واحداً ألا وهو أن يغني له أغنية كانت أمه تغنيها له.
وتقرر العجوز الهندية «بايشري باسفاري جائزة أفضل ممثلة في مهرجان أبوظبي السينمائي 2011»، أن تهب لاكي ما تملكه من مال، وتأخذه بعيداً عن خاله الذي صار يبحث عنه عندما عرف بأنه من الممكن الحصول على معونة اجتماعية من خلاله، فإن «لاكي» سيرفض ذلك، سيغادر صباحاً الفندق ويترك لها رسالة بأنـه لن ينساها أبداً، وإن كان السؤال الذي تجـدر بنا الإجابـة عنه والمتعلق بأين سيذهب «لاكي»، فإن الإجابة لدى ذلك الرجل الذي يفترض أنه والده، سيمضي نحو بيته، كما لو أن «لاكي» سيجبره على أن يكون والده، والفيلم ينتهي بسؤال الوالد لـ«لاكي» «هل تشرب الحليب؟».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news