«كسارة البندق بالأبعاد الثلاثة».. النازيون ومحرقة الدمى

أحداث الفيلم تجري عام .1920 أرشيفية

ما أن يرد عنوان «كسارة البندق» حتى تصحو موسيقى تشايكوفسكي والباليه، لكن عند إيراد هذا العنوان الآن فإنه سيكون «كسارة البندق بالأبعاد الثلاثة» The Nutcracker in 3 المعروض حالياً في دور العرض المحلية، ولنا أن ننحي أولاً أي شيء على صلة بالباليه، كما أن موسيقى تشايكوفسكي تظهر وتغيب، بحيث تصبح «كسارة البندق» ليست أكثر من معبر إلى أشياء كثيرة يمضي إليها الفيلم ويأخذها في اسقاطات كثيرة لن توفر شيئا بالمتناول، بدءا من عيد ميلاد أينشتاين، والأغاني مروراً بشكسبير وغوستاف كليمت، وصولاً إلى الكائنات الخرافية والكلاب المعدنية والدراجات النارية العجيبة مع النازيين والمحرقة اليهودية، دون أن يتصادم ذلك مع الخيال المهيمن على أجواء الفيلم، فنحن حيال خلطة سينمائية لها أن تمضي خلف أغراض كثيرة، قد يكون من أولها تقديم فيلم للصغار له أن يلحق بأنه فيلم للكبار أيضاً.

القول إنه فيلم للكبار أيضاً قد يأتي بتوضيح لكل ما سأتناوله هنا، وما قدمه مخرج وكاتب الفيلم اندريه كونشلوفسكي، كونه سيأخذ بقصة «كسارة البندق» التي تكون صراعاً بين الدمى والجرذان لمساحات تحيل إلى النازية والهولوكوست، بحيث تصبح الرحلة السحرية التي تخوض غمارها في هذا الفيلم محملة بشتى أنواع الاقتباسات التاريخية، وتفصيل القصة على مقاسات كثيرة متعددة ومتنوعة لها أن ترضي كل ذوقٍ تاريخي متفق عليه، وبكلمات أخرى مجموعة من الوصفات الجاهزة التي لن تخـل فـي مسعـى القصة لأن تكون صـالحـة للصـغار أولاً وأخـيراً.

أحداث الفيلم تجري في عام 1920 بفيينا العاصمة النمساوية، ماري (ايلي فانينغ)، وأخوها ماكس (أرون دروزين)، يحظيان بهدية من عمهما ألبرت (ناثان لين)، في عيد الميلاد وهي بيت يحتوي على دمى، وإضافة إلى ذلك دمية كسارة البندق، العم ألبرت أشبه بأينشتاين وليس الشبه الظاهري للشخصية ما يخبرنا ذلك، بل الأغنية التي يغنيها عن النظرية النسبية، وليكون تطبيق هذه النظرية البنية الرئيسة لمنطق الفيلم، بمعنى أن الخيال نسبي والواقع أيضاً، وما سيحدث في أحلام ماري سيكون واقعياً والعكس صحيح، وهنا لن تشكل قصة «كسارة البندق» سوى خط بسيط من أحداث الفيلم، والمتمثل في أن لعبة كسارة البندق ليست إلا أميراً مسحوراً من قبل الجرذان الذين احتلوا مدينته، لكن في الفيلم سيكون الجرذان نازيين، وهم في هيئة أقرب للبشر عدا الوجه، وما يقومون به هو مصادرة كل الدمى في المدينة والقيام بحرقها، للحفاظ على غمامة سوداء تغطي المدينة بحيث تحجب الشمس، لأن الجرذان لا تستطيع العيش تحت رحمة الشمس.

وهنا سيكون على دمية كسارة البندق أن تتخلص من السحر، وشكل الدمية أشبه بنابليون، ولن يحدث ذلك إلا بمساعدة ماري التي تقول له إن ما عليهما فعله هو ايقاف حرق الدمى لتزول الغمامة السوداء، وبهذا سيقضون على الجرذان.

في ما تقدم خط الفيلم الرئيس، وما عدا ذلك فإن الباب سيكون مفتوحاً على مصراعيه لشتى أنواع الاستعارات، فمع كون الجرذان نازيين، فالدمى ستكون أيضاً استعارة واضحة وفاقعة للمحرقة اليهودية، وليؤكد ذلك فإن مخرج الفيلم كونشلوفسكي سيستعين بالفوتوغراف، كما أنه سيقطف من كل حقل زهرة، لكن ومع ذلك فليس هنا ما يمنع الصغار من التمتع بقصة خيالية، تبدأ من شجرة الميلاد التي تتحول إلى شجرة تكاد تصل السماء، مع أنها في الواقع شجرة منزلية، وفي رحلة صعود ماري لها ستتعرف إلى عوالم سحرية كثيرة، وفي الوقت نفسه سينجح الرهان على النسبية في جعل كل شيء نسبي، إذ سيمشي الخيالي والواقعي جنباً إلى جنب، مع التأكيد ختاماً أن الفيلم سواء كان ثلاثي الأبعاد أو ببعدين فالأمر سيان، كوننا لن نرى من الأبعاد الثلاثة سوى كوننا مضطرين لارتداء النظارات الخاصة بالأبعاد الثلاثة، لنتمكن من مشاهدة الفيلم.

تويتر