فيلم خيال علمي مشوّق

«ثورة كوكب القـــردة»..حتى النصر على الإنسـان

الفيلم يمضي قدماً مع «أنسنة» القرد. أرشيفية

يقول لنا فيلم Rise Of The Planet Of The Apes «ثورة كوكب القردة» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، إن القردة خيار لا بأس به عند البحث عن التمرد لدى كائنات غير الإنسان، ولعله الخيار الوحيد، وهنا التمرد توصيف بعيد عن «طيور» هيتشكوك التي أصيبت بخلل ما تحولت من خلاله من كائنات تطير وتحلق، أو تملأ الساحات العامة دليلاً على السلام والأمان إلى كائنات عدوانية تقوم بغزو البشر وترويعهم، الأمر الذي فتح هيتشكوك من خلاله الباب على مصراعيه للكثير من الأفلام التي تحكي عن كائنات أو حشرات تحولت إلى تهديد حقيقي للبشر، في اتباع للتنويع في التشويق والإثارة.

لنضع هيتشكوك جانباً ونمضي مع «ثورة كوكب القردة» الذي يسعى إلى تقديم فسحة ترفيهية وتشويقية ممتعة، ليكون على مقربة من فيلم انتج عام 1968 كان بعنوان «كوكب القردة» إخراج فرانكلين شوفنر والذي يحكي عن وقوع مركبة فضائية في كوكب مستقبلي، يحكمه القردة، بينما البشر عبيد عندهم، حيث نشاهد كل المنجز الحضاري الإنساني قد اصبـــح منجزاً حضـــارياً قردياً، بينما البشر مجموعة من القطعان الهائمة على وجهها في البراري. طبعاً مع «ثورة كوكب القردة» الأمر مختلف تمامــاً، لكن يبقى فيلم شوفنر ممهداً له، مع الإصرار على أن يكون في العنوان «كوكب القردة»، رغم أننا لن نكون في هذا الكوكب بل على سطح الأرض وفي عصرنا الحالي، كما أن كل ما سنشاهده سيكـون درامياً أولاً، أي أنه سيتشكل أمامنا، وسنكون على اتصال مع أسبابه، وهكذا فإننا سنكون أمام فيلم تمتزج به الدراما بالخيال العلمي بالأكشن، كما أن الفيلم يقول لنا إن القرد ــ كما نعرف ــ هو الكائن الأكثر ذكاء بعد الإنسان! لكن ماذا إن أصبح بذكائه وربما تفوق عليه؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال ستقوده إلى أن يتمرد على الإنسان، خصوصا إن أصبح يدرك بأنه ليس إلا حقلاً للتجارب، وحياته لا تساوي شيئاً.

فيلم «ثورة كوكب القردة» الذي أخرجه رابرت ويت وكتبه كل من ريك جافا وأماندا سيلفر يمضي قدماً مع أنسنة القرد، وربما القرد توصيف يشمل «الشمبانزي والغوريلا... إلخ» كون سيزار سيكون شمبانزي، وستتشكل الدراما في الفيلم من خلال أبحاث ويل رودمان (جيمس فرانكو) على عقار يسعى من خلاله معالجة مرض الزهايمر، وحين يقوم بتقديمه للممولين في شركة الأدوية والأبحاث التي يعمل فيها، فإن القردة التي تخضع لتلك التجارب تهرب من المختبر، وتبدأ بتكسير وضرب كل ما تقع عليه إلى أن تصل غرفة الاجتماعات، ولتقتل على يد رجل أمن، وتقع صريعة على طاولة المجتمعين، ما يدفع مدير شركة ويل إلى إيقاف الأبحاث، ومع اكتشاف أن تلك القردة حامل، وبالتالي يتم انقاذ ابنها، ويقوم ويل بأخذه إلى بيته ليتولى رعايته.

سيطلق على ذلك القرد اسم سيزار، وسيكون شديد الذكاء، لدرجة سيتمكن فيها من لعب الشطرنج، وعليه يمضي نمو سيزار مع تطور أبحاث ويل الذي يقوم بحقن والده المصاب بالزهايمر بالعقار الذي كان يجربه فقط على القردة، وتكون النتائج إيجابية إلى حين.

العلاقة التي تنشأ بين سيزار من جهة وويل ووالده، ومن ثم صديقة ويل الطبيبة البيطرية كارولين (فريدا بينتو) ستكون مكثفة وودية إلى أن يبلغ سيزار فتبدأ معالم القسوة تبدو عليه، وفي حادثة تجري مع والد ويل يقوم بالهجوم على جاره بعنف ووحشية، ما يؤدي إلى نقل سيزار إلى مركز احتجاز خاص بالقردة، وهناك يؤسس سيزار لثورة القردة متبعاً كل ما على الثورات البشرية أن تتحلى به، إذ إنه يعمل على رفع الوعي من خلال سرقة العقار الذي اخترعه ويل، ومن ثم فرض سيطرته بوصفه القائد والمحرض والمخطط.

اكتفي بما تقدم من أحداث الفيلم، وأترك الباقي للمشاهدة، مع التأكيد على أن «كينغ كونغ» سيكون وارداً في هذا الفيلم مع الحفاظ على الاختلافات الكثيرة، كون كينغ كونغ ليس بأكثر من حيوان غاضب، بينما سيزار فإنه زعيم ثوري، ينقل التمرد من الفردية إلى روح قردية جماعية، ولعل نهاية «ثورة كوكب القردة» تخبرنا بشيئين، لهما أن يكونا قادرين على أن يمنحا الفيلم استمرارية في جزء ثانٍ أو أكثر، كون تلك الغابة التي ستصلها القردة بعد معركة طاحنة ستكون «البيت» كما سيقول سيزار، أو «الوطن» والذي يمكن أن يكون أيضاً «كوكب القردة»، وربما علينا أن نرى مستقبلاً نسخة جديدة من «كوكب القردة» فيلم الستينات، لا أعرف، ربما! كما أن إصابة جار ويل بما أصيب به أحد العاملين على أبحاث ويل من جراء تنشقه العقار الذي يجري تجاربه عليه، ينذرنا ربما بشيء قد ينتقل من القردة إلى الإنسان ــ طبعاً هذه افتراضات مبنية على النهاية ــ وبكلمات أخرى ألم ينتقل «الإيدز» مرض نقص المناعة المكتسبة من القرد إلى الإنسان!

ختاماً، تبقى أفلام الخيال العلمي إن صيغت جيداً محرضة للكثير من الأفكار، وربما في هذا ما يشكل معياراً بسيطاً ربما لمقاربتها، والمرجعية دائماً تكون على اتصال بالواقع، واقع مستقبلي أو حالي، دون التعامل معها وفق ما تقدمه حرفياً، فإن كان الحديث هنا عن ثورة قردة فإن في الأمر الكثير من الإنسان، ولعل الخيال كان ومازال دائماً متكئاً على الواقع، فكيف لسيزار أن يكون كذلك لولا آلاف النماذج البشرية التي يحتذي بها.

تويتر