بين « الكوميك » والألعاب الرقمية

« ثور ».. بطل معلّق بــين السماء والأرض

صورة

البطولة حلم إنساني طويل ومديد، يمكن استحضارها من الفضاء أو من تحت الأرض، لا فرق، المهم أن تطفو على الشاشة، وتتحقق المعادلة السهلة المقابلة للمعادلة الصعبة حياتياً، وينتصر البطل على الأشرار، وبالتأكيد سيكون هذا البطل خيّراً، وبالتالي سيكون عليه أن يحق الحق، ويرفع الظلم، وينتصر بمفرده مهما كان الثمن، والذي سيكون غير باهظ، ولا شيء من هذا القبيل، بل اتفاقاً هوليوودياً مصادقاً عليه لدى المشاهدين في جميع أرجاء العالم، بأن الخير لم يوجد على سطح الشاشة إلا لينتصر.

هذا يمضي بنا إلى البناء الأسطوري للشخصيات التي نشأنا عليها والخارجة من رحم «الكوميك»: سوبرمان، وبات مان، وسبايدر مان، والقائمة تطول، وأمام هذا الوجود الدائم لهذه الشخصيات في الذاكرة، والمحاولات الدائمة لبعثها من جديد من خلال الأجزاء المتوالية منها، ستكون هناك محاولات لخلق شخصيات أخرى، ولعل فيلم كينيث براناه Thor «ثور» المعروض حالياً في دور العرض المحلية يأتي من هذا المسعى، ولنكون أمام شخصية يتمركز حولها الفيلم، ويسخر في خدمتها كل ما هو متاح لتكون النتيجة فيلماً تجارياً يقدم الى كل ذي مطلب مطلبه، وخلطة عجيبة تكاد تكون بحراً متلاطماً من الخلطات المعدة سلفاً، فالفيلم اسطوري ومعاصر، وله أيضاً أن يجمع هاري بوتر مع سوبر مان، كما أنه فيلم غرامي كوميدي مأساوي ميلودرامي، ومسرحي أيضاً، الصفة الأخيرة التي عليها أن تحضر طالما الحديث عن مخرج مثل كينيث براناه صاحب «هاملت» وغيرها من مسرحيات شكسبير التي قدمها على الشاشة الكبيرة.

يعدنا الفيلم بأن يمنحنا تسلية ما، وهو ثلاثي الأبعاد، الصفة التي علينا ألا ننساها لتكتمل الخلطة التي تريد أن تعبر من شباك التذاكر وتقدم ما تقدم من فيلم تحضره وتفارقه، كما هي مسألة جلوسك على مقعد الصالة ومغادرتك إياه، أو تماماً مثله مثل «الناتشوز» الذي لن يضايقك صوت مضغه الذي أصبح الموسيقى التصويرية للأفلام التي نشاهدها في دور العرض المحلية العتيدة، لا بل هنا ومع هذا الفيلم مثل أفلام كثيرة غيره سيكون «الناتشوز» مطلباً لكي يصير الفيلم ثلاثي الأبعاد، وتمضي مع الغرافيك الذي يضعك أمام مدينة خيالية على صراع مع الكائنات الثلجية.

صديقنا «ثور» وإن لم يكن مسماه باللغة العربية يعني ذاك الحيوان ذا القرون، لكن يمكن اعتباره في البداية كالثور الهائج، وهو على أعتاب أن يكون وريث والده في العرض، حسناً إنها فورة الشباب، وفي اللحظة التي يتم فيها إعلان توريثه تأتي الكائنات الثلجية وتقتحم «أزغارد» المدينة الغرائبية التي يوحي تصميمها بأن سكانها يجب أن يكونوا من فائقي الحداثة، وليس من حملة السيف والمطارق، وما إلى هنالك، وبالعودة إلى صديقنا ثور (كريس هيمسورث) فإنه سيبادر إلى مهاجمة الكائنات الثلجية، وعصيان والده أودن (أنتوني هوبكنز) وليقوم هذا الأخير بنفيه إلى الأرض، دون أن ننسى بأن الفيلم بدأ بذلك، وبالتالي فإنه يعود إليه، ونحن نرى كيف يمضي ثور أيامه، بحيث يفتح الباب على مصراعيه أمام الكوميديا، والمفارقات التي يفرضها كون ثور كائنا غريبا يتكلم كلمات شكسبيرية، وكل ما حوله جاهل به تماماً، وهنا يختلط القدم بالحداثة، فلا نعود نعرف أحدهما من الآخر، كما أن ثور سيتبع نفي والده له من المدينة الفضائية بالمطرقة التي تنغرز في صخرة وتعجز كل المحاولات في نزعها، بما في ذلك سحبها بالسيارة، وما إلى هنالك، إلى أن يتحول الأمر إلى قضية، وتصبح المنطقة التي انغرزت فيها منطقة أمنية، وليفشل ثور أيضاً بنزع المطرقة الأسطورية.

الفيلم متشعب، ومتنقل من مساحة إلى أخرى، ونحن نتابعه وعيوننا على الغرافيك والأبعاد الثلاثة، وما عدا ذلك فحدّث ولا حرج، ويعجبني التعبير الذي يصف أصدقاء ثور الذين يهبطون أيضاً على الأرض لمساعدته، التوصيف الذي يرد على لسان رجل أمن في الفيلم عليه أن يصف ما يراه فيسمّي الشخصيات التي أمامه بـ«زينة وروبن هوود وجاكي شان»، ولعل هذا الوصف يصلح للفيلم نفسه الذي تتقاسمه ملامح من تلك الشخصيات، وفي استيفاء للعروق البشرية، التي تكتمل مع حارس المدينة الذي عليه بمنطق الفيلم أن يكون زنجياً.

ثور سيقع في حب جين فوستر (نتالي بورتمان)، طبعاً ضعوا ذلك في أذهانكم، كون ذلك الحب لن يكتمل، وهذا ما يعدنا بجزء ثانٍ على الأغلب، طبعاً هذا يحدث بعض الصراع الذي ينشب بين ثور وأخيه لوكي (توم هيدلستون) وعند اكتشاف أن هذا الأخير ليس إلا خائناً ودماء الكائنات الثلجية تجري في عروقه، وهو من قام بتسريبهم إلى «أزغارد» المدينة الآمنة التي يتبع ملكها كل ما هو مدعاة لتحقيق السلام والأمن.

فيلم مثل هذا الفيلم ينصح بمشاهدته كما لو أنه خارج من الألعاب الرقمية، وعائد إليها بالتأكيد، ولعل التطورات الكبرى في التصوير والغرافيك وغيرها من أدوات بصرية تنقلنا إلى مسار آخر كان في ما مضى يمضي من الكوميك إلى السينما، ومن ثم الألعاب الرقمية، الآن طرأ العديد من التعديلات على هذا التسلسل، والذي يمكن أن يكون مختلفاً تماماً، كأن يكون الفيلم قادماً من لعبة رقمية، أو أن يكون معداً في بنية لعبة رقمية، ولا ينقص مشاهدته إلا تحول الكرسي الذي نجلس عليه في صالة السينما، إلى كرسي مزود بالأزرار والمفاتيح بحيث يكون من المتاح التحكم بما يجري أمامنا مادامت الحبكة هي بناء يقود إلى أكبر قدر من المواجهات، ومعها الابتكار بالكائنات وضخامتها وشكلها، كما هي الحال مع بداية فيلم ثور مع ذلك الكائن العجيب الذي يجابهه ثور، وصولاً إلى الجزء الأخير من الفيلم، حتى الكائن المعدني الذي يطلق النيران، ويحرق الأخضر واليابس، والذي ينتصر عليه ثور لدى استعادة المطرقة.

في فيلمنا كل ما تقدم ونحن ننتقل مع ثور من «سكور»إلى آخر، لكن يمكن اضافة رطانة مسرحية، أو عبارات معلبة وجاهزة عن مفاهيم لن تبدو إلا عائمة، مثل مفاهيم أودن عن السلام والخير، وما إلى هنالك، مما تجلدنا به هكذا أفلام في اتباع لقول أي شيء عن أي شيء بما يوحي بالحكمة العميقة، ومع ذلك يحضر ايضاً مستوى آخر كوميدي، كما أن الفيلم وقبل كل شيء فيلم صالح لكل الأعمار، وهو مصنف بحيث يمكن للأطفال مشاهدته لكن بإشراف عائلي، وبالتالي فإنه لا يترك شيئا ليعتب عليه، هذا إن كان من عتب فله أن يكون الفيلم وصفة من وصفات عدة عينها فقط على شباك التذاكر، هذا ليس عتباً ولا أحد في وارده، هذا واقع وحقيقة مفروضان على المشاهد.

تويتر