نجوم اجتمعوا على الكوميديا

«ريد».. رصـاص قاتـل من الضحك

الفيلم يجمع حشداً من نجوم السينما في قالب كوميدي متقن. آوت ناو

هناك شيئان يستدعيهما اجتماع عدد كبير من النجوم في الفيلم، إما التعامل معه بريبة على اعتباره قد يكون مقلباً سينمائياً تنجو منه أو لا تنجو، كون الأسماء ستكون لامعة، وفي الوقت نفسه قادرة أن تكون بمثابة مغناطيس يحول المشاهدين إلى حديد أو معدن منجذب إلى هذا الفيلم المغناطيسي بنجومه، ولتكون النتيجة لا شيء، فالنجوم اجتمعوا على لا شيء، وعلى فيلم لم يجذب غيرهم إليه إما لأسباب مالية أو غيرها من الحسابات غير الخاضعة لاعتبارات فنية، مع التغييب الدائم للحقيقة الصارخة لدرجة صم الآذان بأن النجومية ليست معادلاً للجودة أبداً.

لكن اكتشاف ذلك غالباً ما يأتي بعد المشاهدة، وإن القدرة البراقة التي تتحلى بها الآليات الإعلامية سرعان ما تمسح ذلك. الشيء الثاني يأتي من باب المتعة أو تمضية أوقات لطيفة ومسلية أثناء التصوير مثلما الحال مع أفلام كثيرة تشعر بأن الممثلين يستمتعون بها أكثر من المشاهدين، فيلم «أوشين» وصولاً إلى 13 منه، وسودربيرغ لا يترك ممثلاً يعتب عليه، براد بيت وجورج كلوني ومات ديموند وجوليا روبرتس والقائمة تطول، لنكون في النهاية أمام عملية السرقة الخارقة التي سينجزها الرفاق الظرفاء، سودربيرغ نفسه صاحب «ترافيك» يصنع أيضاً تلك الأفلام لتكون كما الكِرِيمة التي تتذوقها وتذوب في الفم ولا أثر يدل على طعمها بعد ذلك.

آلة ترفيهية

الجميع يفعل ذلك في هوليوود، ثمة آلة ترفيهية متوحشة بانتظار تلقّف كل شيء، وما يطفو على الشاشة الكبيرة بانتظاره أيضاً مسيرة طويلة من وسائط المشاهدة، هناك آلاف المحطات التلفزيونية التي تبث أفلاماً ليل نهار، هناك ما يجب عليه أن يكون متناسباً مع «فوشار» السينما، و«الفوشار» المنزلي أيضاً أو مائدة العشاء أيضاً، والوقت لا يرحم مثله مثل ساعات البث التي عليها أن تمتلئ وتحقق نسب مشاهدة تتناسب طردياً مع المتعة والترفيه.

بتلك الحقائق الصارخة ومعها ما بدأنا به تقديمنا، يمكن مشاهدة فيلم Red «ريد» المعروض حالياً في دور العرض المحلية الذي جمع إضافة إلى بروس ويليس، كلاً من مورغان فريمان وهيلين ميرن وجون مالكوفيتش، وليكون السؤال ما الذي يجمع هؤلاء الذين نعرفهم بجدية مفرطة في فيلم له أن يكون فسحة كوميدية مأخوذة أيضاً بمتعتهم الشخصية، ربما بتقديم هكذا فيلم يستوفي شرطاً رئيساً ومقدساً في سينما اليوم ألا وهو الترفيه، وبالتأكيد التسلية التي تأتي ميزةَ الفيلم الرئيسة والوحيدة. هنا سيأتي بحث من نوع آخر في ثنايا الكوميديا، التي سينجح بالدرجة الأولى في أن يقدمها مالكوفيتش في هذا الفيلم، فهو كما نعرفه ممثل قادر على تجسيد اي شخصية وبأداء دائماً ما يكون مميزاً، على الرغم من أننا نعرفه بتلك الأدوار الجانحة إلى الشر ومعها الجدية المفرطة، لكن في «ريد» ستقعون عليه في شكل آخر، وهو يقدم شخصية كوميدية من الطراز الأول.

أمراض المهنة

يبدو أن أجمل أنواع الكوميديا هي تلك التي تُبنى على الشخصيات ولتكون المفارقات والمواقف نابعة منها تماماً، فمع فيلم «ريد» الذي أخرجه روبرت شونتكه واشترك في كتابته أربعة كتاب سيناريو، يأتي تماماً من البناء الكوميدي للشخصيات، التي لن تكون في النهاية إلا مجموعة من عملاء الاستخبارات المتقاعدين، بما يجعل الماضي المؤسس الرئيس لكل شخصية على حدة، وليبدو الأمر فاقعاً مع «مارفن» الشخصية التي قدمها مالكوفيتش، فهو يعيش كل أمراض المهنة، يردد على الدوام «موبايل، انترنت، أقمار اصطناعية» وكل وسائل الاتصال التي تشكل رهاباً أبدياً بالنسبة إليه بوصفها وسائل تنصت ومراقبة، وهو لذلك يعيش في غابة نائية، ونجده يمضي إلى سيارة مهترئة يفتح غطاء المحرك فإذا بما تحتها هو سلم يقود إلى مكان إقامته المليء بالملفات والمعدات.

الوصول إلى مارفن يكون من خلال فرانك (بروس ويليس) شخصية الفيلم الرئيسة الذي نقع عليه واقعاً في غرام امرأة عبر الهاتف، وفي اللحظة التي يقرر فيها الذهاب للقائها والتعرف إليها، يتعرض بيته لهجوم ماحق، يتعامل معه بحرفية مجنونة، كأن يضع رصاصات في المقلاة على النار بعد أن يقتل كل من اقتحموا بيته، بما يدفع من هم يحاصرون البيت للتقدم بعد انفجار الرصاصات، ومن ثم تبدأ رحلة هربه واكتشافه حقيقة من يلاحقه وهو عميل الـ«سي آي إيه» السابق، لكن قبل ذلك يأخذ معه حبيبته التليفونية سارة (ماري لويس باركر) التي يضطر بداية إلى تقييدها وتكميم فمها، لتنشأ بينهما أغرب علاقة حب من البداية، ولتقع سارة على مغامرات لم تكن في حسابانها وهي التي تمضي أياماً مملة وروتينية.

سيعود فرانك إلى رفاقه القدامى في سعيه لأن يهرب من المتربصين به، جو (مروغان فريمان) الذي يعيش في مأوى للمسنين، الذي لم يتوقع يوماً أن يتخطى الثمانين ويكون مصيره دار المسنين، هو رجل الحروب والاستخبارات، ومن ثم يضطر فرانك إلى اللجوء إلى عميل سابق لـ«كي جي بي»، ومن ثم فيكتوريا القناصة (هيلن ميرن).

كوميديا بامتياز

الفيلم كوميدي بامتياز، له أن يكون ايضاً، وبعيداً عن الكوميديا، خلطة من كل أفلام الجاسوسية من جيمس بوند مروراً بـ«المهمة المستحيلة» وصولاً إلى الجواسيس على طريقة بيتر سيلر الذين حملتهم مئات الأفلام، ولنكون في النهاية أمام صراع أجيال، متمثل في وليم «كارل اربين» الذي يلاحق فرانك، وليكون الرهان ايضاً على العملاء المتقاعدين، ذكرياتهم وأساليبهم، والحنين إلى أيام الحرب الباردة كما الحال مع ضابط الاستخبارات الروسية الذي يبكي زمناً مضى ولن يعود، وقد مرت عليه خمس سنوات لم يقتل فيها أحداً، ثم اكتشاف أن فيكتوريا عميلة المخابرات البريطانية على علاقة مع الضابط الروسي الذي حين صوبت عليه لم تصبه إلا بثلاث رصاصات قرب كتفه، وهذا كان كافياً ليعرف أنها تحبه، لأنها لو لم تكن كذلك لأصابته في رأسه. هناك جرعة كبيرة من الأكشن المسلي في الفيلم، لا بل إن اكتشاف أن تصفية هؤلاء العملاء السابقين يقف وراءها نائب الرئيس الأميركي، سيجعل من محاولة اغتياله عملية يطلق فيها من الرصاص بما يجعل من إصابات الضحك محققة، عملية تشعر بأنها بلا نهاية ومليئة بالمفارقات واللعب. في فيلم «ريد» اللقب الذي يطلق على عميل الـ«سي آي إيه» الذي أصبح قيد التصفية، سنعرف جيداً ما الذي يجمع هؤلاء النجوم في هذا الفيلم، ولن يكون مقلباً سينمائياً، إن كنا ساعين إلى الكوميديا المتصلة بستلر والإرث الطويل من أفلام عملاء الاستخبارات المضحكين.

تويتر