عام السقوط.. عملاق السينما يفقد عرشه في 2023

جيرار دوبارديو يحتفل اليوم ببلوغه 75 عاماً. أ.ف.ب

فقد النجم جيرار دوبارديو الذي يحتفل اليوم الأربعاء ببلوغه 75 عاماً، هالته التي احتفظ بها طويلاً كأيقونة لا تُمسّ في مجال التمثيل.

وعلى الرغم من اتهامه بالاغتصاب في عام 2020 إثر شكوى قدمتها الممثلة العشرينية شارلوت أرنو، زاد الممثل في السنوات الأخيرة من تصوير الأفلام التي عُرف عنه اعتماده الانتقائية في اختياراته.

وحافظ دوبارديو على مكانته كأحد الأعلام القليلة المتبقية في السينما الفرنسية. ومن بين العمالقة الآخرين، آلان ديلون الذي يقسم الرأي العام بسبب مواقفه التي توصف بالرجعية، توقف عن تصوير الأفلام.

وحدها كاترين دونوف (80 عاماً) تواصل نشاطها السينمائي، وشاركت عام 2018 في التوقيع على مقالة أثارت جدلاً كبيراً تدافع عن حرية الرجال في «معاكسة النساء». ولم تتحدث النجمة في الأيام الأخيرة عن دوبارديو الذي شاركت معه التمثيل في نحو 10 أعمال مختلفة.

وباستثناء الدوائر النسوية، كان دوبارديو يتمتع حتى فترة قريبة مضت من قدر معين من التساهل. واجتذب طبعه الصريح وتصريحات الجريئة في أحيان كثيرة، تعاطف الجمهور وأوساط المهنة.

ورغم أن تصريحاته حول حالات اغتصاب زُعم أنه كان جزءاً منها في شبابه كلفته مسيرته المهنية في الولايات المتحدة في أوائل التسعينات، لكن لم يكن لها صدى يُذكر في فرنسا آنذاك.

وعندما وصفته ممثلة مشهورة مثل صوفي مارسو بأنه «مفترس» في عام 2015 بسبب سلوكه في موقع التصوير، لم يكن لكلامها أي تأثير.

وتفضل أوساط الفن السابع الإشادة بالممثل الذي شارك في أكثر من 200 فيلم سينمائي وتلفزيوني، مع أدائه الغريزي وشرهه على العمل، خصوصاً مع تجسيده بعض أهمّ أبطال الأدب الفرنسي، من سيرانو إلى جان فالجان في «البؤساء»، مروراً بأوبليكس.

لكن في نهاية 2023، لم يعد دوبارديو يُضحك الناس. وقد أوقف حياته المهنية وبات أكثر الفنانين إثارة للجدل في فرنسا.

وتسارعت الأمور في أقل من شهر، بعد أن عرضت قناة «فرانس 2» الفرنسية العامة وثائقياً ضمن برنامج «كومبليمان دانكيت» الاستقصائي، تضمّن مشاهد أدلى فيها بتعليقات مسيئة كثيرة بحق نساء خلال رحلة عام 2018 إلى كوريا الجنوبية، من دون أن تسلم فتاة صغيرة من إيحاءاته الجنسية.

وأدى نشر هذه المقاطع إلى سلسلة من الإجراءات ضد الممثل، إذ جُرد دوبارديو من وسام كيبيك الوطني، وسُحب منه لقب المواطن الفخري في منطقة بلجيكية، كما نُزع تمثاله الشمعي من متحف الشمع في باريس.. كما أن بعض الشخصيات السينمائية أدارت ظهرها له علناً، مثل الممثلة أنوك غرينبرغ.

في المقابل، حشد المعسكر المؤيد لدوبارديو قواه، وفي طليعته أفراد عائلته، بمن فيهم ابنته الممثلة جولي دوبارديو التي دانت ما اعتبرته «مؤامرة» ضد الممثل، كما دافعت شريكة حياته السابقة كارول بوكيه عن «حس فكاهي يتخطى الحدود أحياناً» لرجل قالت إنه «لا يستطيع إيذاء امرأة».

وأمس الثلاثاء، نددت نحو 60 شخصية ثقافية بما وصفته «إعداماً بلا محاكمة»، في مقالة نشرتها صحيفة «لوفيغارو»، شارك في التوقيع عليها المخرج برتران بلييه، والممثلتان ناتالي باي وشارلوت رامبلينغ، والممثلون جاك فيبر، وبيار ريشار وجيرار دارمون، والمغنون روبرتو ألانيا وكارلا بروني وأرييل دومبال أو المغني جاك دوترون.

ورد جيرار دوبارديو خلال اتصال أجرته به إذاعة «ار تي ال» الفرنسية «أعتقد أن هذا الأمر ينمّ عن شجاعة كبيرة لدى الموقّعين»، مضيفاً أنه لم يكن وراء هذا النصّ لكنه ببساطة سمح لمؤلفه بنشره.

واتخذت قضية دوبارديو بعداً آخر عندما انبرى للدفاع عن دوبارديو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خضم واحدة من أعمق الأزمات السياسية في رئاسته، المتعلقة بقانون الهجرة الذي روّج له بدعم من اليمين المتطرف.

ودان ماكرون «الاستهداف الجماعي» بحق دوبادريو، منتقداً خطوة وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك التي أعلنت أن «إجراءً تأديبياً» سيُطلق لاتخاذ قرار في شأن وسام جوقة الشرف الممنوح سابقاً للممثل الفرنسي.

وأبدى الرئيس الفرنسي «إعجاباً كبيراً بدوبارديو»، واصفاً اياه بـ«الممثل العظيم» الذي «ساهم في الشهرة العالمية لفرنسا ومؤلفينا العظماء وشخصياتنا البارزة»، وقال إن «فرنسا فخورة به».

ولدى الممثل المولود في شاتورو بوسط فرنسا، تاريخ متضارب مع وطنه، منذ أن أعلن نهاية عام 2012 أنه سيتخلى عن جواز سفره الفرنسي احتجاجاً على فرض الضرائب على الأغنياء، واختياره بلجيكا منفى ضريبياً.

كما أثار الجدل عبر تعبيره الدائم عن الإعجاب ببعض من أشهر الزعماء المستبدين في العالم، وحصل أيضاً على الجنسية الروسية.

وعلى المستوى القضائي، بالإضافة إلى اتهامه بالاغتصاب، فإن دوبارديو، الذي ينفي الاتهامات، هو هدف شكوى بالاعتداء الجنسي تقدمت بها الممثلة إيلين داراس عن وقائع يُفترض أنها سقطت بالتقادم،

وكذلك شكوى أخرى في إسبانيا من جانب الصحافية روث بازا التي تتهمه بأنه اغتصبها عام 1995.

ويرتكز داعمو دوبارديو في دفاعهم عنه على أهمية العمل بمبدأ قرينة البراءة.

وقال ماكرون «يمكن اتهام شخص ما وقد يكون هناك ضحايا، لكنّ ثمة قرينة البراءة أيضاً».

 

 

تويتر