5 دقائق

بلاد مشرقة

حمدان الشاعر

ما من شك في أن اليابان على الرغم من الكارثة التي حلت بها ستعود كما كانت بصورة أسرع مما يتوقعه أشد المتفائلين، فالأصوات التي تأتي من هناك تدل على أننا إزاء شعب يعي معنى المواطنة الحقة، ويقدر صنيع حكومته، ويعرف قيمة بلده، فقد تبرع اليابانيون بملياري دولار لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، كما وافق معظم الشعب في استفتاء على زيادة الضرائب حتى يسهم كل فرد منهم في انتشال بلاده من تبعات هذه الكارثة الطبيعية. والأجمل هو حرص الحكومة المستمر على أن تكون عند حسن ظن شعبها حين تعمل بكامل طاقاتها لإصلاح الضرر في بنيتيها التحتية والفوقية، من أجل إعادة الحياة في مرافقها إلى ما كانت عليه في السابق.

هذا الشعب جدير بالاحترام، إذ يكون الفرد في خدمة الكل بلا تعالٍ ولا تفاخر، وحيث تسقط الأنانية والأثرة أمام «تسونامي» من مشاعر صادقة في الوحدة الوطنية تسمو فيها الأنفس فوق حب الذات، فيذوب الجميع تفانياً وعملاً دؤوباً لبناء الوطن، فيأبى المواطن الياباني إلا أن يشارك حكومته جهودها، لإيمانه بأن الحكومة والشعب لابد أن يكون لهما الجهد والعمل ذاتهما، انطلاقاً من وحدة المصير والهدف. فالتلاحم الوطني ركن أساسي في المواطنة، والوطن ليس مجرد بلد للعيش أو الرزق، بل هو أكبر من ذلك، فهو قدر واحد وحلم جميل ينسج فيه الكل غاياته لبناء مجتمع متضامن.

لقد خفف الإحساس العالي بالمسؤولية من هول الكارثة، فلم يكن هناك طوابير يُتشاجر فيها للخبز والماء، أو انفلات أمني يستدعي حلولاً عسكرية أو مزايدة سياسية لاقتناص سلطة عابرة، بل إحساس راقٍ بضرورة التضامن في المحنة للخروج منها بأقل الأضرار.

هذا الشعب المثالي يسكن في بلاد المستحيل الممكن، حين يقفز فوق الجراح والنكبات ليسطر ملاحم بطولية في الفداء والتضحية، وهذا التناغم الممتزج بقناعات أخلاقية جعلت من اليابان بلداً مشرقاً، فمثل هذا الشعب لا يخشى عليه من أية كارثة، فهو يمتلك قدرة خلاقة في اجتراح المستحيل، وتقدير الواجب تجاه وطنه وحقه عليه في أن يتجاوز المحنة بسواعد أبنائه وحدهم.

hkshaer@dm.gov.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر