نقص إمدادات الطاقة يهدد قطاع الاتصالات الأوروبي

يواجه قطاع الاتصالات في أوروبا مخاطر جمة بسبب تفاقم أزمة الطاقة وارتفاع أسعارها بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية، فيما ستزداد حدة المخاطر على القطاع والقطاعات الاقتصادية المرتبطة به وعلى رأسها قطاع تكنولوجيا المعلومات، حال استمرار اضطراب الامدادات على المدى المتوسط والبعيد كذلك.
واعتادت دول الاتحاد الأوروبي على إمدادات الطاقة المستقرة لفترة طويلة؛ ولم يكن لديها اهتمام كبير بامتلاك مولدات لدعم الطاقة لفترات طويلة في حال انقطاعها، غير أنه مع التحولات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة، والموقف الأوروبي المناهض للتدخل الروسي في أوكرانيا، ومن قبل ذلك موقف بعض الدول الأوروبية الرافض لاستكمال خط أنابيب "نورد ستريم2" عوامل وضعت أوروبا تحت الضغط الروسي بورقة الغاز؛ و أزمة طاقة ممتدة منذ أوائل العام 2021.
وأظهرت دراسة حديثة صادرة عن مركز "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" ومقره أبوظبي، حجم الجهود الأوروبية لتقليل الانعكاسات السلبية على قطاع الاتصالات، مشيرة إلى أنه برغم امتلاك أوروبا ما يقرب من 500 ألف برج اتصالات، يوفر معظمها بطاريات احتياطية تدوم لنحو نصف ساعة، بما يسمح بتشغيل الهواتف النقالة، إلا أن ذلك وحده لا يكفي في حال التعرض لانقطاعات طويلة في التيار الكهربائي؛ لذا تتفاوض عدد من الحكومات الأوروبية مع الشركات وموزعي الطاقة لمنع انقطاع التيار الكهربائي عن الهواتف المحمولة أو على الأقل تقليل مدد الانقطاع الوارد حدوثها، فيما تحاول الشركات إيجاد حلول لضمان بقاء أبراج الاتصالات متصلة بالإنترنت لأطول فترة ممكنة.  
وأشارت الدراسة إلى التحديات الإضافية المتعلقة بقطاع الاتصالات، الذي يمثل أحد القطاعات الاستراتيجية في أوروبا، وأحد الأصول الرئيسية، كما تعد الاتصالات السلكية واللاسلكية العمود الفقري لقطاع التكنولوجيا في أوروبا، والذي تبلغ القيمة المضافة لشركاته نحو 141.5 مليار يورو سنوياً.
وأوضحت الدراسة أن قطاع الاتصالات الأوروبي يركز في الوقت الراهن على البنى التحتية التي تشكل أساس التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر، وتسريع الاعتماد التكنولوجي على شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني وغيرها، والتي تعتمد على المزيد من الطاقة التي تواجه نقصاً شديداً حالياً، ليصبح التحدي الرئيسي هو مدى قدرة القطاع على تحقيق أهداف أوروبا الرقمية والانتقال الأخضر خلال العقد الجاري.
ووسط عدم استقرار إمدادات الطاقة والكهرباء يبرز أحد عواقب أزمة هيكل سوق الاتصالات الأوروبية في انخفاض القدرة التنافسية والاستثمارية لقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، الذي يمثل مورداً استراتيجياً لدول الاتحاد؛ ما بات يهدد قدرة القطاع على تلبية أهداف الاتحاد الأوروبي الرقمية والاقتصاد الأخضر في الوقت المحدد له.
ويرجع المستثمرون توقعات انكماش إيرادات قطاع الاتصالات في أوروبا بمعدل مثير للإحباط، إلى افتقار المشغلين في أوروبا إلى حجم السوق مقارنة بالمشغلين وإيراداتهم في الولايات المتحدة.
وأكدت دراسة "إنترريجونال " أنه وفي إطار التحديات الحالية التي تحدق بقطاع الاتصالات في أوروبا، وكذلك قطاع التكنولوجيا، وعلى رأسها مخاطر انقطاع الكهرباء، بفعل نقص الطاقة؛ فإن أوروبا تحتاج إلى خوض مسارات مختلفة، وعدم الاكتفاء برد الفعل ؛ فربما يسهم تقنين استخدام الكهرباء وقطعها على فترات متقطعة، في توفير الطاقة، غير أنه يظل حلاً غير عملي؛ إذ يحتاج الأمر أولاً إلى تكييف إطار المنافسة، وتحسين المناخ الاستثماري في قطاع الاتصالات؛ ما من شأنه أن يخدم المستهلك بشكل أفضل؛ حيث ستوفر المنافسة المستدامة فرصة للاستثمار الفعال في البنية التحتية عالية الجودة، كما سيزيد من العوائد التي تعزز الاستثمار في القطاع، وهو ما سيتيح للقطاع القدرة على الصمود أمام أزمة إمدادات الطاقة.

تويتر