بعد أن تحوّل الفرد إلى «كتاب مفتوح».. والمنصّات «كنوز بيانات دفينة» (1 ــ 2)
مواقع التواصل الاجتماعـــي.. «انكشاف طوعي» على الحكومـات وشـركات التسويق
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل ورسوم الإحصاءات البيانية، يرجى الضغط على هذا الرابط.
نجحت مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، خلال فترة زمنية قصيرة، في كسر قواعد أنظمة الدول التقليدية الخاصة بقوانين المطبوعات والنشر، لتشكّل بذاتها «دولاً افتراضية» بعَلَم وسكان، قاعدتها ملايين الأفراد الذين وجدوا فيها متنفساً للتعبير عن أفكارهم وميولهم السياسية ومعتقداتهم الدينية، بعيداً عن (مقص الرقيب) في المطبوعات التقليدية من صحافة ورقية، وإعلام مرئي ومسموع، فضلاً عن أنظمة مرنة لتلك المواقع تمنح «جنسيتها» بسهولة عبر حساب يفتح خلال دقائق معدودة، وتتيح لهؤلاء حرية التنقل بين ملايين المواقع التي أذابت الحدود التقليدية.
وتظهر حقيقة ذلك من الأرقام المعلنة لعدد مستخدمي تلك المواقع، إذ وصل عدد مستخدمي موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي حالياً إلى نحو 1.55 مليار مستخدم نشط، فيما بلغ عدد الأعضاء المشتركين في موقع «لينكد إن» نهاية الربع الثالث من عام 2015 نحو 400 مليون عضو، وعدد المستخدمين النشطين شهرياً في موقع التدوين المصغر «تويتر» 320 مليون مستخدم. بينما احتفل موقع «يوتيوب» للفيديو، أخيراً، بوصول عدد مستخدميه إلى مليار مستخدم خلال 10 سنوات من إطلاقه.
في وقت وجدت فيه هذه الملايين مساحة افتراضية خصبة للتعبير عنها، كانت الدولة الرسمية والحكومات وشركات التسويق والمعلنين، كل حسب أهدافه، ترى في تلك المواقع «كنوز بيانات دفينة»، وفي المستخدمين أنفسهم «كتباً مفتوحة»، باتت مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها تستخدم ذلك الكنز المعلوماتي، لتعزيز عائداتها وربحيتها بطرق متعدّدة.
وبالتالي، فقد أصبحنا أمام معادلة عناصرها الأساسية المستخدم، ومواقع التواصل الاجتماعي، والحكومات بأجهزتها المختلفة، وشركات التسويق، وأصبحت بيانات المستخدمين المطلوب رقم «واحد» لتلك الجهات، لاسيما بعد استخدام المتطرّفين لتلك المنصّات الاجتماعية للترويج لأفكارهم، واستقطاب الشباب.
وأظهرت عملية رصد لـ«الإمارات اليوم»، لأحدث تقارير الشفافية الصادرة عن شركات مواقع التواصل الاجتماعي، خلال النصف الأول من عام 2015، تزايداً في أعداد الطلبات الحكومية للكشف عن بيانات المستخدمين عالمياً وفي المنطقة العربية، في وقت كان يحظر فيه على شركات التقنية الكبرى تقديم تفاصيل عن طلبات الحكومة الأميركية حول بيانات المستخدمين، إلا أن صفقة عقدت مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في يناير 2015، مكّنت شركات «مايكروسوفت»، و«فيس بوك»، و«غوغل»، و«ياهو»، من نشر معلومات أكثر حول تلك الطلبات.
انكشاف طوعي
|
أوباما يعترف: نراقب الحسابات على الشبكات الاجتماعية
أكّد الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن «الحكومة الأميركية تُراقب حسابات الزوّار الأجانب على الشبكات الاجتماعية». الهاتف الذكي.. مرافق دائم ومراقب للتحركات لم تقتصر عملية جمع المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي وما ينشره المستخدم فيها، بل تعداه إلى الهاتف الذكي، الذي يُعدّ المرافق الدائم للمستخدم في حله وترحاله، إذ يرصد الهاتف الذكي حالياً حركات صاحبه، ويسجل معلومات مفصّلة قد لا يعرفها أقرب المقربين إلى المستخدم، فهو يسجل الموقع الجغرافي، والمكالمات الهاتفية التي يُجريها أو يتلقاها، والصور التي يلتقطها، والأشخاص الذين يتبادل معهم الصور، فضلاً عن تقنيات متطوّرة أصبحت تراقب المؤشرات الحيوية للجسم والنشاط البدني. «إف بي آي» يجمع الصور بهدف التعرف إلى الوجوه كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في يونيو من عام 2014، عن وثائق قالت إنها سرية، تظهر جمع وكالة الأمن القومي الأميركي أعداداً كبيرة من الصور التي تم جمعها من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي والمؤتمرات الفيديوية بهدف التعرف على الوجوه. |
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، على اختلاف مسمياتها: «فيس بوك»، و«تويتر»، و«لينكد إن»، و«غوغل بلس»، و«يوتيوب»، و«إنستغرام»، وغيرها كثير، قواعد بيانات ضخمة جداً تُغري الحكومات، وأجهزة الأمن، والسفارات، وشركات التسويق الاستهلاكية، لمراقبة المستخدمين، ورصد ما ينشرونه من صور وأخبار عن حياتهم اليومية، وحتى ما يعبّرون عنه من «إعجابات» أو تعليقات ومداخلات على ما يُنشر، لاستخدامها في تحديد ميولهم السياسية، وما يحملونه من أفكار قد تعتبرها تلك الجهات «خطراً» عليها أو تحتاج إلى متابعة.
وليصبح بذلك ملايين المستخدمين لهذه المواقع في حالة «انكشاف طوعي» بإرادتهم ومن دون أي ضغوط، بعد أن كانت تبذل جهوداً خاصة جداً، وربما سرية في جمع المعلومات عن هذا الفرد أو ذلك، عن طريق أجهزة التحقيق المباشر في الغرف التابعة لأجهزة الأمن، أو عن طريق الضغط على أقرانهم ومراقبتهم للوصول إليهم، أو اختراق شركات التقنية والبريد الإلكتروني للمستخدمين من دون علمهم، أو حتى من خلال تعاون غير معلن بين بعض الشركات والجهات الرسمية، وهو ما ظهر جلياً بعد تسريبات المُتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، التي بدأت بالظهور منذ منتصف عام 2013، وكشفت عن وجود تعاون بين الحكومات والشركات التقنية، إذ نشر «سنودن» تقارير أكّدت امتلاك جهات حكومية لبرامج و«أبواب خلفية» تسمح لها بالوصول إلى بيانات مستخدمي كُبرى الشركات التقنية.
كما شكّلت حالة «الانكشاف الطوعي» فرصة كبيرة أمام شركات التسويق لمعرفة اتجاهات المستخدمين وميولهم الشرائية، عبر ما تبحث عنه في محركات البحث الخاصة بمواقع الإنترنت، وما يكتبونه من تغريدات، أو ما ينشرونه من صور تظهر اهتماماتهم وعاداتهم الشرائية والاستهلاكية.
بيانات المستخدمين
في الحالتين، فإن كلاً من الحكومات وشركات التسويق لا تنكر سعيها إلى الحصول على بيانات المستخدمين، سواء بشكل مباشر عبر ما ينشره هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق طلبات رسمية تتقدم بها تلك الجهات إلى الشركات العالمية، تطلب فيها معلومات محددة عن أشخاص، وهو أمر تسبب في أزمة يمكن اعتبارها أخلاقية بين شركات التقنية والحكومات من جانب، وشركات التقنية والمستخدمين من جانب آخر، إذ ترى الشركات أن تسليم بيانات المستخدمين يُعرّضها لأزمة ثقة مع ملايين المستخدمين في العالم، ولهذا لجأت تلك الشركات، وبهدف الحفاظ على صدقيتها وشفافيتها في التعامل مع الطلبات الحكومية، إلى نشر تقارير دورية تظهر حجم الطلبات الحكومية، وعدد المستخدمين المستهدفين، ونسبة التجاوب مع تلك الطلبات.
وخلال ديسمبر الجاري، كشف إيداع قضائي أن مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة (إف بي آي) استخدم سلطة سرية لإجبار شركات الإنترنت والاتصالات على تسليم بيانات المتعاملين، بما في ذلك كامل تاريخ التصفح الخاص بهم، إضافة إلى سجلات جميع المشتريات عبر الإنترنت. وتكشف الوثائق للمرة الأولى، عن تقديم الحكومة الأميركية تفاصيل لما يُسمى بـ«خطابات الأمن القومي»، التي تُستخدم من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، لإجراء مراقبة إلكترونية من دون الحاجة إلى موافقة المحكمة.
والإيداع القضائي، الذي كشف عنه، جاء نتيجة لمعركة قانونية مستمرة منذ 11 عاماً أقامها مؤسس شركة «كاليكس إنترنت أكسس» لخدمات الاستضافة، نيكولاس ميريل، الذي كان رفض الامتثال لـ«خطاب أمن قومي» أُرسل إليه في عام 2004.
يُشار إلى أن «خطابات الأمن القومي» متاحة، باعتبارها أداة لإنفاذ القانون منذ سبعينات القرن الماضي، لكن وتيرتها توسعت لدرجة كبيرة بموجب قانون «باتريوت»، الذي صدر بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
تقرير «أبل»
أظهر «تقرير الشفافية» الخاص بشركة «أبل» الأميركية، المتعلق بالنصف الأول من عام 2015، أن الحكومة الأميركية كانت الأكثر تقديماً لطلبات الكشف عن معلومات مستخدمي «أبل»، إذ بلغ عدد تلك الطلبات 2000 طلب حكومي، في حين بلغ عدد طلبات الكشف عن معلومات بشأن أجهزة المستخدمين 3542 طلباً.
وبحسب التقرير، فقد حلّت المملكة المتحدة ثانية مسجلة 127 طلباً، تليها إسبانيا (102 طلب)، ثم ألمانيا التي تقدمت بـ93 طلباً، ثم أستراليا (74 طلباً)، وفرنسا (71 طلباً)، وإيطاليا (60 طلباً).
وكانت المفاجأة أن قائمة «أبل» الخاصة بالدول التي تقدمت بطلبات للكشف عن معلومات لحسابات مستخدمي «أبل» لم تتضمن أي دولة عربية.
وعلى الرغم من الطلبات الحكومية، فإن «أبل» شدّدت في تقريرها على أن جميع أجهزتها لا تجمع بيانات مستخدميها الشخصية بأي شكل، وأن المعلومات التي يتم تداولها عبر خدماتها المتنوّعة تخضع للتشفير، ما يضمن خصوصية المتعاملين.
تقرير «فيس بوك»
أما «تقرير الحكومات» الصادر عن شركة «فيس بوك» الأميركية، فأكّد أن الشركة تلقت خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2015 نحو 41 ألفاً و214 طلباً حكومياً للاطلاع على بيانات مستخدمين من 93 دولة حول العالم، من بينها 19 طلباً من ثماني دول عربية شملت 82 مستخدماً هي: مصر، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وقطر، وتونس، والإمارات.
ولفت التقرير إلى ارتفاع عدد الدول العربية التي تقدمت بطلبات للاطلاع على بيانات المستخدمين، مقارنة بعام 2014، بمقدار دولتين بنسبة زيادة تبلغ 33%، في حين كانت البيانات المطلوبة خاصة بـ24 مستخدماً خلال عام 2014، ما يعني ارتفاعاً نسبته 242%، مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2015.
وبحسب تقرير «فيس بوك»، فقد كانت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، والهند، وألمانيا، وفرنسا، والبرازيل من أكثر الدول التي تقدمت بطلبات للكشف عن بيانات حسابات تابعة لخدمات تقدمها شركة «فيس بوك»، والتي تضم: موقع «فيس بوك»، و«فيس بوك ماسنجر»، وتطبيق «واتس أب»، و«إنستغرام».
وشكّلت طلبات وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وحدها بيانات تخص 26 ألفاً و579 حساباً، تشكل أكثر من 60% من الطلبات عالمياً.
وأكّدت «فيس بوك» في تقريرها أن الحكومات أصبحت تعتمد على نحو متزايد على ما وصفته بـ«الكنوز الدفينة» من بيانات المستخدمين على شبكتها الاجتماعية، للمساعدة على التحقيق في القضايا الجنائية.
تقرير «تويتر»
إلى ذلك، كشفت بيانات «تقرير الشفافية» الصادر عن موقع التدوين المصغر «تويتر»، ويغطي الفترة من يناير إلى 30 يونيو 2015، أن الحكومات باتت تطلب مزيداً من المعلومات.
وأظهر التقرير أن إدارة الموقع تلقت 4363 طلباً للكشف عن معلومات الحسابات، بزيادة نسبتها 52% على النصف الثاني من عام 2014.
وأوضح أن الولايات المتحدة استحوذت على 2436 طلباً وحدها، بينما جاوزت اليابان، التي لم توجد مطلقاً على قمة قائمة مقدمي الطلبات، مكانة تركيا، وحلّت في المركز الثاني.
وبحسب التقرير، فإن السعودية تصدّرت قائمة الدول العربية، بعد أن تقدمت بـ93 طلباً، تليها الكويت بسبعة طلبات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
