بنوك تطرح القرض الشخصي لتـــجاوز «الدفعة المقدمة» للعقار

عرضت بنوك عاملة في الدولة على متعامليها الراغبين في تملك عقار، الحصول على قرض شخصي لسداد الدفعة المقدمة في التمويل العقاري، تطبيقاً للقرار الصادر أخيراً عن المصرف المركزي، والقاضي برفع نسبتها إلى ‬30٪ للمواطنين و‬50٪ للمقيمين، إلا أنه وبحسب مصرفيين، فإن هناك عقبات تعترض هذا الخيار، منها: عدم قدرة غالبية المتعاملين على تحمل أقساط القرض الشخصي الذي يوجه للعقار، نظراً لكبر قيمته وإلزامية سداده على أربع سنوات، بحسب نظام القروض الشخصية المعمول به، إلى جانب ارتفاع أسعار الفوائد على القروض الشخصية مقارنة بنظيرتها العقارية.

وفيما وجه «المركزي» ببدء العمل بالقرار الجديد فوراً، طالبت البنوك ممثلة بجمعية المصارف «المركزي» إعادة النظر في القرار ومنحها شهراً قبل التطبيق.

إلى ذلك، أكد متعاملون أن صدور القرار أجبرهم على الاستغناء عن فكرة شراء وحدة عقارية، نظراً لعدم تمكنهم من تدبير مبلغ الدفعة المقدمة، مشيرين إلى أن من شأن اللجوء إلى القرض الشخصي في سداد الدفعة المقدمة زيادة الأعباء المالية المترتبة عليهم.

من جهتهم، أفاد مصرفيون بأن قرار «المركزي » الخاص بتحديد الدفعة المقدمة في التمويلات العقارية يعد نوعاً من التدخل غير المطلوب في قرارات البنوك، داعين إلى إعادة النظر في القرار.

ولفتوا إلى أنه قبل صدور القرار، كانت البنوك تتعامل مع الراغبين في الحصول على تمويل عقاري وفقاً لدراسة الوضع المالي لكل متعامل، وتحدد قيمة الدفعة المقدمة بناء على ذلك، مضيفين أن فرض شروط موحدة للتمويل العقاري لمختلف إمارات الدولة غير صائب، إذ إن الواقع العقاري والأرباح والعوائد تختلف من إمارة لأخرى.

وأضافوا أن جميع المعاملات التي قدمت قبل تاريخ ‬30 ديسمبر الماضي، موعد صدور تعميم «المركزي »، يسري عليها النظام المعمول به سلفاً، فيما تخضع جميع الطلبات بعد ذلك التاريخ للنسب الجديدة.

وكان المصرف المركزي أصدر نهاية الشهر الماضي تعميماً خفض فيه نسب تمويل مساكن الأفراد، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، إذ وصلت إلى ‬70٪ للبيت الأول، و‬60٪ للثاني بالنسبة للمواطن، أما الوافد، فبلغت النسبة ‬50٪ للبيت الأول، و‬40٪ للثاني.

شكاوى المتعاملين

ضبط السوق

توقع مصرفي رفيع المستوى، فضل عدم الكشف عن اسمه، ألا تكون هناك تعديلات على قرار المصرف المركزي برفع الدفعة المقدمة، موضحاً أن المصرف لجأ إلى ضبط السوق بهذه السرعة للحد من التملك الحر، إذ لوحظ أخيراً عودة المطورين إلى بيع عقارات على الخريطة، ما يعني فتح الباب للمضاربات مجدداً، لذا رأى أهمية الضغط على البنوك لمنعها من الانجراف مع زيادة الطلب على التمويل.

مخاطر

قال نائب الرئيس التنفيذي في مصرف الإمارات الإسلامي، عبدالله شويطر، إن «البنوك الإسلامية محكومة بمنتجات محددة لا يمكن تجاوزها في منح التمويلات الشخصية، لذا فإن الباب مفتوح أمام البنوك التقليدية فقط للالتفاف على قرار (المركزي)»، موضحاً أن «بعض هذه البنوك يمنح المتعامل قرضاً شخصياً ليستخدمه كدفعة مقدمة، أسوة بما حدث عند تمويل السيارات، وأخرى تقرض الزوجة ويحول قرضها باسم الزوج ليسدد النسبة المطلوبة، وهكذا». وأضاف أن «هناك مخاطرة كبيرة تتحملها البنوك من وراء هذا الانجراف والالتفاف، كما حدث سابقاً عند منح بعضها تمويلاً بنسبة ‬100٪ من قيمة العقار». وأوضح شويطر أن «هناك مبالغات في أخذ التمويلات العقارية بمبالغ كبيرة تغرق المتعاملين في الديون، لذا فإن المصرف المركزي رغب في الحد من الإسراف والالتزام بالاقتراض المعقول»، لافتاً إلى أن «طلبات التمويل بمبالغ خمسة أو ستة ملايين درهم لبناء بيت تعد كبيرة جداً، وتكلف صيانة سنوية لا تقل عن ‬300 ألف درهم تزداد مع الوقت، لذا من الأفضل عدم المبالغة، خصوصاً إذا كان المتعامل يعتمد على الاقتراض».

وتفصيلاً، قال المقيم إياد الشوبك، إن «زيادة الدفعة المقدمة المطلوب سدادها من ثمن العقار تجعل امتلاك غالبية الوافدين لمنزل في الإمارات حلماً بعيد المنال».

وأضاف أن «انخفاض الدفعة المقدمة في الماضي إلى نحو ‬10٪، وامتداد مدة التمويل العقاري على سنوات طويلة كانت تحفز غالبية الوافدين على شراء وحدة عقارية، نظراً لأن الدفعة المقدمة كان يسهل تدبيرها، وكانت أقساط التمويل تزيد قليلاً عن الإيجار الشهري للوحدة ذاتها »، موضحاً أن «الأمر اختلف حالياً لأن تمويل وحدة عقارية في دبي من غرفتين وصالة يتطلب أن يسدد الوافد نحو ‬500 ألف درهم مقدماً، وهو مبلغ يفوق إمكانات الكثيرين».

من جهته، قال المقيم مازن مسعود، إنه كان يفكر في شراء وحدة عقارية في الشارقة بعد التصحيح الحادث في الأسعار بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، الذي جعل من العقار فرصة استثمارية ممتازة، مضيفاً أنه فوجئ بقرار المصرف المركزي الخاص بزيادة الدفعة المقدمة إلى ‬50٪، الأمر الذي جعله يتخلى عن الفكرة لعدم استطاعته المادية.

أما المواطن إبراهيم راشد، فأكد أنه كان يرغب في تمويل وحدة عقارية في دبي، وذهب إلى فرع أحد البنوك لمعرفة الدفعات الواجب سدادها، ففوجئ بموظف البنك يخبره بأن المصرف المركزي قرر زيادة الدفعة المقدمة بشكل كبير، مؤكداً أن موظف البنك عرض عليه الحصول على قرض على رخصته التجارية لسداد الفارق المطلوب من مقدم الثمن، لكنه رفض لاختلاف سعر الفائدة وزيادة الأعباء المالية الناتجة عن سداد أقساط القرضين.

وبحسب المقيم، (وسيم.ب) فإنه رغب في تملك فيلا يسكنها في تجمع الريف بأبوظبي، إلا أنه عدل عن الأمر بعد أن اكتشف أن الدفعة المقدمة تعادل ‬500 ألف درهم، وهو مبلغ كبير لا يستطيع توفيره، موضحاً أنه قبل صدور التعميم كانت الدفعة الأولى المطلوبة منه ‬250 ألف درهم، إذ إن البنك الذي يتعامل معه كان يمول للوافدين حتى ‬75٪.

قرض شخصي

من جانبه، قال الخبير المصرفي، مهند علي، إن «جميع المعاملات التي قدمت قبل تاريخ ‬30 ديسمبر الماضي، موعد صدور تعميم (المركزي)، يسري عليها النظام المعمول به سلفاً داخل البنوك، كل بحسب النسبة التي حددها وفق سياسته الداخلية، ووفق ما يقدمه المتعامل من ضمانات، فيما تخضع جميع الطلبات بعد ذلك التاريخ للنسب الجديدة».

وبين أن «هناك محاولات من البنوك لتوفير مقدم التمويل العقاري عن طريق القروض الشخصية، إذ إن بنوكاً طرحت أسعار الفائدة نفسها على التمويل العقاري عند منحها قرضاً شخصياً يحول كدفعة مقدمة، وبعضها رفعها قليلاً»، مشيراً إلى أن «نسبة الفائدة السائدة على التمويل العقاري تدور حول ‬4.5 و‬5٪».

وأضاف علي أن «البنوك الإسلامية أيضاً يمكنها استخدام هذا الحل عن طريق المرابحة أو الإيجارة، لكن قدرة المتعامل على السداد، بما لا يخل بشروط التمويل الشخصي، ستكون هي الفيصل».

الالتفاف لن ينجح

من جانبه، قال نائب الرئيس التنفيذي، مدير مجموعة الخدمات المصرفية للأفراد في مصرف الهلال، محمد زقوت، إن «محاولات البنوك تقديم قروض شخصية لسداد الدفعة المقدمة للعقار لن تنجح في ظل قلة عدد المتعاملين الذين ليس لديهم أي التزامات بنكية، ما يمكنهم في هذه الحالة من أخذ مبالغ كبيرة مقابل الاستقطاع من الراتب أو الدخل، بحيث لا تزيد على نسبة ‬50٪، إلى جانب أن أخذ قرض شخصي مشروط بألا يزيد على ‬20 ضعف الراتب، وأن يسدد خلال أربع سنوات، ما يمثل عائقاً كبيراً أمام من يرغب في تمويل مسكن تصل قيمته إلى ملايين الدراهم»، مشيراً إلى أن «أسعار الاقتراض الشخصي أعلى من العقاري، وتصل إلى ‬6٪، إلى جانب أن الأخير يسمح بمدد سداد تراوح بين ‬20 و‬25 سنة، لذا فإن هذا الحل يحمل المتعاملين أعباء كبيرة قد تؤدي إلى التعثر مستقبلاً»، مشدداً على أهمية أن «يعيد المصرف المركزي النظر في القرار بما يحفظ حقوق البنوك ويحمي المتعاملين من الانجراف وراء إغراءات بعض البنوك غير المسؤولة».

بدوره، قال رئيس الائتمان العقاري في أحد البنوك الوطنية، فضل عدم الإشارة لاسمه، إن «البنوك استفسرت عن موعد بدء تطبيق القرار الخاص بالدفعة المقدمة، فجاء الرد بأنه يجب أن يطبق فوراً، ما جعل البنوك تفكر في خيارات جديدة لسد الفجوة بين ما يستطيع المتعامل المشاركة به وبين النسبة المفروضة»، مؤكداً أن «خيار منح المتعامل قرضاً شخصياً بدا الأقرب، نظراً لكبر حجم بعض الدفعات المطلوبة حال رغب المتعامل في أخذ تمويل بأربعة أو خمسة ملايين درهم لبناء مسكن».

واستطرد أن «هناك معوقات بدا أنها ستحرم عدداً كبيراً من الراغبين في التمويل الاستفادة من هذا الحل، منها عدم قدرتهم على تحمل أقساط قرض شخصي بمبالغ كبيرة، لأن رواتبهم أو دخلهم الشهري لا يسمح بذلك».

تدخل غير مطلوب

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة «موارد للتمويل»، محمد مصبح النعيمي، إنه «على الرغم من أن المصرف المركزي يبذل جهداً كبيراً للحد من الإفراط في الاقتراض، وكذا لتنظيم عمل القطاع المصرفي في الدولة، فإن القرار الخاص بتحديد الدفعة المقدمة في التمويلات العقارية يعد نوعاً من التدخل غير المطلوب في قرارات البنوك، ما يجعله بحاجة إلى إعادة نظر»، موضحاً أنه «قبل صدور التعميم الخاص بالدفعة المقدمة، كانت البنوك تتعامل مع الراغبين في الحصول على تمويل عقاري وفقاً لدراسة الوضع المالي لكل متعامل، فكانت تطلب من بعضهم سداد دفعات مقدمة بنسبة ‬20٪، أو تزيد النسبة إلى ‬50٪ في بعض الحالات».

وأضاف النعيمي أن «البنوك كانت تضع اشتراطات للتمويل العقاري تتفاوت من إمارة لأخرى، لأن السوق العقارية والأسعار والعائد على العقارات في دبي تختلف عنها في أبوظبي، وتختلف عن الإمارات الأخرى، مثل الفجيرة وأم القيوين، ومن ثم فإن توحيد الاشتراطات غير صحيح». وأشار إلى أن «زيادة الدفعة المقدمة للوافدين الراغبين في شراء عقار في الدولة تضر كذلك بالنمو الاقتصادي القائم على النمو العمراني، لأن اشتراط سداد دفعة مقدمة بنسبة ‬50٪ يجعل نسبة ‬95٪ من الوافدين غير قادرين على تمويل عقار»، لافتاً إلى أن «هذا القرار يضر بمبادرات الدولة للنمو، التي تقوم على استقطاب المزيد من العمالة لتنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، والبناء وفقاً للتوقعات بحجم العمالة الوافدة».

وأكد النعيمي أن «البنوك هي أكثر الجهات قدرة على تقييم المتعاملين معها، وقد استوعبت درس الأزمة المالية العالمية جيداً، لذا فعلت دور أقسام إدارة المخاطر لديها لتقييم القروض بطريقة أكثر واقعية»، منبهاً إلى أن «تقييد عملية الإقراض في البنوك سيؤدي إلى الالتفاف على هذا القرار بطرق عدة، طالما أنه لم يتم أخذ رأي البنوك في تلك القرارات». وذكر أن «الالتفاف على قرار (المركزي) بزيادة الدفعة المقدمة اتخذ طرقاً عدة، منها منح الراغب في الاقتراض قرضاً شخصياً أو قرضاً تجارياً لتدبير الفارق المطلوب سداده من مقدم الثمن». وأشار إلى أن «الشركات المتخصصة في التمويل العقاري، مثل (تمويل) و(أملاك)، ستجد نفسها في ورطة، لأنها لا تملك بدائل أخرى»، لافتاً إلى أهمية أن يدعو المصرف المركزي لاجتماع موسع مع الرؤساء التنفيذيين للبنوك لاستطلاع آرائهم ومقترحاتهم قبل فرض أي قرار، مع إمكانية وضع مسودة القرارات على الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي لاستطلاع آراء ومقترحات البنوك بشأنه، ما يقضي على أي ثغرات أو التفاف على تلك القرارات».

 حل مرفوض

من جهته، قال المدير الإقليمي للفروع في منطقة الشرق الأوسط في مجموعة الخدمات المصرفية للأفراد لدى بنك المشرق، شاكر فريد زينل، إن «لجوء بنوك أو متعاملين للالتفاف على قرار المصرف المركزي بشأن الدفعة المقدمة في التمويلات العقارية عن طريق منح المقترض قرضاً شخصياً لسداد الدفعة المقدمة يعد خطأ، ولا يجب اللجوء إليه في مثل هذه الحالات».

وفسر ذلك بالقول إن «استخدام القرض الشخصي في سداد الدفعة المقدمة يُحمل المقترض مزيداً من الأعباء، فمن ناحية فإن فائدة القرض الشخصي تزيد على فائدة القرض العقاري، ومن ناحية أخرى فإن مدة القرض الشخصي تكون أقل كثيراً عن مدة القرض العقاري، ما يحمل المتعامل أعباء إضافية، لاسيما أن المقترض سيسدد في تلك الحالة أقساط القرض الشخصي والقرض العقاري في التوقيت نفسه».

وأكد شاكر أن «زيادة الدفعة المقدمة بالنسبة للمواطنين ستحملهم أعباء إضافية، وستُصعب عليهم تدبير المسكن، ما يجعلهم يبحثون عن حلول لمشكلة زيادة الدفعة المقدمة». وأوضح أن «القرار الذي صدر بشكل مفاجئ، ومن دون استشارة البنوك، سيؤدي أيضاً إلى مشكلات للمتعاملين الذين تقدموا بطلبات تمويل عقارات خلال ديسمبر الماضي بالفعل، وكانت محل دراسة».

وأشار إلى أنه «على الرغم من أن القرار له جانب إيجابي وضروري، وهو الحد من المضاربات العقارية التي تهدد القطاع العقاري والاقتصاد، فإن إلزام البنوك بتطبيقه بشكل مفاجئ يؤثر في استراتيجيات البنوك التي يتم وضعها عادة في سبتمبر من كل عام»، لافتاً إلى أن «أي تغيير في معطيات استراتيجية البنوك يتطلب المزيد من الوقت لدراسة ذلك المتغير وتأثيره في المتعاملين والموظفين والخدمات المصرفية التي يوفرها البنك، وفي أرباحه أيضاً». ودعا شاكر المصرف المركزي للاستجابة لمطلب البنوك الذي تم تقديمه عبر جمعية المصارف، الخاص بتأجيل تطبيق القرار الخاص بالدفعة المقدمة شهراً، موضحاً أن «إشراك البنوك في القرارات التي تمس القطاع المصرفي يعد ضرورة لمصلحة الاقتصاد والمجتمع، لاسيما إذا كانت هذه القرارات تؤثر سلباً في البنوك والمتعاملين والقطاع العقاري».

الأكثر مشاركة