أزمة إيطاليا ضيّعت أرباح «الأربعاء» في جلسة «الخميس»

محللون يحذّرون من خرق الاتفاق مع «المركزي» وتسييل الأسهم المرهونة

مؤشر سوق الإمارات لايزال أعلى من أدنى نقطة بلغها بعد انهيارات بنك «ليمان برذرز». تصوير: إريك أرازاس

حذر خبراء ماليون من خرق مصارف للاتفاق الضمني مع المصرف المركزي، والدخول في ما سموه «سباقاً ماراثونياً»، بين المصارف، لتسييل الأسهم المرهونة لديها، بهدف استرجاع قروض منحتها برهن تلك الأسهم، وتعويض شح السيولة لديها، مؤكدين أن ذلك خطر يهدد الاقتصاد والنظام المالي.

وأكدوا لـ«الإمارات اليوم» أن تراجع مستويات السيولة مجدداً سيؤثر بالتأكيد في أسعار العقارات في السوق.

وكانت أزمة إيطاليا الأخيرة زادت من حدة الأزمة الاقتصادية الأوروبية، ما ترك آثاراً في الأسواق العالمية، ومنها تداولات الأسواق المحلية، إذ سجل مؤشر سوق الإمارات المالي خلال الأسبوع الماضي تراجعاً بنسبة 0.13٪، ليغلق على مستوى 2398 نقطة، في حين انخفضت القيمة السوقية بقيمة 480 مليون درهم، لتصل إلى 353.31 مليار درهم، وليصل إجمالي قيمة التداول الأسبوعية إلى 181 مليون درهم، توزعت على 2610 صفقة.

وقال الخبراء إن أزمة ايطاليا زادت من مخاوف الأسواق خلال جلسة الخميس الماضي، ما تسبب في ضياع أرباح الأربعاء.

شحّ سيولة

وتفصيلاً، قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، همام الشمّاع، إن «أسواق الأسهم تمكنت من تحقيق مكاسب محدودة في أول يوم تداول بعد عطلة عيد الأضحى، متأثرة بارتفاع الأسواق العالمية التي استفادت من انجلاء بعض المظاهر الرئيسة لأزمة الديون اليونانية».

وأضاف أن «التراجع الحاد الذي شهدته (وول ستريت)، الأربعاء الماضي، إثر تفجر الأزمة السياسية في إيطاليا نتيجة مطالبة الاتحاد الأوربي بتشكيل حكومة ائتلافية قادرة على تطبيق البرنامج الأوروبي للإنقاذ، أعاد المخاوف للمضاربين المحليين الذين يتعاملون بكل حذر في حال وجود محفزات، وبكل الهلع في حال وجود مخاوف».

وأوضح أن «هذه الحال التي دأبت عليها الأسواق المحلية منذ فترة لم تعد بالقصيرة، نتاج شح سيولة، ليس على صعيد السوق ذاتها فحسب، وإنما على صعيد الاقتصاد الوطني ككل، الأمر الذي ينعكس على أداء أسواق الأسهم».

وأكد الشماع أن «البيانات التي صدرت عن المصرف المركزي الإماراتي لا تدعو للتفاؤل، بسبب تراجع الودائع، التي أدت بدورها إلى تراجع السيولة، ويُعبر عنها بعرض النقد الواسع، الذي تراجعت مكوناته الرئيسة المتمثلة في شبه النقد وهو الودائع الثابتة أو الزمنية، وعرض النقد الضيق»، لافتاً إلى أن البيانات التي أفصح عنها «المركزي» خالية من فقرة النقد الضيق، خلافاً لما سار عليه المصرف طيلة السنوات الماضية، كما أن البيانات الخليجية المناظرة لم تظهر تراجعاً في السيولة، ما يؤشر إلى أن الحالة إماراتية وليست عامة.

وذكر أن «المخاطر التي تترتب على استمرار تراجع مستويات السيولة وجفاف مصادر السيولة في النشاط الخاص، لا تقتصر على أسواق الأسهم وإنما تنسحب على النظام المالي بأسره، إذ لاتزال المصارف حتى الوقت الحالي ملتزمة بنصيحة المصرف المركزي بعدم تسييل الأسهم المرهونة لديها»، مبيناً أن هذه الأسهم المرهونة للمصارف يصعب تقدير قيمة القروض الممنوحة مقابلها بدقة، والتي تشكل القروض الشخصية لأغراض تجارية، جزءاً كبيراً منها، وهي بكل الأحوال تجاوز عشرات المليارات من الدراهم وربما أكثر.

ونبه الشماع إلى أن «أكبر خطر يهدد الاقتصاد والنظام المالي هو تسييل المصارف للأسهم المرهونة لديها، إذ لم نشهد هذه الخطوة حتى الآن على الأقل، منذ أن توقفت موجة التسييل القوية التي أعقبت (ليمان برذرز)، ووصل المعدل الشهري لـ(مؤشر سوق الإمارات) إلى أدنى مستوياته عند 2379 نقطة».

وتابع: «إذا ما بدأت لعبة (الدومينو) وشعرت مصارف بأن مصرفاً ما لم يعد يلتزم بنصيحة (المركزي) بضغط من حاجته للسيولة، ونتيجة استمرار تراجع الودائع لديه، فإن بقية المصارف قد تدخل في سباق ماراثوني، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القروض الممنوحة برهن الأسهم، ومن الطبيعي أن المصارف ليست متساوية في استقطابها للودائع أو في خروج الودائع منها»، مستدركاً أن «المصارف تدرك خطورة تسييل الأسهم المرهونة لديها، لكن السعي الانفرادي لدى مصرف ما واقع تحت ضغوط الحاجة للسيولة، تمثل نقطة الضعف التي يجب سدها للحيلولة دون انهيار السد الذي حال دون انزلاق أسواق الأسهم لما دون قاع مارس 2009».

وقال إن «المصارف التي خرجت منها ودائع بمبالغ كبيرة، قد تضطر إلى التسييل، خصوصاً أنها واقعة تحت ضغط آخر وهو تطبيق معايير (بازل 3)، التي يسعى (المركزي) إلى تهيئة المصارف لها منذ الآن، من خلال رفع نسبة الأصول القابلة للتسييل ذات الجودة العالية»، مشيراً إلى أنه ووفقاً لآخر بيانات صدرت عن «المركزي»، فإن الودائع الجارية للمصارف لدى «المركزي» ازدادت خلال الربع الثالث بنسبة 18.2٪.

أزمة إيطاليا

إلى ذلك، قال مدير مركز الشرهان للوساطة، جمال عجاج، إن «أسواق المال الإماراتية شهدت ارتفاعاً في أولى جلساتها، التي تزامنت مع ارتفاعات الأسبوع الماضي، لتكمل موجة صعود مدعومة من تحسن الوضع في أوروبا واقتراب انتهاء الأزمة المالية، إلا أن أزمة ايطاليا الأخيرة زادت من مخاوف المستثمرين والأسواق خلال جلسة الخميس الماضي، ما تسبب في ضياع أرباح الأربعاء».

وأضاف أن من الطبيعي ألا تكون التداولات التي أعقبت إجازة العيد كبيرة، إذ إن معظم الشركات والمستثمرين ينتظرون انتهاء أسبوع العيد، وعودة التداولات إلى المعدلات السابقة التي كانت عليها».

وتوقع عجاج أن تستمر حالة الخوف التي سادت الأسواق العالمية، خلال الجلسات الأولى من الأسبوع الجاري، حتى تتكشف أبعاد الأزمة الأوروبية بشكل كامل، فضلاً عن عودة أسواق «وول ستريت» إلى العمل دون ضغوط أو مخاوف، متفقاً مع شماع على أن أسواق المنطقة لاسيما الخليجية، غالباً ما تتأثر بالأزمات والأسواق العالمية سلباً، ولا تتأثر إيجاباً بالقدر المطلوب.

سباق تسييل

من جانبه، قال الشريك في شركة الفجر للأوراق المالية، نبيل فرحات، إنه «وعلى الرغم من التراجعات التي شهدناها في الأشهر الماضية، فإن مؤشر سوق الإمارات لايزال أعلى من أدنى نقطة بلغها بعد انهيارات بنك (ليمان برذرز)، ما يطمئن المستثمرين والأسواق، ويدعم قرار المصارف وعدم خرق الاتفاق الضمني بعدم تسييل الأسهم المرهونة لديها».

وأضاف أن «كسر مؤشر سوق الإمارات للحاجز النفسي، وهو قاع ما بعد (ليمان برذرز) عند 2396 نقطة، قد يدق جرس البدء في جولة جديدة من الهبوط في المؤشر العام للسوق، وبما يدفع المصارف إلى خرق التوافق الضمني والمباشرة في سباق ماراثوني للتسييل، والذي بدوره قد يدفع ما تبقى من الأجانب والمضاربين، للتسابق مع المصارف في سلوك جماعي نحو الخروج».

وأشار فرحات إلى أن «المخاطر لن تتوقف عند هذا الحد، فالمصارف التي قد لا تسترجع سوى جزء يسير من القروض التي منحتها برهن الأسهم، ستضطر إلى تجنيب مخصصات ديون، وستعتبر بعد التسييل معدومة، وهي تجاوز عشرات المليارات، وهذا بحد ذاته سينعكس على الملاءة المالية للمصارف، وعلى مستويات السيولة لديها، ما يعرضها لمزيد من الضغوط على الودائع، والتي قد تتناقص مرة أخرى بفعل المخاوف من مخاطر نظامية قد تتعرض لها المصارف».

وأوضح أن «تراجع الودائع خصوصاً الثابتة سيؤثر سلباً في عرض النقد الواسع، وفي مستويات السيولة بالاقتصاد، ويعمق بالتالي الضغوط الانكماشية في القطاع الخاص»، لافتاً إلى أن تراجع مستويات السيولة مجدداً سيؤثر بالتأكيد في أسعار العقارات، والتي إن استمر تراجعها فسينعكس مجدداً على المصارف التي ستضطر مجددا لأخذ مزيد من المخصصات، وهكذا فنحن أمام دورة اقتصادية مترابطة العلاقة السببية بينها».

تويتر