بسبب عدم وجود بدائل استثمارية وانحسارها في الأسهم والودائع البنكية

مطالب بتحرير السيولة من المصارف عبر إصـــدار سندات حكومية

إجازة العيد وتريث المستثمرين لنتائج أعمال الشركات القيادية أديا إلى تراجع كبير في التداولات. تصوير: دينيس مالاري

أجمع محللون ماليون على أن غياب الأدوات المالية، التي توجد فرصاً لانتقال الأموال، أسهم في تعميق جمود الأسواق كافة، بما فيها أسواق الأسهم، موضحين أن المستثمر في الإمارات أصبح يفضل الابتعاد عن المخاطر في أوقات الأزمات، لكنه لا يجد أمامه سوى الودائع البنكية ذات العائد الثابت، لذا يتجه إليها مرغماً مهما تدنى إيرادها، لعدم وجود الأدوات الاستثمارية البديلة لتوظيف الأموال، لافتين إلى أهمية تفعيل مكتب الدين العام وتنفيذ موافقة المجلس الوطني للحكومة على إصدار سندات بنسبة تصل إلى ربع الناتج المحلي، من أجل إيجاد الفرصة الاستثمارية البديلة التي تحرر السيولة من البنوك لتحريك القطاعات الاقتصادية الراكدة.

وقالوا إن قيم التداولات واصلت تراجعها من أسبوع لتالٍ وسط سيطرة كاملة للمضاربين على التداولات، إذ انخفض متوسط التداول اليومي خلال الأسبوع الماضي في كلا السوقين إلى 132 مليون درهم، بانخفاض قدره 2.2٪ عن الأسبوع السابق، و56٪ عن ما قبل أسبوعين (الأسبوع المنتهي في 11 أغسطس).

وأضافوا أن نقص السيولة ولّد قناعة لدى شريحة كبيرة من المستثمرين بأنه من الأفضل عدم البيع والشراء في المرحلة الحالية، إلى حين انتهاء شهر رمضان وعودة النشاط النسبي المتوقع بعد إجازة عيد الفطر.

تدهور الأداء

غياب البيانات

قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همّام الشماع، إن «عدم توافر البيانات والمؤشرات الاقتصادية، مثل مؤشر مبيعات السلع المعمرة، ومؤشرات مبيعات التجزئة ومبيعات العقارات لكل الدولة في الإمارات، تجعل رؤية أوضاع الاقتصاد ضبابية، وتحول دون تشخيص الحالة بصورة دقيقة، وبما يعطل اتخاذ القرار المناسب للحد من تراجع أداء الاقتصاد في دولة كالإمارات، تمتلك كل الإمكانات لتحقيق ذلك»، لافتاً إلى أن «ما يسهم في تعميق جمود الأسواق كافة وتباطؤ حركتها، هو غياب الأدوات المالية التي توجد فرصاً لانتقال الأموال من مجال إلى آخر، وفق تطورات الأوضاع الاقتصادية». ودلل على صحة حديثه بالقول إن «الفرص الاستثمارية المتاحة للمستثمر لتوظيف مدخراته أو ثروته في الأسواق الناشئة، ومنها الإمارات (عدا الاستثمار التخصصي الإنتاجي في التجارة والصناعة والزراعة)، تنحصر إما في العقار أو في الأسهم أو الإيداع الثابت في المصارف». واستطرد «بسبب ظروف الأزمة المالية وشح السيولة، فضل المستثمرون الإيداع المصرفي الآمن، خصوصاً بعد أن أعلنت الدولة ضمانها هذه الودائع التي تزيد على التريليون درهم».

وتفصيلاً، قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همّام الشماع، إن «أسواق الأسهم المحلية مرت خلال الأسبوع الماضي بأسبوع آخر من السبات، إذ انخفضت قيم التداول إلى أدنى المستويات بمتوسط تداول يومي خلال الأسبوع بلغ 132 مليون درهم، وهو ما يمثل انخفاضاً قدره 29٪ عن الأسبوع المنتهي في الرابع من أغسطس الجاري، و56٪ عن الأسبوع المنتهي في 11 من الشهر ذاته، و2.2٪ عن الأسبوع السابق»، مضيفاً أنه «في ظل استمرار التدهور في الأداء يتطلع الجميع إلى فترة ما بعد العيد، آملين أن تشهد أداء أفضل، خصوصاً بعد الوصول لهذا المستوى المنحدر من قيم التداول».

وأكد الشماع أن «الحالة التي تعيشها الأسواق لا تنسجم مع المعطيات الأساسية لاقتصاد دولة الرفاهية العليا في المنطقة العربية، الإمارات».

وأوضح أن «شكوى كل الأسواق تتزايد يوماً بعد آخر، فشح السيولة أثر في نشاط القطاع الخاص، وتسبب في تراجع الطلب وانخفاض قيمة المبيعات، التي وصلت حتى إلى السلع الاستهلاكية».

أدوات بديلة

وقال الشماع إن «المستثمر في الإمارات ـ كغيره من المستثمرين حول العالم ـ يفضل الابتعاد عن المخاطر في أوقات الأزمات، لكنه لا يجد أمامه سوى الودائع البنكية ذات العائد الثابت، لذا يتجه إليها مرغماً مهما تدنى إيرادها، بسبب استغلال المصارف ظروف عدم وجود الأدوات الاستثمارية البديلة لتوظيف الأموال».

ولفت إلى أن «جوهر المشكلة في الإمارات يكمن في أن غياب الأدوات الاستثمارية جعل السيولة تتجمع لدى المصارف في شكل ودائع ثابتة وادخارية تشكل قرابة 70٪ من السيولة الكلية في الاقتصاد»، موضحاً أنه «في ظل نقص البدائل الاستثمارية، يحول نسبة من المودعين جزءاً من ودائعهم إلى أسواق الأسهم، فيما يفضل معظمهم البقاء في المصارف بعائد ثابت على ودائعهم الزمنية والادخارية».

مكتب للدين

وبين الشماع أن «الدولة اتجهت قبل أشهر مضت نحو إنشاء مكتب للدين العام، وأجاز المجلس الوطني للحكومة إصدار سندات بنسبة تصل إلى ربع الناتج المحلي، لكن الأمر تأجل لأسباب غير معروفة»، مطالباً بالإسراع في إطلاق هذه السندات قبل نهاية العام الجاري بهدف تحقيق قدر من التحريك والإنعاش للأسواق، وأيضاً لأنشطة القطاع الخاص الراكدة».

وأضاف أن «الحاجة لإصدار هذه السندات تزداد إلحاحاً، لكون المصارف تتشدد في الإقراض، وتتحفظ على إقراض القطاع الخاص، ما أنتج حالة من حبس السيولة التي لا يمكن إطلاقها إلا من خلال توفير بدائل للاستثمار البنكي الثابت، تكون في الوقت نفسه الاستثمار البديل لأسواق الأسهم في أوقات الأزمات»، مؤكداً أنه «بهذا الوضع يمكن أن تتحرر السيولة من المصارف وتنطلق في رحاب الاقتصاد لتحرك الساكن والراكد فيه من القطاعات، التي تعاني شح السيولة».

تداعيات سلبية

من جهته، ذكر المحلل المالي في إحدى شركات الوساطة المالية الإسلامية، مصطفى حسن، أن «أزمة نقص السيولة ستظل المؤثر الحاسم في تحرك أسعار الأسهم وعودة النشاط النسبي للأسواق المالية».

وقال إن «نقص السيولة أفرز تداعيات سلبية أبرزها تدني معدلات التداول في أسواق الأسهم إلى مستويات غير مقبولة على الإطلاق، وفضلاً عن ذلك امتد التأثير إلى مجمل النشاط الاقتصادي من خلال التأثير سلباً في أداء الشركات المختلفة وأوضاعها المالية»، لافتاً إلى أن «هذا الوضع فاقم من التأثير السلبي لتعاملات المضاربين الأفراد، التي تهدف إلى تحقيق مكاسب عن طريق زيادة وتيرة التراجع في أسعار الأسهم، للاستفادة القصوى في حال ارتداد الأسعار، ومن دون الاهتمام بأي شيء آخر».

استسلام للمضاربات

من ناحيته، قال المدير المالي الأول في شركة ضمان للاستثمار، وليد الخطيب، إن «الأسواق المحلية واصلت الأسبوع الماضي استسلامها للمضاربين الذين أصبحوا يستطيعون بتداولات محدودة التأثير في حركة السوق صعوداً أو هبوطاً».

وأضاف أن «تولد قناعة لدى شريحة كبيرة من المستثمرين بأنه من الأفضل عدم البيع والشراء في المرحلة الحالية كان السبب الرئيس في تراجع معدلات التداول، خصوصاً أن الأسبوع المنقضي يعد الأسبوع الأخير الذي يسبق إجازة عيد الفطر».

وأوضح أن «المحافظ الاستثمارية امتنعت تقريباً عن التداول النشط في هذه المرحلة، إلى حين الوقوف على نتائج الشركات القيادية في السوق، خصوصاً العقارية منها»، مؤكداً أنه «توجد قناعة لدى كبار المستثمرين بأن الشركات العقارية لاتزال تواجه تحديات، وسيكون من الصعب عليها الإعلان عن أداء جيد في الفترات المالية المقبلة، وهو ما يعزز من حالة العزوف لدى الكثيرين عن التداول في المرحلة الحالية».

تويتر