«التخفيف الكمي» حل ممكن
تراجع الإقراض مليار درهم يقلل السيولـة المتـاحة للأسهم والعقارات
غياب المخاطرة في الودائع المصرفية الإماراتية بسبب وجود ضمان حكومي عليها أسهم في زيادتها. تصوير: أشوك فيرما
أكد تقرير لشركة «الفجر للأوراق المالية»، استمرار تراجع أداء أسواق الأسهم المحلية للأسبوع الثاني على التوالي، إثر انعكاس أزمة ديون إيرلندا عليها، إذ تتسبب الأزمة في تزايد صعوبات التمويل من الأسواق الدولية التي تعول عليها الأسواق المحلية في مواجهة التزامات ومستحقات للشركات حانت آجال سدادها. وأوضح أن «تراجع معدلات التداول يؤشر إلى تراجع السيولة، الذي جاء نتيجة عودة المصارف في إظهار التشدد تجاه القروض الجديدة، بل وميلها نحو إطفاء ما يمكن إطفاؤه من القروض القديمة».
ووفقاً لبيانات المصرف المركزي لشهر أكتوبر الماضي، تراجع حجم القروض المصرفية نحو مليار درهم في الوقت الذي ارتفعت فيه الودائع بصورة كبيرة غير مسبوقة منذ أكثر من عامين، إذ زادت بمبلغ 40.5 مليار درهم في أكتوبر، مقارنة مع الشهر السابق، وبما يشكل نسبة 3.8٪ من إجمالي الودائع المصرفية.
تيسير القروض
قال تقرير «الفجر» إن «التراجع الطفيف في قيمة الإقراض المصرفي والارتفاع غير المسبوق في قيمة الودائع أرسل رسالة إلى الأسواق، مفادها أن المصارف ليست في وضع مالي يمكنها من تيسير القروض للعملاء، حتى وإن زادت الودائع على القروض بمبلغ 16 مليار درهم لأول مرة منذ سنوات عدة»، موضحاً أن «أسواق الأسهم المحلية فهمت الرسالة على أنها تحسّب من قبل المصارف لمستحقات مالية حانت آجالها».
وعزا ارتفاع الودائع في المصارف الإماراتية إلى عاملين أساسيين «الأول هو تجنب المخاطرة المتوقعة نتيجة توقع انعكاس أزمة ديون ايرلندا، التي يمكن أن تطيح بالعديد من المصارف الأوروبية (على الأقل من وجهة نظر متحوطة)، ما يقود تالياً إلى سلسلة تراجعات في أسواق المال الدولية، تنعكس في النهاية على الأسواق المحلية».
وأضاف أن «العامل الثاني الذي دفع باتجاه زيادة الودائع للمصارف الإماراتية هو غياب المخاطرة في الودائع المصرفية الإماراتية، بسبب وجود ضمان حكومي للودائع، في الوقت الذي يتوقع المستثمرون أن ترتفع الفوائد على الدرهم مع توقع ارتفاع الفائدة الأوروبية في وقت لاتزال الفائدة على الدولار صفرية».
ونبه إلى أن «ارتفاع الودائع، الذي يعده البعض ظاهرة طبيعية يحمل في طياته سلبيات عدة، خصوصاً عندما يتزامن هذا الارتفاع في الودائع مع تقلص في الإقراض المصرفي»، موضحاً أنه «في الحالات العادية عندما ترتفع الودائع، خصوصاً الودائع الثابتة، فلابد أن يرتفع الإقراض، لكن أن يكون الفرق بينهما أكثر من 16 مليار درهم لمصلحة الودائع نتيجة لتراجع الإقراض المصرفي بنحو مليار درهم، فإن هذا الفرق ستكون له آثار انكماشية على الحياة الاقتصادية في ظل تراجع القروض».
تراجع السيولة
قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، إن «الفرق بين الودائع والقروض، البالغ 16 مليار درهم، سيبقى في خزائن المصارف، وقسم منه في خزينة المصرف المركزي بصورة شهادات إيداع، التي ارتفعت في نوفمبر الماضي بمقدار ثمانية مليارات درهم»، لافتاً إلى أن «المصارف تستبعد أن تجمد ثمانية مليارات في خزائنها، وهي بالتأكيد ستستخدمها في أغراض أخرى ربما ستكون لتسديد التزامات مستحقة عليها لجهات خارجية، ما يؤشر إلى أننا أمام ظاهرة تراجع السيولة المتاحة للأسواق».
وأضاف الشماع أن «ظهور فائض في الودائع على القروض هو العملية العكسية لما كان يحدث في السابق عندما كانت القروض تتفوق على الودائع، وبما كان يوجِد ضغوطاً تضخمية وأضراراً قادت في النهاية إلى اقتصاد الفقاعة العقارية».
وأكد أن «ما يحدث الآن هو الاتجاه المعاكس، إذ تستخدم المصارف الفروق بين الودائع والقروض لتسديد ما كانت تقترضه في السابق لتمويل قروض التي طالما توفقت على الودائع»، متوقعاً أن «يؤدي ذلك إلى آثار انكماشية بدأت بالظهور في أسواق الأسهم ومبيعات العقار في دبي، ومنه قد تنتشر إلى القطاعات الباقية ما لم تُتخذ الإجراءات المناسبة للحد من الظاهرة».
التخفيف الكمي
شدد الشماع على «ضرورة التخفيف الكمي وسيلة لمواجهة الأزمة التي تنعكس على اقتصاد الدولة، إلى جانب ضرورة استخدام كل موارد النفط في تمويل الإنفاق الحكومي، وتأجيل الاستثمار الخارجي وادخارات المستقبل لما بعد تعافي الاقتصاد».
وأوضح أن «التخفيف الكمي (الذي يعني إصدار أرصدة نقدية مقابل شراء المصرف المركزي سندات من المصارف، سواء بشكل مباشر أو عبر الحكومة الاتحادية، التي تستخدمها بدورها في شراء الديون المتأخرة لدى المصارف)، له مبرراته القوية، ليس لأن دول العالم تتبعه بدرجات متفاوتة، لكن لأن الإمارات مهيأة أكثر من غيرها لاتباع هذا الأسلوب في التحفيز الكمي، كونها تمتلك أصولاً مادية قائمة لا توجد سيولة لتشتريها».
وأكمل الشماع، أن «الدول التي تتبع أسلوب التخفيف الكمي تغامر بالضغوط التضخمية، أما الإمارات فإنها ستوفر نقوداً عن طريق ذلك الأسلوب لتشتري الفائض من المعروض غير المباع من الأصول العقارية بشكل خاص، الذي تقدر قيمته بين 250 إلى 300 مليار درهم بأسعار القاع، ومن الممكن أن تصل إلى ما بين 350 إلى 450 مليار درهم بأسعار ما قبل الأزمة المالية».
وأشار إلى أن «الحذر والتحفظ الذي يبديه (المركزي) تجاه التخفيف الكمي، خشية أن يكون النقد المصدر (معلقاً في الهواء) كونه غير مدعوم بأصول مادية، غير مبرر طالما أن الدولة تمتلك الأصول التي تقابل النقد الذي سيجري توفيره».
وأوضح أن «الخشية من زيادة معدلات التضخم عبر النقد الذي سيجري ضخه في الأسواق على شكل تدفق نقدي كبير، والذي يخشى تسببه في ما يسمى (صدمة التدفقات النقدية)، فإنها هي الأخرى غير مبررة»، عازياً ذلك إلى أن «قيمة العملة الإماراتية ثابتة بحكم النظام النقدي المرتبط بالدولار، وأي زيادة في الطلب قد تكون مرغوبة حالياً إلى حين تعافي الاقتصاد، إذ سيكون بالإمكان حينها عكس سياسات التخفيف الكمي من خلال قيام الشركات والمصارف التي أصدرت السندات بإعادة شرائها من المركزي أو المالية الاتحادية».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news