‏‏‏مخاوف من زيادة أسعار سلع غذائية وخدمية

رفع أسعار البنزين في الدولة اعتباراً من الأربعاء المقبل‏

مخاوف من استغلال تجار لقرار زيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــادة سعر البنزين ورفع أسعار مواد استهلاكية. تصوير: باتريك كاستيلو

‏‏قررت شركات توزيع المنتجات البترولية في الدولة رفع سعر لتر البنزين بأنواعه المختلفة في جميع محطات الوقود 15 فلساً، وذلك اعتباراً من الأربعاء المقبل، مشيرين إلى أن «الزيادة تأتي في إطار المساعي الرامية إلى الحد من الخسائر المتراكمة والمتزايدة التي تتعرض لها، والناجمة عن ارتفاع تكلفة المنتج بشكل مستمر».

وعبر تجار وخبراء عن مخاوفهم من رفع أسعار العديد من السلع الاستهلاكية والخدمية، متوقعين ارتفاع أسعار 70٪ على الأقل من المواد الغذائية في أسواق الدولة بنسبة تصل إلى 15٪ نتيجة لقرار رفع أسعار البنزين. فيما دعا خبير نفطي إلى وجود مؤسسة واحدة لتوزيع المشتقات على مستوى الدولة لضمان تقليل التكاليف واعتماد طرق عمل أفضل وأسلوب للتنافسية من منظور وطني وليس ربحيا.

وتفصيلاً، كشف المدير التنفيذي في شركة الإمارات للمنتجات البترولية «إيبكو»، زيد عبدالرحمن القفيدي، أن «تحرير سعر البنزين سيتم على مراحل، حيث من الممكن أن يتم إعادة النظر في الأسعار في حال تحقيق انخفاضات في أسعار النفط عالمياً».

وأضاف أن «شركات توزيع البترول في الدولة كانت تبيع البنزين (95)، الذي يستحوذ على نحو 95٪ من المبيعات، بسعر 1.37 درهم للتر، بينما يبلغ السعر العادل له وفقاً للأسعار العالمية نحو 2.4 درهم».

وأشار إلى أن «القرار سيسري تنفيذه بشكل شامل ومن دون استثناء في جميع محطات توزيع البترول في مختلف أنحاء الدولة وفي التوقيت نفسه»، موضحاً أن «حجم الدعم الحكومي لشركات توزيع البترول خلال الفترة الماضية كان يصل إلى نحو ستة مليارات درهم سنوياً، ومن المتوقع أن يقل مع تنفيذ القرار الجديد».

وأوضح أن «القرار الذي تم بحثه بين الجهات المعنية قبل عملية الإصدار، لتقليل حجم خسائر الشركات، يوضح الزيادة السعرية المرحلية حالياً، بينما من المقرر أن تتم مراجعة دورية للأسعار كل ثلاثة أشهر من خلال اجتماعات عبر لجنة التسعير التي تشمل مسؤولي وزارة الطاقة وممثلي شركات التوزيع المحلية».

آثار إيجابية

وأشار القفيدي لـ«الإمارات اليوم» إلى أن «القرار سيكون له عدد من الآثار الإيجابية تتمثل في خفض خسائر شركات توزيع البترول، بما يمكنها من تطوير خدماتها والتوسع في إنشاء المحطات، فضلاً عن تقليل حدة الازدحام في الشوارع مع لجوء أفراد للنقل الجماعي المشترك أو وسائل النقل العام للتنقل إلى مواقع عملهم بهدف تقليل التكاليف، إلى جانب ترشيد استخدام المحروقات وعدم استنزافها كونها تمثل مورداً طبيعياً للدولة»، وتابع «في حالة تبني شريحة من الناس استخدام وسائل النقل العام في التنقل، فإن انبعاث السيارات الكربونية الضارة بالبيئة ستقل بنسب كبيرة»، مشيراً إلى أن «الجهات الحكومية كانت تطالب شركات توزيع الوقود في السابق بتطوير خدماتها والتوسع في بناء محطات إضافية، لكن الشركات لم تكن قادرة على ذلك نظراً للخسائر الكبيرة التي منيت بها خلال الفترة الماضية».

وتوقع أن «يسهم تحرير الأسعار في الحد من ظاهرة استخدام السيارات الضخمة (فئة ثماني اسطوانات فما فوق) والمنتشرة في أسواق الدولة والمنطقة، مقارنة بانتشار السيارات الصغيرة أو الموفرة لاستهلاك البترول في الدول الأوروبية»، لافتاً إلى أنه «من المتوقع ضمن تأثير القرار أن يلجأ موظفو بعض الشركات إلى المطالبة بزيادات في بدلات الانتقال التي يحصلون عليها بشكل يواكب نسب زيادة البنزين».

من جانبه، استبعد مدير الإعلام والتسويق في شركة بترول الإمارات الوطنية «إينوك»، خالد محمد هادي، أن تؤثر قرارات تحريك أسعار البنزين في رسوم أسعار المشتقات المباعة في المحطات أو الخدمات الخاصة بتبديل زيوت السيارات حالياً، وكذلك بالنسبة لرسوم خدمات غسل السيارات سواء بالارتفاع أو الانخفاض، والتي كانت شركات توزيع الوقود لجأت إلى زيادتها في العامين الماضيين لتعويض الخسائر المتراكمة من ثبات سعر البنزين.

ولفت إلى أن «الزيادة ستطبق على نوعي البنزين (95) و(98) في محطات (إينوك) و(إيبكو)، بينما تخضع أسعار الديزل للسياسات المتبعة لمتغيرات أسعار النفط العالمية».

أسعار السلع

إلى ذلك، توقع مدير شؤون التجزئة في جمعية الظفرة التعاونية علي عبدالفتاح ارتفاع أسعار 70٪ على الأقل من المواد الغذائية في أسواق الدولة بنسبة تصل إلى 15٪ نتيجة لقرار رفع سعر لتر البنزين.

وقال لـ«الإمارات اليوم» إن معظم الشركات ستتخذ من هذه الزيادة ذريعة لرفع أسعار منتجاتها بحجة ارتفاع كلفة النقل، معرباً عن خشيته من أن يحدث ارتفاع كبير في أسعار مواد غذائية أساسية، مثل الخبز نتيجة للارتفاع المرتقب في أسعار الطحين والغاز.

ولفت إلى أن الفترة الماضية شهدت رفع شركات عدة (معظمها عاملة في مجال تصنيع واستيراد مواد التنظيف ومستحضرات التجميل) أسعارها بنسب تجاوزت 33٪، بسبب ارتفاع أسعار النقل نتيجة تذبذب أسعار النفط عالمياً.

وقال عبدالفتاح إن «الفترة الماضية شهدت ارتفاعات في أسعار عدد قليل من السلع، ولكن مع رفع سعر البنزين ستجد الشركات مبرراً لرفع الأسعار بشكل غير محدود».

ومن جانبه، قال عضو مجلس إدارة الاتحاد التعاوني الاستهلاكي ورئيس جمعية رأس الخيمة التعاونية محمد الشامسي، إن «ارتفاع أسعار النقل سيرفع الياً أسعار مختلف السلع بنسب مختلفة، مؤكداً ضرورة تدخل اللجنة العليا لحماية المستهلك لمراقبة الأسواق ومنع الارتفاعات المتوقعة.

وقال مسؤول مبيعات في إحدى وكالات السيارات الكبرى في أبوظبي، فضل عدم نشر اسمه، إنه من المنتظر أن تتزايد عمليات شراء السيارات الصغيرة سعة «1400 سي سي» و«1600 سي سي» على حساب السيارات الكبيرة التي سينخفض شراؤها بنسب تصل إلى 20٪ نتيجة لرفع سعر البنزين».

واعتبر أن سعر لتر البنزين في الإمارات يعد مرتفعاً مقارنة بالدول المجاورة، لافتاً إلى ان «تعبئة خزان سيارة قوة محركها 2000 سي سي يكلف ما يوازي 35 درهماً في السعودية، مقابل 85 درهماً في الإمارات».

وقال إن كلفة استخدام البنزين تعد من المحددات الرئيسة لاختيار سيارة معينة، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية وارتفاع فوائد التمويل المصرفي.

توقيت غير مناسب

وقال خبير النفط والغاز، رئيس المنظمة الإقليمية التابعة لشركات النفط، خميس بوعميم، إن «قرار زيادة أسعار الوقود يأتي في توقيت غير مناسب، لأن الوضع الاقتصادي على المستوى العالمي لا يسمح بفرض أعباء إضافية على الشركات أو الأفراد».

وأكد أن «هناك تداعيات اقتصادية واجتماعية غير مرغوب فيها ستصاحب هذه الزيادة، خصوصاً أنه لم يتم شرح وجهة نظر شركات التوزيع في الزيادة والأسباب التي تقف وراءها، قبل تطبيق الزيادة بوقت كاف»، موضحاً أن «إعلام المستهلك وتهيئته يمثل أمرا مهما في مثل هذه الحالات، خصوصاً عند رفع سعر منتج يتعامل معه بشكل يومي».

وأضاف بوعميم أن «حجة شركات التوزيع بأن سبب الزيادة هو ارتفاع الكلفة ووجود خسائر، لا تقنع المستهلك، فهو غير معني بوجود مؤسسات غير فاعلة أو أشخاص غير فاعلين»، مشيراً إلى «ضرورة أن تبادر هذه الشركات إلى خفض النفقات، وان تراجع أسلوب عملها».

وقال إن «أهم مشكلة لدى هذه الشركات هو أن الكلفة المالية لهياكلها التنظيمية مرتفعة جداً، وكذلك ما يعرف بالتكاليف المضافة غير المتوقعة، وتوقيت شرائها للنفط، كل هذه الأسباب تسهم بنسبة كبيرة في تحقيقها خسائر مستمرة»، منوها بأن «اللجوء إلى رفع الأسعار إحدى الصيغ التي تطبق بعد سد الخلل في جميع الجوانب الأخرى وانعدام القدرة على إيجاد حلول».

 http://media.emaratalyoum.com/inline-images/109561.jpg

‏استغلال للموقف

قال المدير التنفيذي في شركة الإمارات للمنتجات البترولية «إيبكو»، زيد عبدالرحمن القفيدي، إن «القرار، الذي يشمل زيادة بنسبة 11٪ في سعر لتر البنزين مقارنة بالأسعار السابقة، من المفترض ألا يؤثر في أسعار السلع المختلفة بالزيادة، على اعتبار أن البنزين لا يستخدم في وسائل نقل البضائع من سفن وشاحنات وغيرها، وزيادة أسعاره لا تؤثر في تكاليف التشغيل والإنتاج ومؤشرات التضخم مثل أسعار الديزل»، لافتاً إلى أن «رفع أسعار البنزين يؤثر فقط في الأفراد».

وأضاف أن «الرقابة المشددة التي تتبعها الدوائر الاقتصادية ووزارة الاقتصاد للحفاظ على استقرار الأسواق يجب أن تتصدى لأي محاولة من قبل التجار لاستغلال الموقف»، موضحاً أن «أسعار الديزل محررة من قبل الحكومة ولم تتغير مع تلك القرارات، وبالتالي فلن تؤثر في خدمات النقل والإنتاج، فليس من المعقول على سبيل المثال أن تطالب مدارس بزيادة المصاريف بزعم ارتفاع البنزين، على الرغم من عدم وجود أي تأثير فيها، لأن حافلات نقل الطلاب تعمل بالديزل».‏

وتابع أن «الإمارات معروفة بحرصها على الجوانب الاجتماعية والمصداقية في اتخاذ القرارات لضمان التفاعل الإيجابي معها على مستوى المجتمع الاقتصادي والشارع على حد سواء»، مبيناً «وجود إحدى أكبر مصافي النفط على مستوى الخليج في منطقة الرويس، ويتم الآن إجراء توسعة عليها لتصبح الأكبر في المنطقة، لذا من غير المعقول أن يكون سعر الوقود هو الأعلى على مستوى دول الخليج»، مشيراً إلى أن «أسعار الوقود في بقية دول الخليج تفاضلية».

تحرير الأسعار

وعن التوجه لتحرير الأسعار وترك آلية تحديدها للعرض والطلب، قال بوعميم «للأسف، فإن تحديد سعر الوقود لدينا يتم ربطه بالأسعار الدولية، على الرغم من أن ذلك مناف للواقع المعروف في منطقة الخليج، لأن الدول المنتجة للنفط والغاز يفترض أن تكون أسعارها تنافسية، وتحريرها لاشك يؤثر في النمو الاقتصادي بشكل عام، خصوصاً أن ترك السعر لتفاعلات السوق يؤدي إلى إرباك شديد مع التذبذب المستمر في السعر العالمي، لعدم وجود آلية محددة في السوق المحلية يتحرك ضمنها السعر اليومي صعوداً وهبوطاً، كما هو معمول به في الدول المستوردة».

ولفت إلى أن هناك ثلاث جهات مسؤولة عن توزيع الوقود في الدولة، هي «أدنوك» و«إينوك» و«إمارات»، وسيكون من الأفضل وجود مؤسسة واحدة لتوزيع المشتقات على مستوى الدولة لضمان تقليل التكاليف واعتماد طرق عمل أفضل وأسلوب للتنافسية من منظور وطني وليس ربحياً، مشيراً إلى أن «العمل بنظام اللتر قصد به الارتباط بالسوق الدولية، وتحديد السعر حسب التكاليف الدولية، ومع مرور الوقت أصبح هناك ضرورة لإعادة دراسة هذا التوجه حرصاً على المصلحة الاقتصادية».

وطالب بوعميم بعدم إعادة تصدير المشتقات البترولية طالما أن السوق المحلية بحاجة إليها، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يعاني من شح في الموارد وخصوصاً المالية، وأن أي أعباء جديدة لابد أن تؤخذ من منظور مستقبلي».

أما كبير الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، د. باسل البستاني فيرى أن «تحرير سعر الوقود فيه كثير من التعقيد، فكثيراً ما نسمع شركات التوزيع تتحدث عن تكبدها خسائر جراء ثبات الأسعار، مقابل زيادة كلفة الإنتاج، وهو أمر منطقي في جانب منه»، موضحاً أن ثبات الأسعار عند مستويات معينة لفترة طويلة يعني ضمناً وجود دعم لمصلحة المستهلك، إضافة إلى أن انخفاض السعر يغري المستهلك بالاستهلاك غير الرشيد، ما يترك جوانب سلبية على البيئة، لكن من المهم أن يتم تقليص الفجوة بين كلفة الإنتاج المتزايدة والأسعار الثابتة بشكل تدريجي ومرن، وليس دفعة واحدة، كما يجب أن يتم ذلك في توقيت مناسب».

ولم تتلقَ «الإمارات اليوم» رداً من شركة «أدنوك للتوزيع» على قرار رفع سعر لتر البنزين في الدولة.

يذكر أن أسعار النفط في الأسواق العالمية بلغت أخيراً نحو 85 دولاراً للبرميل، وكانت سجلت ارتفاعات قياسية قبل نحو عامين، إذ بلغ سعر برميل النفط آنذاك نحو 147 دولاراً للبرميل. ‏

تويتر