تقارير أجنبية تخيـف المستثـمريـــن في أسواق الأسهم

خبير اقتصـادي: تراجـع الأسعـار وإلغاء مشروعات عقارية يصبّان في مصلحة الاقتصاد الإماراتي. تصوير: زافيير ويلسون


عزا محلل مالي توجه المتداولين للمضاربة في سوق دبي إلى حالة انعدام الثقة بالأداء المستقبلي للسوق، التي تولدت من حالة التشاؤم التي تبثها تقارير صادرة عن مؤسسات أجنبية أشارت فيها إلى أن أكثر من نصف مشروعات العقارات السكنية والتجارية المقرر إنجازها بين عامي 2009 و2012 في دبي قد جرى تعليقها أو إلغاؤها، كما توقعت تباطؤاً أكبر للنشاط في القطاع السكني في النصف الأول من .2009

مؤكداً أن «تراجع أسعار العقارات والإيجارات وتعليق وإلغاء بعض المشروعات العقارية يصب في مصلحة الاقتصاد الإماراتي».

واستمر انخفاض المؤشر العام لسوق الإمارات للأوراق المالية خلال الأسبوع الماضي ليستمر في اتجاهه الهابط للأسبوع الثاني على التوالي، بعد ارتفاعه لثلاثة أسابيع متتالية.

وانخفض المؤشر العام خلال الأسبوع بنسبة 3.15٪، وذلك في أعقاب انخفاض مؤشر سوق دبي بنسبة 0.8٪ وانخفاض مؤشر سوق أبوظبي بنسبة 4.09٪، كما انخفضت قيمة التداولات الأسبوعية لتصبح 2.2 مليار درهم مقارنة بـ 3.21 مليارات درهم في الأسبوع السابق، الأمر الذي يعني انخفاض متوسط قيمة التداول اليومية من 642 مليون درهم إلى 440 مليون درهم تقريباً.

وتحول صافي الاستثمار الأجنبي من السالب إلى الموجب خلال الأسبوع المنقضي ليصل إلى 4.99 ملايين درهم مقارنة بـ142.2 مليون درهم خلال الأسبوع السابق، وبذلك تنخفض القيمة السوقية للأسهم المدرجة بالسوق مع نهاية هذا الأسبوع لتصل إلى نحو 340.5 مليار درهم.

حمى المضاربة

وقال المستشار الاقتصادي وخبير الأوراق المالية، الدكتور همّام الشمّاع، إن «حمى المضاربة وجني الأرباح انتقلت من سوق دبي إلى سوق أبوظبي التي تذبذبت كثيراً بين الارتفاع والانخفاض طوال أيام الأسبوع وحتى في الجلسة الواحدة، ومع ذلك فقد بقيت سوق دبي الأكثر تقلباً».

وأضاف «يبدو أن الارتفاعات السعرية التي امتدت على مدى ثلاثة أسابيع متواصلة، دفعت بمؤشر أبوظبي نحو التراجع الكبير نسبياً، والذي استمر لأيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، تحت ضغط أسهم الطاقة، العقارات، والاتصالات؛ وكنتيجة لذلك فقد كان من الطبيعي أن تتبع تداولات السوق حركة جني الأرباح التي فتح شهيتها ارتفاع سهم «طاقة» خلال الأسبوعين الماضيين على وقع شراء الشركة لأسهمها، فضلاً عن أن الأيام السابقة كانت تخلو من الأخبار الجديدة التي يمكن أن تعطي دفعة للشراء». وتابع أن «المضاربين في سوق دبي استفادوا يوم الأربعاء من قشة الأمل التي بعثتها رسالة «سيتي غروب» التي أوحت بأن البنك قد حقق أرباحاً تشغيلية خلال الشهرين الأولين من العام الجاري، وكذا تصريحات بنك HSBC الذي أعلن أن أداءه أفضل من التوقعات للعام الجاري، وفي يوم الخميس بدأ السوق على انخفاض تحت مظلة تراجع الأسواق الآسيوية».

تقارير أجنبية

وعزا الشماع توجه المتداولين للمضاربة في سوق دبي إلى «حالة انعدام الثقة بالأداء المستقبلي للسوق، والتي جاءت من حالة التشاؤم التي تبثها التقارير التي تصدر عن مؤسسات أجنبية، كتقرير شركة الخدمات العقارية «جونز لانغ لاسال»، وتقرير بنك مورغان ستانلي في الشهر الماضي»، حيث أكد التقرير الأول أن أكثر من نصف مشروعات العقارات السكنية والتجارية المقرر إنجازها بين عامي 2009 و2012 في دبي قد جرى تعليقها أو إلغاؤها بسبب نقص التمويل المتاح وتوقعات تراجع عدد السكان، إلى جانب استمرار إلغاء الوظائف، كما توقع التقرير تباطؤاً أكبر للنشاط في القطاع السكني في النصف الأول من العام الجاري. في حين ذكر تقرير بنك مورغان ستانلي في الشهر الماضي أن الأسعار تراجعت في دبي 25٪ في المتوسط منذ بلغت ذروتها في سبتمبر الماضي. ولفت الشماع إلى أن «مثل هذه التقارير تثير المخاوف والقلق لدى المتداولين وتحولهم إلى مضاربين مقامرين بعيدين كل البعد عن النهج الاستثماري، ولا شك أن مثل هذا السلوك لا يمكن أن يحقق نفعاً»، مؤكداً أن «تراجع أسعار العقارات والإيجارات وتعليق وإلغاء بعض المشروعات العقارية إنما يصب في مصلحة الاقتصاد الإماراتي، وهذا ما لا تدركه المؤسسات التي تروج لهذه التقارير».

وسوغ ذلك بأن «الحد من معدل النمو السنوي لقطاع البناء والتشييد والمحافظة على معدل نمو ثابت يتناسب مع معدل النمو السنوي المتوقع للناتج المحلي الحقيقي ويكون مساوياً له، هو أمر إيجابي وليس حالة سلبية تثير القلق».

وأشار إلى أنه قبل الأزمة العالمية كانت البنوك في الإمارات تلجأ إلى طرح سندات وصكوك تقترض بها مليارات الدولارات من البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية لتلبية احتياجات شركات التطوير العقاري والمشترين، لكنها وفقاً لذلك النمط كانت تخاطر بوصول الفقاعة إلى حد الانفجار، كما إنها كانت تخاطر بالتركيبة السكانية نتيجة حركة البناء الكثيفة».

ولفت الشماع إلى أنه «عندما يتم الآن تعليق وإلغاء مشروعات عقارية، فإن ذلك لا ينضوي على ضرر بقدر ما يمكن اعتباره تصحيحاً لمسار اقتصادي كان متطرفاً في توجهاته الربحية إلى مسار اقتصادي يضع الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للتوازن ما بين القطاعات نصب أعينه». وبين أنه «إشارة التقارير إلى تراجع عدد السكان نتيجة استمرار إلغاء الوظائف يجب ألا يثير المخاوف، فهذا التراجع سيتوازن مع تراجع المعروض من الوحدات العقارية، أي أننا لن نكون أمام حالة انهيار في مستويات الإيجارات وتراجع متواصل لقيم العقارات فقط، وسنشهد عملية تصحيح لمستويات العرض والطلب».

وأوضح أنه «في مثل هذه الحال سنكون أمام حالة ملحة، وهي توفير السيولة التي يمكن أن تشتري الوحدات العقارية الحالية التي تم تطويرها في وقت الاستقرار، وهو أمر في طريقه إلى الحل بعد أن انتهت اللجنة المكلفة من قبل مجلس الوزراء من وضع سيناريوهات عدة بديلة لموضوع دمج شركتي «تمويل» و«أملاك»، وفي الغالب ستتمخض هذه البدائل عن حلول شاملة لمسألة التمويل العقاري».

واختتم الشماع بدعوة «المطورين العقاريين للمساهمة في تسهيل تسويق المعروض الحالي والعقارات تحت التطوير، وذلك من خلال الاستفادة من انخفاض كلفة مواد البناء بالقدم المربعة بمعدل 30٪، وتخفيض أسعار الوحدات بالنسبة نفسها، ومعالجة ما يترتب على هذا التخفيض من فوارق سعرية بين الوحدات التي تم تشييدها بتكاليف مرتفعة والأخرى التي شيدت بتكاليف منخفضة، وذلك عبر التخلي عن جزء من الأرباح التي تشكل ضعفي كلفة البناء، وبهذا يسهم المطور العقاري في إيجاد حل، إلى جانب الحلول التي توفرها الدولة».

حيرة الأسواق

من جهته، أفاد مدير قسم الأبحاث والدراسات بشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور محمد عفيفي، بأن «تداولات الأسبوع شهدت صراعاً عنيفاً بين المضاربين والمستثمرين ظهر معه السوق في حيرة واضحة وبلا اتجاه محدد».

وقال «كانت هناك محاولات مستميتة من جانب المضاربين لتجميع أكبر قدر ممكن من الأسهم تمهيداً للمرحلة المقبلة، وذلك من خلال الضغط على مؤشر السوق مراراً وتكراراً وكذا كبح جماح السوق حتى لا تستجيب للارتفاعات الكبيرة التي حدثت في الأسواق المالية الدولية، وذلك في محاولة لإيهام جميع المتابعين بأن السوق مقبلة على انخفاض كبير في ظل كسرها لنقاط دعم مهمة، بهدف تخويف المستثمرين وجعلهم يتخلون عن أسهمهم بأسعار أقل مما يمكن أن يحصلوا عليها على المدى المنظور».

وأضاف «بالنسبة للمستثمرين، تماسكت شريحة كبيرة منهم أمام الضغوط التي وضعها عليهم المضاربون في ظل قناعتهم بأن الصبر وعدم الاندفاع العشوائي والاعتماد على استشارات الخبراء في مجالي التحليل الفني والأساسي هي السبيل الأفضل في مواجهة المضاربين».

وأكد أن «الحرب النفسية» الدائرة الآن بين المضاربين والمستثمرين قد تستمر أسبوعاً آخر، لكن ليس أكثر من أسبوع».

لافتاً إلى أن «التماسك الذي ظهر من جانب المستثمرين خلال الأسبوع الماضي يعد بداية الإعلان عن نهاية تلك الحرب النفسية وبداية ارتفاع تدريجي للسوق المحلية، وهذا يتطلب المزيد من التريث والصبر من جانب المستثمرين وعدم العجلة في اتخاذ القرارات الاستثمارية، والبعد تماماً عن سياسة اتباع القطيع».

قوى الدفع

قال الرئيس التنفيذي لشركة «شعاع للأوراق المالية»، محمد علي ياسين، إن «أسواق الأسهم المحلية استمرت بالتراجع خلال الأسبوع الماضي، حيث بدا واضحاً فقدان التداولات لقوى الدفع الإيجابية التي كانت تدفعها إلى الأعلى حتى بداية شهر مارس الجاري، خصوصاً انخفاض مستويات السيولة الموجودة في السوق مع انخفاض مستوى المضاربات عن الأسابيع السابقة».

عازياً ذلك إلى أن «المستثمرين ينتظرون ظهور بيانات الربع الأول من عام 2009 قبل أخذ قرارات بتوجيه سيولة جديدة للأسواق، كما أنهم يحجمون عن البيع خلال المرحلة الحالية وهي فترة انعقاد الجمعيات العمومية للشركات المساهمة لانتظارهم لتواريخ استحقاقات قبض الأرباح المقررة للشركات التي يملكون أسهمها، كون ريع كثير من الأسهم يتراوح بين 6٪ إلى 9٪».

وقال «الملاحظ أن هذا العام شهد تغيير توزيعات بعض الشركات بناء على طلب المساهمين على غير العادة، فمثلاً أقرت شركة «الواحة كابيتال» توزيعات 5٪ نقداً بعد أن كان مجلس الإدارة اقترح عدم توزيع أرباح، وجمعية «بنك أبوظبي الوطني» غيرت توزيعاتها إلى 30٪ نقداً و10٪ منحة، والمتوقع حدوث حالات مماثلة خلال الجمعيات العمومية المقبلة، ما سيشجع مساهمين أكثر على الحضور وممارسة حقهم في التصويت».

وأوضح أن «معظم الشركات قامت بأخذ مخصصات كبيرة في ميزانياتها العمومية خلال الربعين الثالث والرابع من العام الماضي للحيطة والحذر، ما هبط بأرباح تلك الفترتين، وهو ما خفض توقعات أرباحها خلال العام الجاري».

وأشار ياسين إلى أنه «في حال صدقت التوقعات، فإن الشركات التي أخذت مخصصات أكبر ستظهر نسب نمو أرباح إيجابية خلال النصف الأول من عام ،2009 قد تفاجئ بها المستثمرين والمحللين، وبالتالي قد تجذب سيولة جديدة إلى الأسواق، وتولد قوة ايجابية تدفع بأسعار أسهمها إلى مستويات أعلى كاسرة خطوط المقاومة الحالية».

تويتر