التراث الثقافي يقود السياحة في الشرق الأوسط

السياحة الثقافية في الإمارات تدعم عائدات السياحة الداخلية

قال الأستاذ المساعد بكلية العلوم الاجتماعية وخبير في السياحة بجامعة «هيريوت وات بدبي» الدكتور روس كوران، إن الثقافة والتراث الغني لمنطقة الشرق الأوسط يُعد دليلًا على نضج صناعة السياحة فيها، والتي تساعد على التصدي للصدمات الخارجية أو الأزمات الاقتصادية، مضيفا أن حكومات المنطقة توجه جهودها بشكل متزايد نحو تطوير الوجهات الثقافية والترويج لمواقع التراث في المنطقة لجذب السياح العالميين، وتشجيع السياحة الوافدة.

وأشار « كوران» في تصريحات لـ «الإمارات اليوم»، أن هذه الخطوة تهدف إلى الاستفادة من الاتجاه المتنامي للسفر التجريبي، حيث يبحث الزوار عن التجارب الثقافية والتراثية، ويسعى السياح بشكل متزايد لإشباع فضولهم الثقافي من خلال تجارب سياحية فريدة كاستجابة للعولمة والتجانس المترقب للتجارب السياحية، وأصبحت الأنشطة الثقافية الآن جزءًا لا يتجزأ من العديد من أنشطة السفر، علاوة على ذلك فإن التنويع المتزايد وزيادة شعبية السياحة الثقافية يُساعد على إحياء قطاع السياحة في الشرق الأوسط.

فوائد اقتصادية
وأوضح «كوران» أن ذلك أدى إلى فوائد اقتصادية كبيرة وزيادة الاستثمار في السياحة الثقافية ومواقع التراث العالمي، لافتًا إلى أن السياحة الثقافية توفر فوائد اقتصادية للمجتمعات المحلية وتقود نمو السياحة المستدامة، خاصة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة حيث إن السياحة الثقافية تدعم السياحة الداخلية التي تعد مربحة بشكل فريد، وذلك نظرًا للعدد الكبير من السكان في المنطقة، كما يشجع على تطوير المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تقدم الخدمات والتجارب الثقافية مثل الإقامة مع العائلات، والجولات الثقافية والأسواق الحرفية.

وأكد «كوران» أنه يتطلب لتطوير السياحة الثقافية الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، ويشمل حماية المواقع التاريخية والأثرية، وكذلك الحفاظ على الفن التقليدي، والحرف اليدوية، والموسيقى، والعناصر الثقافية الأخرى، حيث إنه بلا شك أن منطقة الشرق الأوسط لديها تراثًا ثقافيًا غنيًا يتم الحفاظ عليه والترويج له لأغراض السياحة، وأن صناعة السياحة في المنطقة تدرك قيمة السياحة الثقافية، وعلى سبيل المثال تهدف المملكة العربية السعودية إلى مضاعفة عدد مواقع اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) على مدى السنوات العشر المقبلة كجزء من إطار رؤية 2030.

المواقع التاريخية
وأضاف «كوران» أن دول مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية لديهما العديد من المواقع القديمة والتاريخية، فعلى سبيل المثال إن البلد الجزء القديم من جدة يُعد أحد أهم مواقع التراث العالمي لليونسكو، والتي تأسست قبل 1300 عام كبوابة للمسلمين في طريقهم إلى مكة للقادمين عن طريق البحر من إفريقيا، ولا تعكس الإمارات مثل أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة روحها المعاصرة فحسب، بل تُظهر أيضًا الثقافة التقليدية مما يجعلها خيارًا مفضلاً للسائحين المهتمين بالاستكشاف الثقافي.
وأوضح «كوران» أنه على سبيل المثال تعد المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات مركزًا ثقافيًا معاصرًا تم تطويره مؤخرًا في أبو ظبي، ويتضمن الموقع متحف اللوفر أبو ظبي ومتحف زايد الوطني، وجزيرة السعديات والتي تُعد موطنًا لمسجد الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي، وهو أحد أكبر المساجد في العالم والذي يجذب العديد من الزوار
وأشار «كوران» إلى أن هناك وجهة أخرى شهيرة في الإمارات وهي واحة العين، التي تُعد أكبر واحة في مدينة العين، وتم تصنيفها كموقع للتراث العالمي لليونسكو، فهي موطنًا للآلاف من أشجار النخيل والمحاصيل المحلية وهي مكان رائع للتعرف على الزراعة الإماراتية التقليدية، كما ينعكس تراث دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال العديد من المهرجانات السنوية مثل مهرجان قصر الحصن، ومهرجان الشيخ زايد التراثي، ومهرجان سلطان بن زايد التراثي، وأيام الشارقة التراثية، والتي توفر فرصة ثمينة ومتميزة للزوار لتقدير وتجربة ثقافة المنطقة.

احتياجات السياح
وقال إن نمو السياحة الثقافية في البلاد يعتمد إلى حد كبير على البنية التحتية والخدمات التي تُلبي احتياجات السياح المهتمين بالتجارب السياحية الثقافية، ويشمل الفنادق والمطاعم والمواصلات ومراكز الترجمة الفورية، ولقد طورت منطقة الشرق الأوسط البنى التحتية والخدمات تطورًا كبيرًا، وذلك دليلًا على أن صناعة السياحة في المنطقة راسخة وقادرة على تلبية متطلبات السياح المهتمين بالسياحة الثقافية، حيث تهدف حكومة الإمارات العربية المتحدة إلى زيادة مساهمة الناتج المحلي الإجمالي لقطاع السياحة إلى 450 مليار درهم، مع زيادة سنوية قدرها 27 مليار درهم وذلك في إطار استراتيجية السياحة الإماراتية 2031، بالإضافة إلى أنه  يمكن أن تكون أصالة المواقع السياحية عاملاً حاسمًا في خلق بيئة دائمة وجاذبية تجذب الزوار بمرور الوقت، حيث إنه عندما يمثل موقع ما تاريخه وثقافته بدقة  فإنه يمكن أن يخلق تجارب فريدة لا تنسى للزوار، ويشجع على تكرار الزيارات، ويساعد في الحفاظ على الثقافة المحلية، «حيث إن العين تمثل العين بالعروض السياحية المتنوعة التي تستضيفها مثالاً رائعًا على التنمية السياحية الدائمة المخطط لها في المنطقة».

الأسواق المنافسة
وأكد أن العروض الفاخرة تُعد استراتيجية أكثر سهولة تتبعها الأسواق المنافسة، لكن التجربة الثقافية الأصيلة لا تُضاهى، ومن ثم يجب على الحكومة اتخاذ خطوات للحفاظ على المواقع الثقافية والتراثية، وحمايتها من الدمار من خلال ترميم وصيانة المواقع التاريخية، والمعالم الأثرية، والمتاحف، والمعالم الثقافية الأخرى، فضلاً عن تعزيز إمكانية الوصول إليها وإبرازها، بالإضافة إلى ذلك هناك مجالًا لمواصلة تخصيص زيادة في التمويل لتطوير السياحة الثقافية، والتي تُعد عوامل الجذب السياحي الثقافية طريقة فعالة لتسهيل التفاهم بين الثقافات، ويمكن أن تكون هذه عملية ثنائية الاتجاه مع إتاحة الفرصة لإشراك مؤسسات التعليم من الداخل والخارج للمشاركة في التعليم الثقافي المتبادل، وبالتالي تعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة.

تويتر