حقبة جديدة تمنح الجغرافيا السياسية ميزة أكبر من قوى السوق

«حرب أوكرانيا» تعيد رسم خريطة الطاقة في العالم

الاتحاد الأوروبي سيتوقف عن استخدام النفط والغاز الروسيين بحلول 2027. من المصدر

تعيد الحرب الروسية على أوكرانيا، رسم خريطة الطاقة في العالم، وتشير إلى عهد جديد يتأثر فيه تدفق الوقود بالتنافس الجيوسياسي بقدر تأثره بقانون العرض والطلب نفسه.

على مدى نصف القرن الماضي، تدفق النفط والغاز الطبيعي بحرية نسبية إلى الأسواق حول العالم وبلغ أعلى الأسعار. لكن ذلك انتهى مع توغل الدبابات الروسية عبر الحدود الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، وما أعقبه من عقوبات تجارية غربية ضد روسيا.

وعلى الرغم من أن أي نظام جديد سيظهر لن يكون واضحاً تماماً لسنوات مقبلة، فإن الخبراء في الجغرافيا السياسية للطاقة والدبلوماسيين يتفقون على أن هذا النظام سيكون أقل مما شهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة من حيث حرية تدفق السلع.

مفصل تاريخي

ويقول سفير أميركا السابق لدى السعودية، تشاس فريمان: «نحن في مفصل حقيقي من التاريخ»، لافتاً إلى أن أوروبا لا يمكنها أبداً أن تثق في روسيا مرة أخرى لتكون المزود الأساسي للطاقة، وإنه حتى إذا تم رفع العقوبات، فإن الدول تقترح بنية تحتية جديدة مكلفة وتؤيد عقود إمداد بديلة طويلة الأجل لرسم خريطة طاقة جديدة.

بدوره، رأى المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، زولتان بوزار، أن الحظر الألماني على النفط الخام الروسي يعني على الأرجح أنه بدلاً من وصول النفط الروسي إلى هامبورغ في غضون أسبوع أو أسبوعين، فإنه سيستغرق أشهراً عدة للوصول إلى الصين. وهو على العكس من نفط الشرق الأوسط، الذي ستطول رحلته إلى أوروبا بعد أن كان يذهب عادة إلى آسيا. وقال إن أوجه القصور تلك سترفع تكاليف الشحن والتأمين والتمويل التي تدعم تجارة الطاقة.

روسيا تخسر

يتوقع الكثيرون أن صناعة الطاقة في روسيا، العمود الفقري لاقتصادها، ستنكمش لأن خسارة أكبر سوق لها لا يمكن تعويضها بالكامل.

وتقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن العقوبات المالية والتكنولوجية الغربية ستقوض قدرة روسيا على الحفاظ على الإيرادات ومستويات الإنتاج الحالية. ونقلت عن المؤرخ في صناعة النفط، دانييل يرغين، قوله إن «أيام روسيا القوة العظمى في مجال الطاقة قد ولت». وإنه يتم بالفعل إعادة توجيه التدفقات التجارية مع انسحاب شركات الطاقة الغربية من روسيا، ورفض شركات الشحن والمقرضين وشركات التأمين لمس الصادرات الروسية.

بدورها، انخفضت صادرات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بالفعل بمقدار 563 ألف برميل يومياً، أو 32% من فبراير إلى أبريل.

وبحسب بنك الاستثمار «بايبر ساندلر»، فإن الحظر الكامل من الاتحاد الأوروبي يعني أن 2.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام، و1.1 مليون برميل يومياً من المنتجات التي تتدفق عادة إلى أوروبا، يجب أن تجد سوقاً جديدة.

«فطام» الغاز

سيجد القادة الأوروبيون صعوبة في «الفطام» عن الغاز الطبيعي الروسي، الذي يأتي في الغالب عبر خط الأنابيب. وتقدر مؤسسة «جيه بي مورغان تشيس» أنه بحلول نهاية العام 2022 ستظل أوروبا تتلقى بين 81% و94% من كمية الغاز الروسي التي استخدمتها في عام 2021. وقال الاتحاد الأوروبي إنه سيتوقف عن استخدام النفط والغاز الروسيين بحلول عام 2027، لكن إنهاء اعتماده على الطاقة الروسية يمكن أن يأتي بكلفة باهظة.

من جهته، قال مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لأمن الطاقة، عاموس هوشستين، إن الولايات المتحدة لن تقدم حوافز لاستثمارات طويلة الأجل في الوقود الأحفوري تتعارض مع خطتها لتشجيع الانتقال إلى مصادر طاقة صديقة للبيئة. وأضاف: «نحاول مساعدة أوروبا، وتحقيق الاستقرار في السوق وحماية المستهلكين الأميركيين مع جعل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يدفع الثمن».

عقوبات غربية

إلى ذلك، قال الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي، جوزيف ماكمونيجل، إن زيادة الطلب على الطاقة المقترن بالعقوبات الغربية ضد روسيا التي ستخفض إنتاجها قد يؤدي إلى نقص في النفط العالمي. وأضاف: «إذا تم استبعاد روسيا من سوق التصدير، فسيحدث ركود عالمي يقتل الطلب».

أما المدير السابق للاستخبارات الوطنية في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأدميرال دينيس بلير، فقال إنه رغم الجهود المبذولة لتحويل السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيداً عن الشرق الأوسط، فإن أهمية المنطقة بالنسبة للمصالح الأميركية عادت مرة أخرى بسبب الحرب. وأنه من ناحية أخرى، أصبح ضرورياً لروسيا العمل على تعميق علاقاتها مع آسيا، والصين، لتعويض خسارة سوقها الأوروبية.

صادرات روسيا

صدرت روسيا في السابق ما يصل إلى 200 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا، أكبر أسواقها إلى حد بعيد. كما باعت نحو 33 مليار متر مكعب إلى آسيا العام الماضي. وتمتلك روسيا عدداً قليلاً من مشروعات الغاز الطبيعي المسال، والتي تحول الغاز إلى سائل يمكن نقله بحراً، والتي من شأنها تعزيز قدرتها على إرسال الغاز إلى آسيا، لكن العديد من المشروعات صعبة من الناحية الفنية ومكلفة.

ويقول المحللون إنه من غير المرجح أن يحل المشترون الآسيويون محل أوروبا كسوق للنفط والغاز الروسي على المدى الطويل.

بدورها، ترفض الهند حظر النفط الروسي، وتشتريه بخصم كبير بالطريقة نفسها التي تسعى بها الصين للحصول على تخفيضات على الغاز الطبيعي. ولذلك فإن خسارة روسيا أقرب وأكبر سوق لها سيكلفها مليارات الدولارات من عائدات الطاقة كل عام، فضلاً عن العقوبات التكنولوجية القاسية، ما سيؤدي إلى تدهور خطير في قدرة البلاد على الحفاظ على مستويات إنتاج النفط والغاز الحالية.

تويتر