حرب أسعار «الحوسبة السحابية» تصب في مصلحة المستخدمين

لم يعد التنافس بين شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، مقتصراً على الهواتف الذكية وأنظمة التشغيل ومحركات البحث وحدها، بل امتد إلى قطاع «الحوسبة السحابية» أحد أسرع مجالات التقنية نمواً وازدهاراً، التي تُمثل ميداناً جديداً للمعركة، وأخيراً لجأت الشركات الثلاث إلى خفض أسعار خدماتها في سبيل جذب متعاملين جدد.

وعلى سبيل المثال، تستأجر شركة «ألتوس ريسيرش» الأميركية المتخصصة في العقارات، طاقة، لمعالجة البيانات ومساحة تخزين من شركة «أمازون» التي خفضت قبل ثلاثة أسابيع فاتورة الخدمة لما يقرب من النصف، ما أتاح للرئيس التنفيذي لـ«ألتوس ريسيرش» الناشئة، مايكل سيمونسن، إلى توظيف اثنين من المبرمجين لتطوير خدمات جديدة.

وقال: «لا أحد أبداً يخفض لك السعر 40% بين عشية وضحاها»، لافتاً إلى أن مكسب شركته المباشر يتمثل في فرصة تقديم منتجات جديدة على نحو أسرع.

وتتيح خدمات الحوسبة السحابية للشركات الحصول على مساحات وقوة معالجة، وبنى تحتية لازمة لتشغيل تطبيقات وبرمجيات عبر الإنترنت، من دون التقيد بإمكاناتها العتادية الخاصة من المعالجات ومساحات التخزين.

وعادةً ما تدفع الشركات مقابل استخدامها الفعلي، ما يضمن سهولة الاستخدام، وخفض تكاليف التشغيل، إضافة إلى الاستفادة من إمكانات الشركات الكبرى.

وتُعد «أمازون» على وجه الخصوص رائدة في هذا المجال، وبدأت خدماتها «أمازون ويب سيرفيسز» في عام 2006، ما جنب كثيراً من الشركات عبء بناء مراكز بيانات خاصة بها، إذ يتزايد إقبال الشركات الصغيرة على خدمات الحوسبة السحابية.

وأخيراً، شهدت سوق الخدمات السحابية ما يُشبه حرب أسعار ثلاثية الأطراف صبت بشكل أو بآخر في مصلحة المستخدمين، وتمكنت شركات «أمازون» و«غوغل» و«مايكروسوفت» من خفض أسعارها من دون القلق من هوامش الربح؛ بسبب استنادها إلى مجالات عمل أخرى أهم وأكبر.

ويُسهِم تراجع الأسعار في تغيير خطط مديري الشركات التي تُنفق سنوياً نحو 140 مليار دولار لشراء أجهزة الكمبيوتر، وكابلات الإنترنت والبرمجيات ومعدات أخرى لمراكز التكنولوجيا.

كما تُهدد المنافسة القوية مصنعي معدات مراكز البيانات والحوسبة مثل «آي بي إم» و«هيوليت باكارد» و«إي إم سي»، وحتى شركة لاستضافة مواقع الإنترنت «راك سبيس» التي يتوقع محللون تراجع أرباحها الفصلية.

وفي المقابل، يُنتظر أن تُسهِم المنافسة في ازدهار أعمال شركات «سيجيت تكنولوجي» و«ويسترن ديجيتال» التي تصنع الأقراص الصلبة المستخدمة في تخزين الصور والموسيقى، و«إنتل» التي توفر الرقائق لأجهزة الخادم في مراكز البيانات.

وإضافة إلى ذلك، سيُؤثر تراجع أسعار الخدمات في تفكير المؤسسات التي تدير مراكزها الخاصة، وتلك التي تُخطط لتأسيس مراكز بيانات وحوسبة خاصة بها، فمثلاً تستعين شركة «كوروكس» لتكنولوجيا التسويق منذ بدايتها قبل أربع سنوات بخدمات «أمازون» لتخصيص المعلومات والإعلانات على مواقع المستهلكين.

وبحسب الرئيس التنفيذي لـ«كروكس»، توم شافيز، فإن الشركة تُحلل حالياً 160 ألف نقطة بيانات خلال ثانية واحدة. وسبق له أن قدّر حاجة شركته لإنشاء مراكز حوسبة خاصة، حينما تدعم تقنيتها 750 مليوناً من متصفحي الإنترنت شهرياً، إلا أنه ومع تجاوزها ضعف هذا الرقم، فقد أكد أنه لا يُفكر في إنشاء مراكز خاصة قريباً.

واعتبر شافيز أن حروب الأسعار الأخيرة بين الشركات الكبيرة ستُؤجل اتخاذ مثل هذا القرار فترة أطول، وعدّ ذلك أمراً رائعاً لعمل الشركة.

نسب خفص الأسعار

كشف تقرير لمصرف «آر بي سي كابيتال» الاستثماري الكندي، أن شركة «أمازون» خفضت الأسعار بنحو 34% منذ أكتوبر 2013، وهو ما فعلته «غوغل» بنسبة 23% تقريباً في مارس، و19% في ديسمبر، كما خفضت «مايكروسوفت» من أسعار خدمتها السحابية «أزور» بنسبة 32%، خلال الأشهر الأربعة الماضية.

وعموماً تُقدر شركة «غارتنر» للأبحاث أن يصل الإنفاق على خدمات الحوسبة السحابية من «أمازون» وغيرها إلى 13.3 مليار دولار العام الجاري، ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 45% عن عام 2013، لكنه لايزال أقل من 10% من الإنفاق الإجمالي على مراكز الحوسبة للشركات.

وتعد «أمازون» اللاعب الرئيس في هذا المجال، وبلغ إجمالي عائداتها العام الماضي من فئة الأعمال الأخرى، التي تُشكل الخدمات السحابية معظمها 3.9 مليارات دولار بزيادة 56%.

وتُقدر شركة أبحاث «بيرنشتاين» أن «غوغل» جنت العام الماضي نحو 100 مليون دولار نظير محركها للحوسبة «جي سي إي»، كما حققت خدمة «أروز» بضعة ملايين لشركة «مايكروسوفت»، لكن أياً من الشركات الثلاث لم يكشف عن الأرقام الفعلية للأرباح.

ويكمن وراء النمو الكبير وفورات للشركات التي تستعين بخدمات الحوسبة السحابية، ويرى خبراء أن مثل هذه الوفورات تُغري شركات كبيرة باستئجار احتياجاتها عوضاً عن توسعة وزيادة مراكز الحوسبة التابعة لها.

وذكر نحو 87% من المديرين التنفيذيين في التكنولوجيا أنهم يستعينون بخدمات خارجية في مهمة واحدة على الأقل، بحسب استطلاع رأي حديث لشركة «رايت سكيل»، لكن من النادر لشركة كبيرة أن تعتمد أساساً على الخدمات السحابية.

وتُسهِم عروض الأسعار والتخفيضات في منح الشركات خيارات أكثر، إذ قال مؤسس شركة «سكالر»، التي تساعد الشركات على إدارة أعمالها المتعلقة بالحوسبة، سباستيان ستادلي، إن «نماذج حساب الكلفة لم تعد قائمة؛ نظراً لتراجع الأسعار».

كما أفادت شركة «سليكر تكنولوجيز»، التي تُساعد الشركات على حساب تكاليف حاجتها من الحوسبة، بأن عدداً متزايداً من المتعاملين معها في العام الماضي تحولوا من مُزود خدمة إلى آخر، خصوصاً بعد تجديد «غوغل» عروضها.

وفي الوقت نفسه، لا يخلو الاعتماد على الخدمات السحابية من تحديات، على الرغم من أنها أرخص وأكثر موثوقية، خصوصاً للشركات التي يمكنها التنبؤ باحتياجاتها في الحوسبة، ومنها حاجة الشركات لتهيئة العديد من برمجياتها الأقدم لتتلاءم مع أجهزة كمبيوتر شركة أخرى.

يتضاف إلى ذلك رغبة المجالات ذات الدرجة العالية من التنظيم، مثل الرعاية الصحية في الاحتفاظ بالمعلومات الرقمية الحساسة على أجهزتها الخاصة.

وزادت الكشوفات الأخيرة عن برامج تجسس «وكالة الأمن القومي» الأميركية من رغبة الشركات في ضمان أمن بياناتها، بحسب ما يرى مُقدمو الخدمات السحابية والمتعاملون معهم.

الأكثر مشاركة