تستحوذ على 86% من وقت استخدام الهواتف الذكية

الانتشار الواسع للتطبيقات يؤثر في مُستقبل الإنترنت

صورة

تتوافر حالياً مئات الآلاف من التطبيقات لمختلف أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة، ويتوالى تطوير التطبيقات، التي تُعالج مختلف الأغراض من الصحة إلى التعليم والقراءة والألعاب والتربية، وهو ما يختلف جذرياً عن النظام المعتاد في «الويب» منذ بداية استخدام الإنترنت، والمعتمد أساساً على المواقع والروابط التشعبية.

وتتراكم الإحصاءات التي تُؤكد الشعبية المتنامية للتطبيقات واستحواذها على كثير من الوقت الذي خصصه المستخدمون سابقاً لتصفح الإنترنت.

ووفقاً لشركة «فلوري»، المتخصصة في تحليلات تطبيقات المحمول، تنال التطبيقات 86% من وقت استخدام الهواتف الذكية، وتُخصص نسبة 14% منه للويب.

وفي حين قد يبدو ذلك تغييراً طفيفاً ــ وربما إيجابياً ــ يتسق مع تغير الأذواق وتطور التقنيات، يراه الكاتب كريستوفر ميمز، أمراً له تأثيرات أعمق وأبعد من أي شيء آخر في التكنولوجيا في عالم اليوم، نظراً لعملها بطريقة تختلف جذرياً عن الويب، بحسب ما كتب في مقالٍ بعنوان «الويب تموت: التطبيقات تقتلها» في صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية.

ويرى ميمز أن السبب يعود إلى اختلاف نشأة كل منهما، فبينما بدأت الإنترنت كمشروع بحثي ووضعت مشاركة المعلومات كمهمته الأولى، وأجبرت طبيعتها المفتوحة الشركات على التعاون معاً والاتفاق على معايير موحدة، وُلدت متاجر التطبيقات داخل شركات تجارية، يقتصر كل منها على نظام تشغيل واحد، ولا تتكامل بأي صورة مع منافسيها، ما يراه مهدداً للابتكار والتجريب والطبيعة المفتوحة للويب.

وللوهلة الأولى تبدو التطبيقات في مصلحة المستخدمين، نظراً لسرعتها وسهولة استخدامها، لكن وراء هذه الراحة يكمن شيء «شرير» يُنهي عهد من الانفتاح الواسع الذي سمح لشركات الإنترنت بالنمو لتصبح من بين أهم الشركات وأكثرها قوة في القرن الـ21.

ويُمكن النظر إلى مثال عمل البطاقات الائتمانية كأحد الأنشطة الأساسية في مجال التجارة الإلكترونية، فمع نشأة موقع «أمازون» كان عليه دفع بعض المال كرسوم للتحويل، بينما تحصل شركة «أبل» على نسبة 30% من كل عملية بيع تتم في متجر التطبيقات التابع لها «آب ستور».

وبحسب ما ذكر المستثمر في شركة رأس المال المخاطر «آندرسن هورويتز»، كريس ديكسون، فيُمكن لعدد قليل من الشركات في العالم الصمود أمام مثل هذا الاقتطاع.

والأهم من ذلك، أن متاجر التطبيقات، التي يقتصر كل منها على نظام تشغيل محدد، هي أنظمة مغلقة أو ما يُشبه «حدائق مسورة»، يضع كل مالك أو مُدير شركة، مثل شركات «أبل» و«غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت»، وحده قواعد العمل فيها، وهو ما يختلف تماماً عن الأنظمة المفتوحة.

ومثلاً، تمنع «أبل» استخدام العملة الرقمية «بيتكوين»، التي يعتبرها العديد من المتخصصين بتكنولوجيا التطور الثوري الأكبر على الإنترنت منذ تقديم الارتباط التشعبي، كما تمنع الشركة باستمرار التطبيقات التي لا تتفق مع سياستها وذوقها، أو تلك التي تُوفر خدمات تنافس برمجياتها.

ويرى ميمز أن مشكلة استخدام التطبيقات أعمق بكثير من الطرق المركزية للتحكم بها، وتتعلق أساساً بالاختلاف بين نشأتها وبداية الويب، إذ يعود اختراع الإنترنت إلى أكاديميين سعوا فقط إلى مشاركة المعلومات في ما بينهم، واستهدف حينها أن يُسهل على العلماء نشر البيانات التي يجمعونها خلال تأسيس «المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية» المعروفة باسم «سرن».

ولم يعلم مخترعو الإنترنت حينها أنهم يكتبون ميلاد أكبر مُنشئ للثروة ومدمر لها في الوقت نفسه.

ويختلف ذلك عن بداية متاجر التطبيقات، فلم يكن هناك محفز مُبكر لنشأة الإنترنت، وفيما بعد ظهرت هيئات للمعايير على غرار «الأمم المتحدة»، لكنها تختص بلغات البرمجة، وأجبرت طبيعة الويب الشركات، التي سعت كالعادة إلى تدمير منافسيها، على التعاون معاً، والموافقة على تنقيحات للغة المشتركة لصفحات الويب.

ونتج عن ذلك أنه صار بإمكان أي شخص تقريباً إطلاق صفحة أو موقع أو خدمة جديدة على الإنترنت، كما يُمكن لأي شخص آخر الوصول إليها، وبذلك كانت بداية «غوغل» في مرآب للسيارات، كما وُلد «فيس بوك» في غرفة مارك زوكربيرغ في مسكنه الجامعي.

وفي المُقابل، لا تعمل متاجر التطبيقات بالطريقة ذاتها، فتلعب قائمة «أكثر التطبيقات تحميلاً» الدور الأكبر في التأثير في المستهلكين، كما أن البحث في المتاجر كثيراً ما لا يعمل على النحو الصحيح، وبينما تقوم الويب على الروابط، لا يتوافر لدى التطبيقات مُعادل للوظيفة نفسها.

وتحاول كل من «غوغل» و«فيس بوك» حالياً إصلاح هذا الوضع من خلال إنشاء معيار باسم «الربط العميق» Deep Linking، الذي يعني استخدام ارتباط تشعبي يقود إلى جزءٍ محدد من الموقع أو الصفحة، لكن توجد عقبات عدة تحول دون جعل التطبيقات تعمل بطريقة مواقع الإنترنت.

ويُعدّ الهدف الأول وراء كل من الويب والتطبيقات أحد الاختلافات الأساسية في ما بينها، إذ استهدفت الويب كشف المعلومات، ولذلك أعلت من قيمة المشاركة قبل أي شيء، لحد أنها لم تتبنَ طريقة لدفع المال مُقابل الحصول على الأشياء، وهو الأمر الذي يندم عليه الآن بعض مبدعي الإنترنت الأوائل، نظراً لأنه أجبر الويب على كفاحٍ مضن من أجل البقاء اعتماداً على الإعلانات.

ولا يعني ذلك كله مثالية الويب، لكنها دون شك أتاحت مساحة عامة يُمكن للناس تبادل المعلومات والبضائع فيها، كما أجبرت الشركات على بناء تقنيات مُصممة بشكلٍ واضح للتوافق مع تقنيات الشركات المنافسة، فمثلاً على متصفح «إكسبلورر» من شركة «مايكروسوفت» عرض موقع «أبل» بشكل جيد، وإلا سيدفع مستخدميه إلى متصفحات أخرى مثل «فايرفوكس» أو «غوغل كروم» اللذين حققا نجاحاً كبيراً لاحقاً.

واختتم ميمز مقاله باعتقاده أن الإنترنت كانت حدثاً تاريخياً، ومثالاً غير عادي لتكنولوجيا قوية جديدة تحولت بشكل مُباشر تقريباً من بحث يحظى بتمويل عام إلى الجمهور، وأعاقت حركة شركات عملاقة مثل «مايكروسوفت»، وقادت إلى نوع من التغيير تُفضل أغلب شركات التكنولوجيا القوية اليوم تجنبه.

واستطرد في مقاله: «لا يتعلق الأمر بأن ملوك عالم التطبيقات اليوم يرغبون في محاربة الابتكار في حد ذاته، لكن بالتحول إلى عالم تقدم فيه الخدمات عبر التطبيقات بدلاً من الويب، ننتقل إلى نظام يجعل الابتكار والمصادفة والتجريب أكثر صعوبة لأولئك الذين يبنون أشياء تعتمد على الإنترنت، واليوم، هذا هو حال الجميع تقريباً».


التخلي عن الـ «ويب»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/11/2302521.jpg

يدفع ازدهار التطبيقات على الأجهزة المحمولة المتخصصين أصلاً بالويب للتخلي عنها.

وعلى سبيل المثال، جاء مُنتج «غوغل» الجديد للبريد الإلكتروني الذي يحمل اسم «إنبوكس» كتطبيق لنظامي تشغيل «أندرويد» و«آي أو إس»، ولا يعمل على الويب سوى عبر متصفح «كروم».

وتباطأت كثيراً إجراءات الاتفاق على معايير جديدة للويب، بينما تكرس الشركات التي تمتلك متاجر التطبيقات جهودها لجعلها أفضل، وفي الوقت نفسه متعارضة كلياً مع متاجر التطبيقات الخاصة بمنافسيها. وأوضح المستثمر في شركة رأس المال المخاطر «آندرسن هورويتز»، كريس ديكسون، إنه «في العديد من عمليات التقنية، يبدأ أمر ما بالتراجع قليلاً، ومن ثم يتجه العالم إلى تسريع وتيرة التراجع»، مضيفاً: «إذا ما ذهبت إلى أي شركة إنترنت ناشئة أو شركة كبيرة، فإنك ستجد أن لديها فرقاً كبيرة تركز على تطوير تطبيقات أصلية عالية الجودة، وتميل لخفض أولوية إنترنت المحمول في المقابل».

وفي رأي آخر، يرى مراقبون في مجال التكنولوجيا أن صعود شعبية التطبيقات وتزايد الاهتمام بها أمر طبيعي، ومنهم المُحلل المستقل في التقنية والمحمول، بن تومسون، الذي اعتبر هيمنة التطبيقات «حالة طبيعية» للبرمجيات.

من جهته، قال الكاتب كريستوفر ميمز إنه مضطر للاتفاق مع هذا الرأي، إذ إن «تاريخ الحوسبة يتضمن شركات تحاول استغلال قوتها في السوق لإغلاق مُنافسيها، حتى عندما يكون ذلك ضاراً بالابتكار والمستهلك»، وفقاً لتعبيره.

وفي الوقت نفسه، لا تعني الأهمية المتزايدة للتطبيقات نهاية الويب، فلاتزال شركات مثل «غوغل» و«فيس بوك» تعتمد عليها لتقديم قدر كبير ومتدفق من المحتوى لمستخدمي التطبيقات، لكن من الممكن أن يختفي الويب المخصص للوثائق والأخبار.

يشار إلى أن «فيس بوك» كان أعلن تخطيطه استضافة أعمال الناشرين على مخدماته، ما يجرد الويب من الكثير باستثناء حماسة وفضول الهواة.

تويتر