الضواحي لم تتغير بعد 10 سنوات من الأحداث الدامية

الصورة النمطية تلاحق سكان الأحياء الفقيرة في فرنسا

متظاهرون يشعلون النيران في باريس. أرشيفية

تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة لأحداث الضواحي في باريس ومدن أخرى في فرنسا، فقد اندلعت حينها أحداث شغب مأساوية استمرت أسابيع عدة. لكن الوضع في ضواحي المدن الكبرى لم يتغير كثيراً. فالاستطلاعات التي أجريت في مناطق مختلفة من البلاد، تشير إلى ان 79% من الفرنسيين يعتقدون أن سكان الضواحي «فقراء»، والنسبة نفسها ترى «انهم لا يعاملون بشكل مناسب».

نجاح متزايد

اتخذت الحكومة الفرنسية العديد من الإجراءات، وخصصت أموالاً طائلة لإعادة تأهيل الأحياء الشعبية، بعد أعمال الشغب في الضواحي في 2005. وبالفعل فقد لوحظ ان عدداً متزايداً من الشباب في هذه الأحياء، يحقق نجاحاً وينتقل الى الطبقة المتوسطة، إلا أن رد الفعل الأول لدى الذين يحققون النجاح هو الرحيل عن تلك الأحياء. وعلى الرغم من المحاولات والمبادرات في تلك الأحياء لتعزيز الروابط الاجتماعية، إلا أن العزلة عن بقية العالم لاتزال هاجسا يؤرق الكثيرين في الأحياء الفقيرة.

لم تكتمل أشغال الـ«ترامواي» في «كليشي مونتفارماي»، لفك عزلة هذا الحي على أطراف العاصمة الفرنسية، على الرغم من أن المشروع انطلق في 2004، في حين تم إزالة 15% من المباني القديمة في هذه الضاحية، وتم ترحيل سكانها في الحي نفسه.

وترى الباحثة الفرنسية غاييل سليمان، أن صورة الضواحي لم تتغير كثيراً في عيون الفرنسيين، الذين لايزالون يملكون الأفكار النمطية نفسها، أبرزها أن الضواحي «مناطق فقيرة وخطيرة» ويسكنها أشخاص من أصول وثقافات متشابهة، ويتقاسمون طريقة العيش نفسها، وللأسف فإن مثل هذه الأفكار متجذرة في عقول الفرنسيين عموماً، وفقاً للباحثة.

وأظهر استطلاع آخر، أن 62% من الفرنسيين يعتقدون أن سكان الضواحي الشعبية «لا يتصرفون بشكل لائق ولا يحترمون الآخرين». وهذه النسبة ترتفع عند أنصار اليمين، وتنخفض لدى أنصار أحزاب اليسار.

ويرى كثير من الفرنسيين أن الحكومات المتعاقبة، منذ عقود، لم تقم بما فيه الكفاية من أجل تحسين ظروف معيشة سكان هذه الضواحي. فيما يرى مراقبون أن أحزاب اليسار لم تعد تملك أية صدقية لدى سكان الأحياء الشعبية، ولم يتبق إلا القليل من الشبان الذين ينظرون إلى هذه الأحزاب بإيجابية حالياً، مقابل نسبة أكبر قبل خمس سنوات.

يقول مالك حميدي، الذي يسكن في ضاحية باريس منذ 20 عاماً، «لم تتخلص الضواحي الفرنسية من الصورة النمطية ‏التي رسمت عنها، لكونها مناطق فقيرة أو عنيفة، أو ينغلق سكانها ‏ضمن مجموعات ضيقة»، فيما يبقى فشل سياسة الاندماج، وتنامي التطرف الديني، ‏من أكبر المشكلات التي تعرقل تحسن وضع الفرنسيين من أصول ‏مهاجرة. ويبدو أن فشل الحكومات الفرنسية في تحسين وضع سكان الضواحي، يخدم كثيراً مصلحة اليمين المتطرف، الذي تتزعمه مارين لوبان، والدليل أن نسبة مهمة من سكان هذه الضواحي، يعتقدون بأن حزب الجبهة الوطنية المتطرف قادر على تغيير الأوضاع وتحسينها. يذكر أن اليمين المتطرف أصبح يغازل الضواحي بعدما أدار لها ظهره عقوداً عدة.

أمّا الباحث الاجتماعي، فيليب مونيون، فيرى أن السلطات الفرنسية اعتمدت «إجراءات عدة لتجفيف ‏منابع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في الضواحي»، خصوصاً خلال حكم الرئيس السابق نيوكولا ساركوزي، الذي أعطى فرصة لأبناء الضواحي ‏للدخول إلى المدارس العليا كمعهد العلوم السياسية، ورغم أن هذه ‏السياسة عرضت الحكومة لجملة من الانتقادات، إلا أنها أثمرت ‏نتائج إيجابية، فقد تمكن بعض الأقليات من الوصول إلى مناصب ‏مهمة.

ومازال سكان في باريس وليون وغيرهما من المدن الفرنسية، يشتكون ما أسموه «تمييز عنصري في المدارس»؛ إذ لا يتمكن أبناء الأسر الفقيرة من الاستمرار في الدراسة، وعادة ما يتوقفون عن التعليم في المرحلة الثانوية أو قبلها، وهكذا يصبح الكثير من الشباب مهمشين أو فاشلين.

تويتر