يتعرضن للاعتداء الجسدي ويُحـرمن من رواتبـهن تحت طائلة التهديد والطرد

عاملات مُســتعبدات في منازل بــريطانية

الخادمات المهاجرات يُعامَلن باعتبارهن أقل من الكائنات البشرية. غيتي

كانت الساعة الواحدة صباحاً، والجو ماطر، عندما قامت ربة عمل فرانسيس بطردها من العمل ورميها في الشارع «لشدة غضبها» منها، لأنها «طلبت إجازة ليوم واحد»، وقالت فرانسيس بهدوء «يجب علي المغادرة حالاً»، وربة عملي ألقت بكل أمتعتي في الشارع، ولكنها احتفظت بجواز سفري وبطاقتي المصرفية، اضافة الى بطاقة التأمين الاجتماعي».

وتبدو فرانسيس خجولة الى حد كبير، وهي امرأة شابة ونحيلة جداً، جاءت الى المملكة المتحدة قادمة من افريقيا للعمل في المنازل، وكان المترجم يركز سمعه بسبب صوتها المنخفض خلال شرحها الأسباب التي تجعلها «مرعوبة» وتحجم عن الذهاب الى الشرطة.

رعب

تقول «أبلغتني ربة عملي بأنني لو قلت أي شيء للشرطة فإنها ستبلغهم بأني اضرب الأطفال، ولذلك شعرت بالخوف الشديد ولا أدري ما الذي يمكن أن أفعله».

وتعمل فرانسيس من الساعة السابعة صباحاً حتى الواحدة صباحاً من اليوم التالي، وسبعة أيام في الأسبوع لقاء اجر قدره 250 جنيهاً إسترلينياً في الشهر، وتحتاج فرانسيس بشدة إلى هذا المال من اجل تعليم شقيقها في وطنها. ونظراً لشعورها بالذعر والوحدة فإن كل ما استطاعت القيام به اثر طردها الى الشارع، الانتظار حتى تغير ربة عملها رأيها وتسمح لها بالدخول إلى المنزل من جديد.

ويقول دعاة حقوق عمال المنازل إن قصة فرانسيس ليست استثنائية، إذ يصل الى المملكة المتحدة مئات من النسوة سنوياً للعمل في تنظيف المنازل والطبخ والعناية بالأطفال، وينتهي بهن المطاف بتحولهن إلى «عبيد حقيقيين».

وتقول الفتاة «ماليا» التي تم تهريبها من السودان الى المملكة المتحدة «أنا عبدة بكل معنى الكلمة»، وترفض العائلة الثرية التي تعمل لديها «ماليا» السماح لها بمغادرة المنزل، كما انهم لا يدفعون لها أي أجر. ونظراً لتعطشها إلى الفرار فقد وثقت بعابر سبيل ليقدم لها المساعدة للنجاة.

وكانت قصة العاملة المنزلية «مندي نازي» قد ألهمت القناة الرابعة الإنجليزية إنتاج فيلم عُرض قبل شهرين

تعذيب

تعتبر جمعية «كاليان»، ومقرها لندن، الوحيدة من نوعها التي تتعامل مع قضايا عمال المنازل المهاجرين، وسجلت عام ،2009 356 عاملاً.

وتقول الجمعية إنه من المستحيل إعطاء رقم محدد لهذه المشكلة، إذ إن نحو 59٪ من العاملات اللواتي سجلتهن الجمعية في العام الماضي، لم يسمح لهن بمغادرة المنازل التي يعملن فيها، والعديد منهن لا يتمتعن بأي خصوصية في حياتهن.

وقالت 57٪ منهن انه ليست لديهن غرفة خاصة بهن، ويتوجب عليهن النوم في غرف الأطفال الذين يعتنين بهم، أو على الأريكة او على الأرض.

وكان ما قالته 17٪ منهن مثيراً للصدمة، حيث ذكرن انهن تعرضن للاعتداء الجسدي، وأكدت 58٪ منهن انه جرى الاحتفاظ بجوازات سفرهن من قبل رب العمل، الأمر الذي جعل حياتهن رهناً بالخوف المستمر من الاعتقال من قبل الشرطة من دون حصولهن على الأوراق الثبوتية التي تؤكد انهن دخلن المملكة المتحدة بصورة شرعية.

وقال أكثر من نصف العاملات المنزليات اللواتي تم تسجيلهن من قبل الجمعية الخيرية، انهن لم يحصلن على اية عطلة من العمل مطلقاً.

وفي بداية العام الجاري، قالت احدى العاملات في المنازل، وتدعى يويو بيني سليم اودين، ان العائلة الثرية التي تعمل لديها عملت على تفتيشها بمهانة وصفعها وتهديد عائلتها.

وأكدت أودين أمام محكمة التوظيف أنها حاولت الانتحار عن طريق شرب مادة كيمياوية بعد اتهامها بالسرقة.

وأضافت في التصريح الذي كتبته وقدمته إلى المحكمة «شعرت بأني معزولة بصورة كبيرة، ولم يكن لدي احد من عائلتي لمساعدتي فشربت مادة الأسيد كي أموت»، ولكن العائلة انكرت كل ادعاءات أودين.

ولم يتم صدور حكم المحكمة في هذه القضية حتى الآن، ولكن جيني موس، وهي محامية في جمعية «كاليان»، تقول إن العمال المنزليين تعرضوا لسوء المعاملة كثيراً.

وأضافت أن ارباب العمل ارتكبوا أعمالاً بحق العاملين في المنازل ترقى الى التعذيب، وليس امرا غير عادي ان يسمع المرء عن حالات تعرض فيها عمال المنازل الى المهانة، اوتم حبسهم في غرف او وضعت السكاكين على اعناقهم.

وأكدت أن الأمر السائد بين معظم هؤلاء العاملين المنزليين هو الساعات الطويلة من العمل من دون عطلة، ومن دون الحصول على اجر بصورة مطلقة، ومصادرة جوازات السفر واللجوء الى التهديدات او الكذب لإبقائهم تحت السيطرة النفسية.

وبات عمال المنازل المهاجرون في وضع هش وفريد من نوعه.

عزلة

تقول موس إنه «نظراً إلى ابتعاد النسوة العاملات عدة آلاف من الأميال عن اوطانهن فإنهن يعتمدن على رب العمل من اجل الحصول على المأوى والعمل ووضع اقاماتهن في البلد، ونظراً الى انهن يعيشن حالة من العزلة في بيوت خاصة، فإنهن لا يلتقين مع احد»، وهن غالباً من بيئات فقيرة وغير متعلمات ويخشين رجال الشرطة.

وأوضحت أن العديد منهن لا يستطعن مغادرة المنزل الذي يعملن فيه لأنه قيل لهن «إن الشرطة ستضعهن في السجن وتغتصبهن».

وتعتبر سارة (اسم غير حقيقي)مثالاً آخر لعاملة المنازل، وهي في الثلاثينات من العمر، من بيئة فقيرة في اندونيسيا. وهي مطلقة وأمضت معظم سنوات عمرها عاملة في المنازل في ما وراء البحار، كي تنفق على ابنتها التي اصحبت في عامها الـ13 حالياً.

وفي عام 2008 حصلت سارة على عرض عمل لدى عائلة دبلوماسية في المملكة المتحدة، وأكدت انها وعدت بالحصول على راتب قدره 1000 دولار شهرياً، وهو امر أسعدها حقا لأنه «يتعين علي الإنفاق على ابنتي التي اصبحت في المدرسة الآن».

ولكن عندما وصلت سارة الى المملكة المتحدة اكتشفت انه يتعين عليها العمل من الساعة 30:7 صباحاً حتى 30:11 ليلاً، ولا يسمح لها بمغادرة المنزل بتاتاً لكونه مراقباً بالكاميرات.

لقمة عيش بثمن باهظ

«آنا»، فلبينية في الـ40 من عمرها، غادرت بلادها تاركة عائلتها وأطفالها. وهي تؤكد أن الابتعاد عن العائلة من اجل راتب غير مجزٍ يعد ظلماً. وتقول: «تعتبر رعاية الأطفال عملاً مهماً وتضحية كبيرة، إذ إن المرء لا يعيش مع اطفاله اثناء مراحلهم العمرية»، وعندما عدت الى الوطن طلبت من ابنتي ان تقلي البيض فلم تعرف لأني لم اكن اعرف انها تأكل البيض مسلوقاً، وتضيف «على الرغم من اني أمّهم الا اني اشعر بأني غريبة عنهم». ولكنها قررت السفر لأنها يائسة من تأمين حياة أفضل لأطفالها، ووصلت «آنا» الى المملكة المتحدة قادمة من هونغ كونغ مع الأسرة التي كانت تعمل لديها. وتم الاتفاق على منحها راتباً قدره 700 جنيه في الشهر، ولكن بعد استقطاع الضمان الاجتماعي وأجرة السكن يبقى الراتب 300 جنيه حسبما تقول «آنا». وكانت تعمل من الساعة30:6 صباحاً حتى 10 ليلاً، ولمدة ستة ايام في الأسبوع. وكانت تدفع ايضا للوكالة التي أمّنت لها هذا العمل في هونغ كونغ، وتحملت كل هذا الوضع لمدة ثمانية اشهر. ولكنها في نهاية المطاف هربت من البيت الذي تعمل فيه وهي الآن في مركز «العدل من أجل العمال المنزليين» غير الرسمي.

وقالت: «شعرت بالغضب وسألت بعض الأصدقاء اذا كان بإمكاني المغادرة ولكنهم قالوا لي ان ذلك غير ممكن، وشعرت بالخوف، فهناك حراس على الباب وكنت اشعر بالخوف منهم».

وأضافت انها كانت تحصل في واقع الأمر على راتب يبلغ 75 جنيهاً إسترلينياً في الشهر، ولم يساعدها احد على ارسال المال الى وطنها. وعندما اكتشفت ان رب عملها يخطط للانتقال الى خارج المملكة المتحدة وسيأخذها معه، هربت من دون جواز سفرها الذي كان رب عملها يحتفظ به.

قوانين مجحفة

تنظر ايميلي غيبز، وهي محامية من مركز كينغستون الشمالي، في 40 قضية تتعلق بعاملات المنازل المهاجرات، واساءة معاملة الموظفات، وقالت إن بعض النساء لم يحصلن على مال مطلقاً خلال عملهن. وفي حالة سارة لم يكن من المحتمل ان تحصل على أي أجر.

وطالبت جمعية كاليان بالحصول على هويتها من أرباب عملها، لتكتشف انه تم ادخالها الى الدولة عن طريق تأشيرة عاملة منزلية دبلوماسية، الأمر الذي يحظر عليها تغيير رب عملها، وبالنظر الى الحصانة الدبلوماسية التي يحظى بها رب عملها فمن الصعب جداً جلبه امام المحكمة.

وأضافت غيبز انه يجب ان يسمح للنساء امثال سارة بتغيير رب العمل، وتقوم «كاليان» بحملة تهدف الى منح عمال المنازل فرصة العمل في مكان اخر.

وعلى الرغم من أن مشكلة العاملات في المنازل قد تكون شائعة عالمياً إلا أن ما يجري من ظلم لهؤلاء الناس في بريطانيا يتم على ايدي أناس بريطانيين. وطبقاً لما ذكرته روزي كوكس، التي ألّفت كتاباً بعنوان «مشكلة الخدم»، فإنه يوجد من الخدم في بريطانيا اكثر مما كان عليه الحال خلال العصر الفيكتوري، نظراً لنمو عمل رعاية الأطفال والتكاليف المنخفضة للعمال المنزليين.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع في العدد الا ان اوضاع النسوة العاملات في المنازل لم يتحسن بتاتاً، وقالت كوكس في كتابها «تتم معاملة النساء العاملات في المنازل باعتبارهن اقل من الكائنات البشرية».

وتقوم جمعية «مناهضة الاستعباد البريطانية» بحملة من اجل عقد مؤتمر يهدف الى تأسيس منظمة عمل دولية تعترف بعمل العاملين المنزليين من المهاجرين، وتحمي حقوقهم أسوة ببقية العمال.

تويتر