ترسم لوحات تجسد معاناتهم وتوصلها إليهم برفقة ذويهم

رسامة الأسرى الفلسطينيين.. فنانة مغربية اعتقلت إسرائيل زوجها

صورة

ما إن يسدل الليل ستاره تدور عجلة الحياة ثقيلة على الرسامة المغربية إلهام المغيث، فتتزاحم الذكريات شوقاً لزوجها الأسير، فلا تجد سبيلاً لتعبر عن حالتها تلك إلا أن تمسك بألوانها وريشتها لتجسد قصتها، ومأساة الآلاف من أمهات الأسرى الفلسطينيين، وزوجاتهم.

فعلى لوحة لا يتعدى طولها متراً واحداً، تخط أوجاعاً تتجاوز سنين العمر، وترسم أدق التفاصيل وإن كانت بسيطة، فشوق طفلها محمود لأبيه محمود نزال يظهر من خلال صورة له على ظهر أبيه، أما السنوات الطوال التي قضاها الأسير إبراهيم بدرساوي منذ عام 1998 فقد جسدتها بريشتها من خلال الشيب الذي كسا رأسه، والتجاعيد التي تشكلت على وجهه.

إلهام المغيث مغربية تنحدر أصولها من مدينة وجدة شمال المغرب، تزوجت الأسير الفلسطيني محمد نزال، من بلدة قباطية شمال مدينة جنين في الضفة الغربية، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال بعد 22 يوماً من زواجهما في الأردن، ولها حكاية خاصة مع فن الرسم، فريشتها منذ أن أسرت إسرائيل زوجها لا ترسم إلا معاناة الأسرى، وشوق أمهاتهم وزوجاتهم، والأوجاع التي تسكن قلوبهن.

تفاصيل الحكاية

«الإمارات اليوم» التقت الفنانة المغربية عبر الهاتف من مكان إقامتها في مدينة باريس، للتعرف إلى تفاصيل حكايتها، ورحلتها الطويلة مع الفن الذي سخرته لنصرة الشعب الفلسطيني وقضيته، حيث تقيم في العاصمة الفرنسية منذ أن كانت طالبة في المرحلة الجامعية، إذ تعمل كاتبة عدل، ومترجمة للغتين العربية والفرنسية في بلدية المدينة.

زواج الفنانة المغربية بالأسير الفلسطيني محمد نزال (34 عاماً) له حكاية خاصة مرتبطة بموهبتها في الرسم، إذ تقول: «كنت أرسم شهداء فلسطين، وأنشر الرسوم مع مقالات باللغتين العربية والفرنسية على شبكة الإنترنت، فرسمت في عام 2010 لوحة للشهيد محمود نجيب نزال، وتأثرت جداً بسيرته، وهو من أطلق عليه لقب (قمر الشهداء) لجماله وجمال أخلاقه، وبعد فترة وجدت أحدهم يراسلني على البريد الإلكتروني، وكان محمد شقيق الشهيد، وقد تعرفنا إلى بعضنا، وكان ذلك أول الحب والخطوبة والزواج».

وعن اختيارها لشريك حياتها فلسطيني الجنسية، تقول رسامة الأسرى: «أنا لم أختر الجنسية، بل اخترت الرجل، وما كنت لأختار من هو أفضل من محمد رجلاً وحبيباً وزوجاً، وشاء الله أن يكون فلسطينياً، فيزيد في قلبي رفعة، وأرى فلسطين في زوجي، وفي روعة تفاصيله».

بعد مرور خمس سنوات على معرفة إلهام وزوجها، التقيا في العاصمة الأردنية عمّان، وتزوجا بتاريخ 18 ديسمبر 2015، وبعد مضي 22 يوماً من الزفاف، عادت إلهام إلى عملها في باريس على أمل أن يلتحق بها محمد بعد إتمام الأوراق المطلوبة للسفر، إلا أن قوات الاحتلال اعتقلته خلال تنقله عبر معبر الكرامة الفلسطيني المؤدي إلى الأردن، وحكمته 20 شهراً بتاريخ 27 يناير 2016، ونقل حينها إلى سجن مجدو، فيما يقبع حالياً في سجن النقب.

وتقول الرسامة المغربية: «انقضى شهر كامل بأيامه الطويلة دون أن أتلقى اتصالاً من زوجي، ولا أعرف ما هو مصيره، وبعد اتصالات مكثفة أخبرتني شقيقته بخبر اعتقاله، وكان بمثابة الصدمة التي قتلت الفرحة في قلبي».

وتضيف: «لكنني لم أيأس، ومازلت أنتظر عودته، فمحمد هو من تعلمت منه معاني الصبر والتضحية، وقد رزقني الله بطفلنا وأسميته محمود على اسم عمه الشهيد، ومن هنا قررت أن أكرس موهبتي في الرسم لنصرة زوجي الأسير ورفاقه الأسرى داخل سجون الاحتلال، من خلال لوحات أبرز فيها معاني صمودهم، وأجسد فيها معاناتهم اليومية».

اللوحة الأولى

وكانت أول لوحة رسمتها إلهام عن الأسرى الفلسطينيين لزوجها محمد، حيث عبرت عن كل ما تشعر به في لوعتها وشوقها إليه، كما رسمت العديد من اللوحات للأسيرة المحررة منى أبوبكر وزوجها بسام السايح، ورسومات للأسرى ثامر سباعنة، ومروان البرغوثي، وأحمد سعدات، كما كتبت بجانب كل صورة تاريخ اعتقال كل أسير، ونبذة عن معاناته داخل السجن.

وعن شعور زوجها محمد وردود فعله عن لوحاتها التي تجسد فيها قضية الأسرى، قالت إلهام: «إن محمد فخور بما أفعله، لاسيما أنني نذرت ما أنجزه صدقة جارية لوجه الله بنية الإفراج عنه، وعن كل أسرى فلسطين».

وكان الأسير محمد زوج الفنانة المغربية يساعدها أثناء رسمها للوحات المختلفة، خصوصاً تلك التي كانت تجسد قضية فلسطين وشعبها، حيث تقول: «كنت أرسم قبل أن أتعرف إلى محمد، ولكنه شجعني، ووجهني بطريقة صقلت موهبتي، وأعطتها أبعاداً أوضح، فقد كان يناديني يومياً فنانتي، ويسألني ماذا رسمتي اليوم، وهذا كان يجعلني أشعر بأن كل لوحة أرسمها هي صفحة في تاريخ البشرية، وكأنه لا يوجد ما هو أهم من رسوماتي».

وبين الحين والآخر، تبحث إلهام عن أحد لترسل معه صورة جديدة لطفلها الصغير، يوصلها لوالده الأسير، تظهر كيف تغيرت ملامحه، وكيف ازداد طول شعره، لكنها في الوقت ذاته تعجز عن نقل الحروف الأولى التي سينطق بها الطفل إليه، وحركاته، ومشاكساته الكثيرة لأمه.

رسامة الأسرى وذويهم

وعن اختيارها للوحات التي ترسمها، تقول زوجة الأسير الفلسطيني: «إن أهالي الاسرى يرسلون لي طلبات الرسم لأسراهم، فأرسم الأسير مع أولاده وزوجته، لتصبح لهم صورة جامعة، وبعد الانتهاء منها أرسلها لهم، فيطبعونها ويرسلونها إلى ذويهم خلف القضبان».

تويتر