يمارس أشد أنواع التعذيب ولم تعترف تل أبيب بوجوده إلا بعد ضغوط

«المرفق 1391» معتقل سري إسرائيلي سيئ السمعة

صورة

ظلت إسرائيل منذ سنوات عدة تدير مركز احتجاز سرياً يعرف باسم «المرفق 1391»، أو «غوانتنامو إسرائيل»، حيث يتم احتجاز عدد من المتهمين في ظروف غامضة، وبعد أن قدمت المنظمة غير الحكومية «هموكيد» عدداً من الالتماسات المتعلقة بالاختفاء القسري للفلسطينيين، اضطر مكتب المدعي العام للاعتراف أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بوجود سجن سري.

قبل ذلك عمدت جهات متنفذة في إسرائيل الى مسح هذا المعتقل من على الخرائط والصور الجوية، إلا أن المعتقل 1391 يظل موجوداً بالتأكيد على أرض الواقع، عليك فقط أن تسأل الفلسطينيين واللبنانيين الذين اعتقلوا وعُذبوا هناك.

ويطرح الرجال الذين يُجلبون إلى المعتقل معصوبي الأعين السؤال نفسه تقريباً، عندما يتم رفع العصابة عن أعينهم: «أين أنا؟»، ويأتيهم صوت من خلال شق ضيق في الباب الصلب: «أنت في هونولولو»، كما حدث لسمير جادالله، أو أنت «في غواصة»، أو «أنت خارج حدود إسرائيل»، كما سمع عرب بدر، أو «أنت على سطح القمر»، كما قيل لسمير جادالله. ولم يكن أي منهم يتخيل في ذلك الوقت هذا المكان الذي تم نقله اليه، ولم يكن أحد يعرف عنه شيئاً سوى قليل من مسؤولي المؤسسة السياسية والأمنية.

يقول سمير جادالله، وهو سائق حافلة مدرسية فلسطينية: «كنت حافي القدمين مرتدياً بيجامتي عندما اعتقلوني، وكان الجو بارداً حقاً هناك». ويواصل: «عندما وصلت إلى ذلك المكان أمروني بخلع ملابسي، وأعطوني زياً أزرق اللون، ثم أعطوني كيساً أسود، وقالوا لي: هذا هو كيسك، عليك أن تبقيه معك، وفي أي وقت يأتي شخص إلى زنزانتك يجب أن تضعه على رأسك، وفي أي وقت يقدمون لك الطعام يجب أن تضعه أيضاً على رأسك، يجب ألا ترى وجوه الجنود مطلقاً، وإذا فعلت خلاف ذلك أو نزعته عن رأسك دون أوامرنا فسترى ما سيحدث لك». ويسترسل: «كثيراً ما اعتقدت أنني سأموت في ذلك المكان ولن يعرف أحد عني شيئاً أبداً».

حاولت الحكومة الإسرائيلية بشتى الطرق إخفاء مكان ما يسمى «المرفق 1391»، فقامت بمحوه من الصور الجوية الإسرائيلية وشطبه من الخرائط الحديثة، وكان يوجد على الخريطة بالقرب من هذا المكان مركز شرطة، لكنه الآن مساحة فارغة، حتى الطريق المؤدية إليه تم محوها تماماً، إلا أن هذا السجن الاسرائيلي السري، الذي يقع داخل قاعدة استخبارات للجيش على مقربة من الطريق الرئيس بين الخضيرة والعفولة في شمال إسرائيل، حقيقي بما فيه الكفاية، وتم تشييده داخل مبنى كبير مكون من طابق واحد، صممه المهندس البريطاني تشارلز تاغارت خلال ثلاثينات القرن الماضي، باعتباره واحداً من سلسلة حصون الحامية التي تهدف لاحتواء الاضطرابات المتزايدة في فلسطين. وحتى اليوم فإن الجدران الخرسانية السميكة والبوابات الحديدية هي نفسها، لكنه الآن محمي بسياج مزدوج وتحرسه أبراج مراقبة، ودوريات من الكلاب.

وكان هذا المعتقل يحتجز لبنانيين اختطفهم الجيش الإسرائيلي رهائن، ومنشقين عراقيين، وضباط مخابرات سوريين هربوا من النظام الحاكم، إلا ان إسرائيل اتهمتهم بالتجسس لمصلحة النظام السوري، ففضلوا البقاء في المعتقل بدلاً من العودة الى ديارهم، ومواجهة فرقة الإعدام. وفي الآونة الأخيرة تم احتجاز عشرات الفلسطينيين في هذا المعتقل للاستجواب، الأمر الذي أدى في النهاية إلى الكشف العرضي تقريباً للسجن الذي تدعي إسرائيل أنه غير موجود.

الذين كانوا بين جدرانه يعرفون تماماً أنه ليس وهماً، أحد السجناء السابقين قدم دعوى قضائية زاعماً أنه تعرض للاغتصاب مرتين: مرة من قبل رجل، ومرة أخرى بعصا أثناء الاستجواب، إلا أن معظم المفرج عنهم يقولون إن التعذيب الحقيقي هو الأثر النفسي للاعتقال الانفرادي في الخلايا القذرة والسوداء سيئة الإضاءة، بحيث يكاد يستطيع المعتقل أن يرى يده، ودون أن تكون له أدنى فكرة في أي مكان هو، أو في كثير من الحالات لماذا هو هناك.

يقول أحد محامي حقوق الإنسان الذي ساعد على فضح وجود السجن: «استنتاجنا الرئيس هو أن هذا المعتقل موجود من أجل التعذيب، بل نوع معين من التعذيب الذي يخلق حالة متقدمة من الرهبة والاعتمادية والضعف».

وعلى النقيض من أي سجن إسرائيلي آخر، رفضت سلطاته دخول الصليب الأحمر الدولي والمحامين وأعضاء البرلمان الإسرائيلي. وترفض الحكومة الإسرائيلية مناقشة السجن السري، لكنها تصدر رداً واحداً «مرفق 1391 يقع داخل قاعدة عسكرية سرية، وتستخدمه الأجهزة الأمنية لمختلف الأغراض ولأنشطة مصنفة، وبالتالي يبقى موقعه سرياً».

تم اعتقال سمير جادالله من منزله بنابلس، وخلال ثلاثة أيام تنقل الفلسطيني البالغ من العمر 33 عاماً من زنزانة إلى أخرى، وفي اليوم الرابع كان معصوب العينين مكبل اليدين والقدمين، ووضع أحدهم نظارات سوداء مظلمة على عينيه، ثم تم دفعه إلى سيارة وكان مغطى ببطانية.

ويقدر جادالله أن السيارة ظلت منطلقة مدة ساعة تقريباً. يقول «أخرجونا واحداً تلو الآخر، فقد كنت أعرف أن هناك اثنين من السجناء الآخرين في السيارة من صوت السلاسل»، ويمضي قائلاً «كنت معصوب العينين حتى عندما أخذوني إلى الزنزانة، وكان هناك شق صغير في الباب، لم يكن يتسع حتى لدفع سيجارة الى الخارج، وخاطبنا صوت بلهجة آمرة: انزعوا العصابات عن وجوهكم، ولكن في أي وقت أدخل عليكم يجب أن تضعوا أيديكم على الحائط».

وكان عرب بدر، وهو محاسب يبلغ من العمر 38 عاماً، وأب لطفلين، يتنقل في تلك الزنازين أيضاً، على الرغم من عدم وجود اتصال بين الرجلين، كما أنه كان محتجزاً في نابلس، رغم اقتناعه بأنه ليس لديه ما يخفيه، «كنت محتجزاً مثل الفأر الأعمى، ولا أرى النور باستثناء الساعات التي استجوبني فيها عميل استخباراتي».

وكتب في إقرار مشفوع باليمين: «كانت جدران الزنزانة مطلية باللون الأسود، ولم أكن أرى السقف عندما أنظر إلى أعلى، بل الظلام فقط، ولم يكن هناك ضوء سوى شمعة تم إدخالها إلى الزنزانة بطريقة غريبة».

كان السرير عبارة عن مرتبة رقيقة رطبة على لوح خرساني يرتفع بضع بوصات فوق سطح الأرض، وكان المرحاض مجرد دلو يتم إفراغه كل بضعة أيام. ماء الشرب يأتي داخل الخلية من خلال حفرة في الجدار، ويسيطر عليها الحرس. يقول بدر: «في اليوم التاسع من إقامتي في الزنزانة المليئة بالرائحة الكريهة كان من المفترض أن يأتي أحد الجنود ليأخذني إلى مكان آخر، لكنه عندما جاء اندفع الى الخارج وكاد يتقيأ بسبب الروائح الكريهة»، ويمضي قائلاً: «أمضيت أياماً عدة في زنزانة الحبس الانفرادي، وفي أماكن أخرى مثلها، وساعة بعد ساعة كنت أتحدث مع نفسي وأشعر بأنني صرت مجنوناً، أو أجد نفسي في بعض الأحيان أضحك من نفسي».

حاول سمير معرفة سبب اعتقاله: «سألت المحقق: لماذا أنا هنا؟ ماذا تريد مني؟ وعندما سألتهم أين أنا، قالوا لي إنني في هونولولو، ولم أسألهم مرة أخرى».

وفي وقت لاحق أدرك سمير أنه كان هناك لإجبار شقيقه محمد وابن عمه بشار على الاعتراف، وأن هذا الاعتقال هو جزء من لعبة نفسية متطورة للضغط على أخيه للاعتراف، وقد وقّع محمد جادالله، الذي لايزال سجيناً، إقراراً مشفوعاً باليمين بأنه تعرض للتعذيب للإدلاء بالاعتراف، ويقول إنه تعرض للضرب أثناء استجوابه الأولي في سجن اعتيادي، ثم تم نقله إلى «1391».

يقول سمير: «تركوني في الزنزانة الانفرادية نحو 67 يوماً، وواصلوا تعذيبي خلال هذه الفترة، لكنهم استخدموا أسلوباً مختلفاً، لم يدعوني أنام أكثر من ساعتين في اليوم، وحينما أشعر بالنعاس كانوا يوقظونني بأصوات عالية أو برشي بالماء، ونتيجة لهذا الأسلوب من التعذيب استطاعوا إجباري على الاعتراف كذباً بعدد من الجرائم». وجلب المحققون الأخوين مع بعضهما ليعرف محمد أن سمير سيدفع الثمن إن لم يعترف هو، يقول محمد: «أخذوا أخي وابن عمي للمعتقل السري وجعلوني أشاهدهما وهما يبكيان، وقال لي المحقق إنهما سيحاكمان بسببك».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

تويتر