بعد أن كان الاختيار يتم خلف الأبواب المغلقة

الأمم المتحدة تتبنّى وسائل ديمقراطية لاختيار الأمين العام التــالي

صورة

يجري انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة، على مدى سبعة عقود، من خلال عملية غامضة خلف الأبواب المغلقة، تماماً مثل اختيار البابا في الفاتيكان. إلا أنه اعتباراً من هذا العام، يستطيع الطامحون لهذا المنصب عرض برامجهم علناً، والاجابة عن أسئلة المجتمعين في قاعة الجمعية العامة بمبنى الأمم المتحدة. وتجيء هذه الترتيبات الجديدة كجزء من محاولة لجعل هذه المنظمة الضخمة أكثر ديمقراطية، وفي متناول يد من يرى في نفسه الكفاءة لشغل هذا المنصب الدولي المهم.

قيود الأمم المتحدة

يبدو أن العديد من المسؤولين والدبلوماسيين بالأمم المتحدة على علم بشكل متزايد بأن هذه المؤسسة العالمية تتمسك بطرقها البالية على مسؤوليتها الخاصة، كمن يسعى إلى حتفه بإرادته. فقد كانت القاعات في رئاسة الأمم المتحدة ووكالاتها الأخرى تضج بمناقشات وجدل مستفيض بسبب ما ذكرته المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي، سارة بالين، التي أشادت باختيار بريطانيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ووصفته بأنه أمر «أقرب إلى إعلان استقلالنا»، وأضافت: «نأمل أن نرى في المرة التالية الانعتاق من قيود الأمم المتحدة».

ولكن آخرين يصرون على أن هناك تأييداً عالمياً لإيجاد سبل جديدة لجعل الأمم المتحدة تتمتع بنفوذ أكبر، لتتولى عملها بشأن القضايا العالمية الأقرب إلى البشرية، مثل التنمية وتغير المناخ، وتهتم بالسكان المشردين.

ويقول المنسق التنفيذي للبرنامج الطوعي للأمم المتحدة، ومقره في بون بألمانيا، ريتشارد ديكتس: «أرى كل يوم أن مزيداً من الناس في كل جزء من العالم، يرغبون في التواصل مع أنشطة الأمم المتحدة، والانخراط في القضايا التي تتناولها». وتشرف المنظمة على 7000 متطوع منتشرين في أكثر من 30 وكالة، لكنها تدرس ما يطلق عليه ديكتس «مطالب شعبية للتواصل مع عالمنا، ومع شركائنا في الأمم المتحدة»، من خلال النمو السريع للبرنامج الجديد «المتطوعون عبر الإنترنت».

«هذه الترتيبات الجديدة عبارة عن نهج ثوري رائع لانتخاب الأمين العام»، كما يقول خبير العلاقات الدولية في جامعة كولومبيا، إدوارد لاك، الذي ارتبط بشكل وثيق بسياسات الأمم المتحدة لأكثر من ثلاثة عقود، ويضيف قائلاً: «إنه تغير تاريخي لم أكن أتوقع حدوثه قبل عام من ذلك».

الأمم المتحدة، التي تأسست على أنقاض الحرب العالمية الثانية، التي تهدف إلى حل النزاعات في العالم، وتعزيز الرخاء العالمي، غشيتها هي أيضاً رياح التغيير العالمي، وهي مطالبة بالالتزام بالمساءلة، لأن نفوذها يؤثر في غيرها من مؤسسات الحكم الجماعي، بدءاً من الاتحاد الأوروبي وانتهاءً بواشنطن.

واستجابة لذلك فإن هذه المؤسسة العالمية، التي تعرف في بعض الأحيان بأنها «حكومة عالمية»، والتي كثيراً ما تتعرض للانتقاد - حتى من قبل أنصارها ـ بوصفها بيروقراطية ابتعدت عن هموم الناس، بدأت في اتخاذ خطوات للانفتاح وتبني نوع جديد من الوعي. وعملية انتخاب الأمين العام، التي ستحظى بمشاركة عالمية للمرة الأولى، هي مجرد مثال واحد على ذلك. فقد شارك الملايين من الناس، العام الماضي، في عملية دفعت إلى الأمام أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، وتتمثل في برنامج متطوعي الأمم المتحدة، الذي يدعم السلام والإغاثة ومبادرات التنمية من خلال وسائل الاعلام الاجتماعية في جميع انحاء العالم، ويعمل هذا البرنامج من خلال المكاتب القطرية للبرنامج الانمائي، الذي يرسل المتطوعين، ويعزز فكرة العمل التطوعي، وهو أيضاً نوع من فيلق السلام على الإنترنت، الآخذ في التوسع.

ويقول الدكتور لاك إن «هناك توقعات الآن بأن الحوكمة وصنع القرار السياسي يجب أن تتم علناً وبشفافية»، ويضيف «نرفض تماماً فكرة أن تجتمع بعض النخب في أحد الأركان لتتخذ جميع القرارات بمفردها، الآن قد تغير الوضع».

انتخاب السكرتير العام للأمم المتحدة هو مثال واحد فقط للقرارات التي تتم وراء الأبواب المغلقة، الا أن عملية الاختيار من وراء الكواليس تتناقض الآن مع عالم يشهد مزيداً من الديمقراطية والمشاركة الشعبية، والمطالبة بالشفافية. ويعتبر شاغل المنصب الحالي، بان كي مون، هو مجرد ثامن شخص يشغل هذا المنصب بهذه الطريقة منذ عام 1945.

مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً، وتقوده الدول الخمس دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا العظمى، فرنسا) يعمل وفقاً لتقاليد بالية أكثر من مراعاته لحكم القانون أو السياسة. ويتساوم حتى الآن على قائمة غير رسمية من المرشحين، قبل تقديم اسم واحد إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للموافقة عليه.

«إنه قرار يتم اتخاذه في الأساس في مجلس الأمن، غالباً من قبل الأعضاء الدائمين - وربما ثلاثة منهم فقط»، كما يقول رئيس الجمعية العامة، موغنس ليكيتوفت، الذي هو أيضاً الشخص الذي ائتمنته الأمم المتحدة، على صياغة عملية انتخابات أكثر انفتاحاً وتشاوراً على نطاق واسع لاختيار الأمين العام.

ويقول هذا الدبلوماسي الدنماركي إنه «صُدم»، عندما تولى منصبه قبل عام، من استخدام الأمم المتحدة لوسائل عفا عليها الزمن «تدور خلف الأبواب المغلقة» لاختيار زعيم للأمم المتحدة، لكنه يقول إنه يعلم أيضاً أن المؤسسة العالمية يمكنها أن تفعل ما هو أفضل.

ويقول ليكيتوفت إنه استوحى هذه الطريقة الجديدة، أكثر من أي شيء آخر، من عملية التشاور في جميع أنحاء العالم، ومن جلسات الاستماع العامة التي جرت على أرض الواقع، ومن خلال المناقشات في وسائل الاعلام الاجتماعية خلال الإعلان بأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، قد بدأت مرحلة التنفيذ للوصول إلى الأهداف الإنمائية المستدامة.

ويضيف «كانت تلك حقاً أول عملية تبدأ من أسفل إلى أعلى في الأمم المتحدة، حيث شارك ثمانية ملايين شخص تقريباً في جميع أنحاء العالم في المناقشات والمداولات، وكان ذلك مصدر إلهام بالنسبة لي».

هذه العملية الأكثر شمولاً قد أسهمت «بلا شك» في «أهداف أكثر طموحاً» وأكثر أهمية في حياة الناس، كما يعتقد ليكيتوفت، وأن ذلك أقنعه بضرورة تغيير عملية انتخاب زعيم الأمم المتحدة على الأقل، والعالم يعيش في القرن الـ21.

وطالب ليكيتوفت بمزيد من الشفافية وإشراك الجمعية العامة في استعراض المرشحين لمجلس الأمن. وكانت النتيجة نظاماً منقحاً يشتمل على سلسلة تستغرق ساعتين من «الحوارات»، حيث اجتمع أعضاء الجمعية العامة مع كل من المرشحين الرسميين الـ12 الذين وافقت عليهم الدول الأعضاء.

قادت المبادرة أيضاً إلى اجتماع في قاعة المدينة العالمية بنيويورك، أخيراً، مع المرشحين، والذي نقلته أجهزة التلفزة، والتقطته منصات وسائل الإعلام الاجتماعية للجمهور العالمي، الذي يقدر بالملايين.

ويعتقد ليكيتوفت أنه ليس هناك ضمان بأن مجلس الأمن لن يغير ممارساته خلف الأبواب المغلقة عندما يستقر رأيه على مرشح خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لكنه لا يشك أيضاً أن المجلس ـ وقواه الكبرى، الولايات المتحدة، وروسيا، والصين - قد فهم الرسالة التي مفادها أن الأمم المتحدة يجب أن تصبح أكثر شفافية ومساءلة. ويقول ليكيتوفت: «لا أعرف ما إذا كانت هذه العملية الجديدة من التشاور قد تجعل أعضاء الجمعية العامة يقرون أسماء عدد قليل من المرشحين المفضلين لديهم، وهناك إمكانية في أن يستقر رأي مجلس الأمن على مرشح مختلف بدلاً من قائمة المرشحين».

تويتر