مواصلة السكوت عن محاولات الدوحة تأجيج انقسام العالم الإسلامي لم تعد ممكنة

الضغط.. الطريق الوحيد للخروج من الأزمة مع قطر

صورة

لطالما عُرفت قطر باعتبارها دولة تقع في شبه جزيرة بالغة الصغر، إلا أنها تتصرف على نحو يفوق حجمها بكثير، كما أن ثروتها الضخمة من النفط والغاز، ونفوذها الذي حققته عبر محطة الجزيرة باللغتين العربية والإنجليزية، قد منحاها نفوذاً دبلوماسياً في العالم العربي. ولطالما استشعر المراقبون بقوتها من خلال مفاوضات دارفور وطرابلس وصنعاء، وأماكن أخرى.

يشعر صانعو السياسة الأميركية بالقلق من احتمال قيام قطر بتمويل «جبهة النصرة»، أحد فروع «تنظيم القاعدة» في سورية، إضافة إلى عناصر من تنظيم «داعش»، وهي المجموعات التي تشن عليها أميركا حملة قصف متواصل، ضمن حملة تحرير شمال العراق.

لكن قطر أصبحت في موقف صعب حالياً، إذ إنها تواجه اتهامات وانتقادات شديدة من كل حدب وصوب. وفقدت قطر فرصة وصول مرشحها لقيادة منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» التابعة للأمم المتحدة، على الرغم من أنه كان قبل بضعة أشهر الأوفر حظاً لقيادة هذه المنظمة الدولية. ويبذل الناشطون جهوداً كبيرة لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» لمنع قطر من استضافة بطولة كاس العالم المقررة عام 2022. وثمة ضغوط متزايدة تهدف إلى إغلاق قاعدة العديد الأميركية في قطر. ودعا الجنرال الطيار الأميركي، تشارلز والد، الذي افتتح القاعدة عام 2001، وهو الآن متقاعد، علناً إلى إغلاقها الآن. وهناك ائتلاف مؤلف من 34 ألف كنيسة، معظم روادها من الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، قاموا باحتجاجات في واشنطن العاصمة في 28 يونيو، حيث عبروا عن رفضهم اضطهاد قطر للأقليات الدينية الأخرى التي تعيش فوق أراضيها، مثل المسيحيين الذين يزيد عددهم على سكان قطر الأصليين، البالغ عددهم 310 آلاف نسمة. وكانت التظاهرة التي حدثت أمام السفارة القطرية في واشنطن هي الأولى من نوعها ضد قطر في العاصمة الأميركية. ويبدو أنها لن تكون الأخيرة.

ضغوط متزايدة

الأمر الأكثر دراماتيكية أن جيران قطر وحلفاءها أصبحوا ضدها الآن. فالسعودية والإمارات والبحرين ومصر جميعها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وأغلقت مجالاتها البحرية والجوية في وجه السفن والطائرات القطرية. وتحفل وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية بالكثير من الانتقادات الموجهة لقطر. لكن ما الذي حدث أساساً لحدوث كل ردات الفعل هذه؟ بات من الواضح أن قطر تمول أعداء أميركا وحلفاءها من العرب، حسبما ذكرته وزارة الخارجية الأميركية. ويشعر صانعو السياسة الأميركية بالقلق من احتمال قيام قطر بتمويل «جبهة النصرة»، أحد فروع تنظيم «القاعدة» في سورية، إضافة إلى عناصر من تنظيم «داعش»، وهي المجموعات التي تشن عليها أميركا حملة قصف متواصل، ضمن حملة تحرير شمال العراق. وهي أيضاً تدعم حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي تعتبرها الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وتؤكد البحرين أن قطر تدعم المجموعات المعارضة المسلحة الأخرى، التي تعتبر إرهابية، لأنها تصبو إلى زعزعة استقرار المنطقة. وتقول السعودية إن قطر تقدم الدعم للمتمردين الحوثيين في اليمن، إضافة إلى أنها تدعم مجموعات إرهابية في منطقة القطيف في السعودية. وفي الوقت ذاته تقدم قطر ملاذاً آمناً لقادة جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة تعتبر إرهابية، كما أن قطر تؤوي لديها منظر الإخوان المسلمين المعروف، يوسف القرضاوي، إضافة إلى خالد مشعل، الذي كان حتى وقت قريب رئيس حركة «حماس»، والقائد الإسلامي الجزائري عباس مدني، إضافة إلى العديد من قادة حركة «طالبان». وقطر لم تقدم لهؤلاء الملجأ والتمويل فقط، وإنما تقدم لهم منبراً يتحدثون منه، وينشرون أفكارهم من خلاله، هو محطة الجزيرة، حيث يحشدون الاتباع، ويعززون مكانتهم.

المواجهة مع إيران

وكان من الممكن أن تكون كل هذه الازدواجية والدعم مقبولين، أو ربما يمكن التغاضي عنهما، قبل أحداث 11 سبتبمر 2001، وقبل المواجهة بين الدول العربية وإيران، التي تنخرط الآن في حرب مباشرة أو بالوكالة ضد الدول العربية السنية. وتشير وسائل الإعلام الإيرانية التي تديرها الدولة إلى البحرين باعتبارها المحافظة الإيرانية الـ18، ويدعون ما يسمونهم المؤمنين إلى إنهاء سيطرة حكام السعودية على الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وثمة نزاع بين الإمارات وإيران أكثر سوءاً، إذ إنها تحتل ثلاث جزر إماراتية، هي طنب الكبرى وطنب الصغرى إضافة إلى جزيرة أبوموسى. ولا ينبغي علينا أن ننسى أن إيران تعمل على تطوير قنبلة نووية، إضافة إلى الصواريخ اللازمة لحملها إلى أماكن بعيدة. وربما أنها تريد أن تحل نزاعها الديني مع السنة على طريقة تفجيرات هيروشيما وناغازاكي. وبالمقارنة مع صراعات جيرانها مع إيران، تقيم قطر علاقات تجارية كبيرة مع الجمهورية الإسلامية، وهي تشترك مع إيران بحقل «بارس سود» للغاز، أحد أضخم حقول الغاز في العالم.

وعندما كانت إيران ترزح تحت العقوبات الدولية، واصلت قطر بيع الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا. وكان حقل الغاز الذي تمتلكه الدولتان قد أعطى قطر الغطاء المثالي لتقديم المساعدة لشريكتها في الجريمة إيران. إلا أن الشحن عبر البحر كان بطيئاً ومكلفاً وينطوي على المخاطر، ولذلك اقترحت قطر مد أنابيب الغاز عبر سورية، لنقل منتجات إيران من الطاقة، إضافة إلى منتجاتها، لمد السوق الأوروبية المتعطشة للطاقة. وبالطبع، فإن مد مثل هذا الأنبوب من شأنه تخفيف كلفة الطاقة إلى النصف، كما أنه يعزز من قوة قطر في الوقت ذاته، لكن الرئيس السوري بشار الأسد وضع نهاية حقيقية وسريعة لهذا المشروع.

القشة التي قصمت ظهر البعير

باختصار، فإن دعم قطر لإيران كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لجبرانها من دول الخليج. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب واضحاً تماماً مع قطر، عندما طالبها بوقف تمويل أعداء أميركا. ومن الواضح أنه يتعين على قطر التوقف عن تمويل المجموعات التي تعتبر إرهابية من قبل حلفائها، كما أنها يجب أن تتخلى عن حماية قادة الإرهابيين الذين تؤويهم على أراضيها، بل على العكس، يجب جلبهم إلى المحاكم. ويتعين على وزارة الخارجية الأميركية أن تدعو الملك المغربي محمد السادس للمساعدة في هذا المجال. وقامت إيران وقطر بصورة غير مباشرة بدعم المجموعات المسلحة من الأقليات الشيعية عبر العالم العربي ذي الغالبية السنية.

ويجب على قطر أن تتوقف عن تأجيج اللهب الذي يعمل على تقسيم العالم الإسلامي، ويجب على المغرب ودول الخليج أن تحصل على الفرصة الحقيقية للتخلص من الحرب الأهلية الدينية بين الطائفتين الرئيسيتين في الدين الإسلامي، وهما السنة والشيعة، هذه الحرب التي يمكن أن تكلف ملايين الأرواح في حرب يمكن أن تستمر عقوداً عدة.

لقد وصلنا إلى زمن باتت فيه مواجهة قطر ستجلب السلام، وإن السكوت عنها سيقودنا إلى الحرب. ويبدو أن رأي ترامب واضح، إذا تغيرت قطر فإن العالم حولها سيتغير أيضاً.

تويتر