لم تحسب حساباً ليوم الاستحقاق الكبير

قطر بلد صغير لم يستوعب حجمه وإمكاناته المحدودة

صورة

خلال عملي في الشؤون الجيوسياسية لأكثر من 46 عاماً، كنت نادراً ما أتفاجأ بالتطورات المتعلقة بالجغرافيا السياسية. هناك منطق لا مفر منه تقريباً. تفاعل العديد من المراقبين الغربيين مع الصدمة والرعب عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم، في انتهاك واضح للقانون الدولي. ومع ذلك، كان هذا رد فعل لا مفر منه تقريباً ضد التوسع الغربي المتهور، المتمثل في امتداد حلف شمال الأطلسي ليصل إلى أعتاب الفيدرالية الروسية. والحماقات الجيوسياسية لها عواقب وخيمة.

وفي ظل هذه الخلفية، لم يكن التطور الجيوسياسي الذي حدث أخيراً في منطقة الخليج العربي مفاجأة أيضاً، والمتمثل في قرار البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.

كان يتوجب على قطر معرفة استحقاقاتها تجاه المؤسسات الدولية، والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة، الأمر الذي تجاهلته الدوحة إلى حد كبير.

إن قاعدتي البسيطة في تحليل التطورات الجيوسياسية، هي أنها ليست أبداً قضية سوداء أو بيضاء. لا يوجد جانب واحد هو الحق تماماً، وليس أي جانب آخر خاطئ تماماً. الواقع هو في كثير من الأحيان فوضوي، لذلك لن أحاول تحليل مواطن الصواب والخطأ حيال التطورات المتعلقة بقطر.

ومع ذلك، أود أن أؤكد بقوة أن هذه الأزمة في قطر تحمل العديد من الدروس. هناك ما لا يقل عن ثلاثة دروس مهمة يجب أن نتعلمها، ومن ثم نتخذ تجاهها الإجراءات التصحيحية.

الدرس الأول يتمثل في أن البلدان الصغيرة يجب أن تتصرف وفقاً لحجمها الصغير. كان هذا خطأ كبيراً ارتكبته قطر. لأن لديها أموالاً طائلة، اعتقدت أنه يمكنها أن تلعب دور قوة وسيطة، وتتدخل في شؤون خارج حدودها. وأذكر أنني شعرت بالصدمة حقاً عندما قررت قطر التدخل في شؤون سورية في عام 2011. وفرضت عقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد كجزء من إجراءات الجامعة العربية.

وقد أُصبت بصدمة أكبر، عندما قررت الدوحة الانضمام إلى حملة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة ضد سورية في سبتمبر 2014. قلت لنفسي حينئذ، إن قطر ستدفع ثمناً في يوم من الأيام لعدم التصرف بحكمة مثل دولة صغيرة. إن رد الفعل الحالي على قطر، ليس نتيجة تدخلها في سورية. ومع ذلك، كان هذا العمل جزءاً من نمط أكبر من السلوك، حيث رأت قطر أن أموالها وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، ستحميها من العواقب.

في هذا السياق، تجاهلت قطر قاعدة جيوسياسية مهمة: الدول الصغيرة يجب أن تتصرف مثل الدول الصغيرة. لماذا؟ لقد أجاب عن هذا السؤال المؤرخ الشهير، ثوسيديدس، عندما كتب عن الحرب بين أثينا وأسبرطة: «الحق في هذا العالم، هو مسألة محصورة بين متساوين في القوة. بينما يفعل الأقوياء ما بوسعهم، يقاسي الضعفاء ويأخذون نصيبهم من المعاناة». عندما أمضيت سنة في جامعة هارفارد (1991-1992)، سلط البروفيسور جوزيف ناي، الضوء على هذه القاعدة باستمرار في دروسه من التاريخ.

أما الدرس الثاني، فيتمثل في عدم فهم التحديات الإقليمية، وتجاهل مصالح ومخاوف البلدان المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، لم تهتم الدوحة كثيراً في توطيد العلاقات الاقتصادية بشكل مناسب بينها وبين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. النظر إلى أبعد من المحيط الإقليمي، قد يعرض أي دولة بحجم قطر إلى مخاطر كبيرة غير محسوبة العواقب. التنمية الحقيقية تكمن في فهم الحجم السياسي والاقتصادي، والإمكانات المتاحة لبلد بهذا الحجم. كما يجب مراعاة المصالح الإقليمية وعدم تجاهلها في أي حال من الأحوال، خصوصاً إذا تعلق الأمر ببلدان مجاورة أكبر حجماً وأكثر قوة.

ويكمن الدرس الثالث في أهمية معرفة قطر لاستحقاقاتها تجاه المؤسسات الدولية، والالتزام بمواثيق الأمم المتحدة، الأمر الذي تجاهلته الدوحة إلى حد كبير. لم يوقف ميثاق الأمم المتحدة الانتهاكات في حق الدول الأعضاء تماماً، فقد شهد العالم غزو العديد من البلدان، بما في ذلك أفغانستان في عام 1979، والعراق في عام 2003، وجزر القرم في عام 2014. ومع ذلك، كان هناك انخفاض حاد في الدول الصغيرة، التي تم غزوها واحتلالها. لقد جعل ميثاق الأمم المتحدة العالم مكاناً أكثر أماناً للدول الصغيرة، ولذلك فإن المنظمة الأممية هي أفضل صديق للدول الصغيرة مثل قطر.

كيشور مهبوباني عميد كلية السياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية

تويتر