تجاهلت التحذيرات السابقة.. والآن حان القصاص

قطر في موقع اتهام تستحـقه على سلوكها تجاه الإرهاب

صورة

بعد نحو أسبوعين من إلقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خطابه الذي ضمنه سياسته الخارجية في قمة الرياض، أمام وفود من عشرات الدول العربية والإسلامية، أعلنت البحرين في الخامس من يونيو الجاري قطع علاقاتها الدبلوماسية وعلاقات السفر والنقل مع قطر، لأنها ترعى الإرهابيين والمتطرفين، وفي الحال تبعتها السعودية والإمارات العربية ومصر واليمن، كما أنها قامت بإغلاق مواقع قناة الجزيرة التي تقوم منذ تأسيسها عام 1996 بإثارة القلاقل في شتى أنحاء الشرق الأوسط، وتدعم حركة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التابعة لها.

- الضغوط التي تقوم بها الكتلة المناوئة لإيران في الشرق الأوسط قامت بلفت انتباه العالم أكثر من أي وقت مضى إلى دور قطر الأساسي في نشر الإرهاب، أكثر بكثير من السنوات الماضية التي كانت فيها قطر تدّعي غير ذلك.

- استئجار شركة أشكروفت ليس المؤشر الوحيد على أن قطر في حالة رعب، إذ إن هناك مؤشراً آخر يتمثل في محاولة قادتها تخفيف حدة الخوف بين أفراد الشعب، حيث ذكرت التقارير الإخبارية أن الشعب بدأ بشراء المواد الغذائية بصورة محمومة ومرعوبة من المتاجر.

لكن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والمسؤولين الآخرين في الدوحة، أنكروا بشدة هذه التهمة، زاعمين أن حكومتهم لا تدعم الإرهاب، وألقوا باللائمة على ما وصفوه بـ«أخبار مزيفة» تم نشرها على موقع وكالة الأنباء القطرية لإثارة الأزمة في منطقة الخليج العربي.

وكان التقرير الذي اعتقدت وكالات أمنية أميركية أنه نتيجة قرصنة من روسيا، قد ذكر أن الأمير القطري قال إن إيران «قوة إسلامية»، وأشار إلى حركة «حماس» باعتبارها ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وقال أيضاً إن علاقات قطر مع إسرائيل «جيدة».

وبعيدا عن التقرير فإن علاقات قطر الواسعة مع الإرهاب، وتشجيع الممولين على دعمه، قضية موثقة تماماً. وكان موقع مؤسسة حماية الديمقراطيات قد نشر دراسة بعنوان «قطر تموّل الإرهاب»، تظهر أنه على الرغم من أن قطر تتظاهر بأنها تساعد الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم القاعدة، إلا أنها في واقع الأمر لم تتخذ أي إجراء ضد الممولين القطريين لفرع المنظمة الإرهابية في سورية، أي «جبهة النصرة»، التي تواصل القيام بهجمات ضد العالم الغربي. وأحد الأسباب التي جعلت هذه المنظمة تفلت من ضربات الولايات المتحدة في سورية هي أنها مثل أميركا تحارب تنظيم «داعش»، والسبب الآخر أنها غيّرت اسمها وحولته إلى «جبهة تحرير الشام»، وذلك في مسعى منها لإبعاد نفسها عن «القاعدة»، وهو الأمر الذي تم بإيعاز من قطر.

وحسب دراسة مؤسسة حماية الديمقراطية، فإن «مسؤولين أمنيين من قطر التقوا مرات عدة قائد (جبهة النصرة) أبومحمد الجولاني، في عام 2015، في إشارة منهم إلى أن جبهته يمكنها أن تحصل على المال من قطر، بعد أن أبعدت نفسها عن (القاعدة)»، وعلى الرغم من أن الجزء الأول للدراسة، التي نشرت عام 2014، يكشف أن «سجل الدوحة المرعب» قد ساد خلال حكم الأمير حمد آل ثاني، إلا أن الجزء الثاني منها يركز على تقييم الأدلة المتاحة عن سجل قطر، الذي سجل بصورة رئيسة على أشخاص فرضت عليهم وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في عامي 2014 و2015، وتمت كل هذه العقوبات، بعد أن وافقت قطر في سبتمبر 2014 في بيان جدة، على جلب ممولي الإرهاب إلى المحاكم، «لكن الدراسة قالت إن قطر لم تلتزم بأي من تعهداتها، بل إن بعض ممولي الإرهاب لايزالون يتمتعون بحصانة قانونية».

الأمر كبير

ومن غير المرجح أن يكون خبراً صغيراً مسؤولاً عن قيام العديد من الدول العربية بفرض مقاطعة على قطر، لولا علاقاتها الكبيرة مع المنظمات الإرهابية. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال في تغريدة له إن موقف هذه الدول في مقاطعة قطر يظهر مدى جديتها «في إبعاد الإرهابيين والمتطرفين من بين ظهرانيهم»، وقال ترامب في تغريدة أخرى خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، «أكدت انه لا ينبغي أن يكون هناك تمويل للإرهاب بعد الآن، إلا أن القادة الذين التقيت بهم أشاروا جميعهم إلى قطر، باعتبارها هي التي لاتزال تقدم التمويل للمتطرفين والإرهابيين». وقال ترامب في تغريدته «خلال زيارتي للسعودية ولقائي الملك، إضافة إلى 50 دولة أخرى، أكدوا لي أنهم سيأخذون موقفاً متشدداً من تمويل التطرف، لكنهم أشاروا بالتهمة إلى قطر. وربما سيكون ذلك بداية النهاية للتطرف والإرهاب».

وأثار ذلك الخبراء من كلا جانبي الطيف السياسي الخليجي والأميركي، ليتساءلوا عما إذا كان ترامب متهوراً في تغريدته، أو أنه في واقع الأمر يعلن تغيراً لعقود من السياسة الأميركية نحو قطر، التي تحوي قاعدة العديد الجوية بجانب الدوحة، وهي ليست القاعدة الأميركية الأكبر في الشرق الأوسط، وتضم 10 آلاف جندي أميركي، لكنها عملت منذ عام 2003 كمقر للقيادة المركزية الأميركية، كما أنها لعبت دوراً حيوياً للعمليات الأميركية في أفغانستان وسورية والعراق.

ولكن في اليوم التالي اتهم ترامب بالتراجع عن موقفه، عندما اتصل بالأمير تميم آل ثاني، وعرض عليه «تقديم المساعدة لحل الخلافات بين دول الخليج، بما فيها عبر إجراء لقاء في البيت الأبيض، اذا كان الأمر ضرورياً».

خياران للتعامل

ويرى بعض المراقبين أن واشنطن لديها خياران للتعامل مع قطر، الأول: بالنظر لأهمية قطر وقاعدة العديد بالنسبة للولايات المتحدة، وان الإطاحة بنظام قطر من شأنه أن يثير صراعاً أكثر خطورة، وأنه ليس هناك خيار آخر غير التفاوض للتوصل إلى حل. وأما الخيار الآخر فإنه يتمثل في العمل علناً على تقليص مكانة قطر الإقليمية، ودعمها المالي لإيران وحلفائها ووكلائها الإرهابيين.

لكن رسائل متضاربة تظهر من إدارة ترامب، ففي التاسع من يونيو قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون، إن «الحصار» يعوق عمليات واشنطن ضد «داعش». وفي اليوم ذاته أكد المتحدث باسم «البنتاغون» جيف ديفيس، أن عزل قطر ليس له تأثير سلبي في عمليات الولايات المتحدة في قاعدة العديد. وقال ديفيس للصحافيين «جميع عملياتنا تجري بصورة جيدة حتى الوقت الحاضر».

ومع تطور النزاع أصدرت السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر بياناً يصنف فيه 59 شخصية، إضافة إلى 12 منظمة، أن لها علاقات إرهابية مع قطر. وحسب البيان فإن الدوحة «تعلن محاربة الإرهاب بيد، وتمول وتدعم وتستضيف منظمات إرهابية باليد الأخرى»، و«تستضيف عندها مجموعات طائفية وإرهابية، تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة».

وفي السابع من يونيو، أي في اليوم الذي اتصل به ترامب مع الأمير القطري، وقبل يومين من إصدار البيان السعودي، استأجرت قطر شركة قانونية يمتلكها المدعي العام الأميركي السابق جون أشكروفت، للمساعدة على مواجهة الاتهامات بالإرهاب. وكانت هذه خطوة محسوبة بدقة، بالنظر إلى أن أشكروفت لعب «دوراً حاسماً في توحيد وتعزيز أميركا في أعقاب حادثة 11 سبتمبر، عن طريق توفير الأدوات الملائمة المطلوبة لمحاربة الإرهاب، والمعروفة أكثر بقانون باتريوتيك آكت».

حالة رعب

وبالطبع فإن استئجار شركة أشكروفت ليس المؤشر الوحيد على أن قطر في حالة رعب، إذ إن هناك مؤشراً آخر يتمثل في محاولة قادتها تخفيف حدة الخوف بين أفراد الشعب، حيث ذكرت التقارير الإخبارية أن الشعب بدأ بشراء المواد الغذائية بصورة محمومة ومرعوبة من المتاجر، ناهيك عن تهديد دول مجلس التعاون الأخرى، التي هددت بأنها ستجعل قطر تواجه معاناة مالية شديدة نتيجة مقاطعتها. وحذر وزير المالية علي شريف العمادي بالقول «اذا كنا سنخسر دولاراً، فإنهم سيخسرون مثله أيضاً، واحتياطاتنا واستثماراتنا اكثر من إنتاجنا المحلي بـ250%، وبناء عليه فإنني لا اعتقد ان ثمة سبب يدعو الشعب إلى الخوف مما يجري أو التفكير بشأن الريال».

وعلى الرغم من موقف العمادي، وتأكيد الدوحة أنها لا تقيم أي تحالفات مع إيران ضد أحد، إلا أن طهران أعلنت أنها بدأت بإرسال مئات الأطنان من المواد الغذائية إلى قطر، وعُمان أيضاً فعلت الأمر ذاته، وقامت تركيا بما هو اكثر من ذلك، حيث أرسلت ما بين 3000 إلى 5000 جندي إلى قاعدتها العسكرية في قطر، لمساعدة نظام آل ثاني، اذا تعرض لأي خطر داخلي أو خارجي.

ومن الواضح أن هذه الأحداث تشير إلى تشكل خطوط واضحة للمواجهة بين كتلتين مركزيتين في المنطقة، إذ إن الموضوع القطري يبقى غير أساسي، والأمر الأكثر أهمية هو ظهور تحالف سنّي بين الدول العربية تتزعمه الولايات المتحدة في مواجهة إيران.

والغريب أن الضغوط التي تقوم بها الكتلة المناوئة لإيران في الشرق الأوسط قامت بلفت انتباه العالم اكثر من أي وقت مضى إلى دور قطر الأساسي في نشر الإرهاب أكثر بكثير من السنوات الماضية التي كانت فيها قطر تدعي غير ذلك.

تويتر